تتلخص أهداف «أحمد حسين» في إنتاج البن العالي الجودة وتصديره إلى الأسواق الخارجية، وتبدو مهمته مستحيلة بسبب الحصار المفروض على اليمن من السعودية وحلفائها؛ لكنه بدأ بالفعل في زراعة بذور القهوة.
هكذا تناولت صحيفة «ميدل إيست آي» الأزمة اليمنية وتأثرها بالحرب التي تقودها السعودية ضدها. ويقول أحمد، الرئيس التنفيذي لشركة بُنّ في اليمن: «لا أجد شغفي إلا في القهوة، إنها الكنز الوطني لليمن، وينبغي أن تحصل على اهتمام أيّ شخص».
وتستمد القهوة اليمنية شعبيتها باعتبارها من أفضل الأنواع في العالم، واليمن أقدم موطن لها في العالم، وبدأ في تصدير أولى شحنة من البن عام 1400 ميلاديًا؛ عبر ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، الذي أصبح مركزًا لتجارته في العالم. واستخدم الصوفيون القهوة اليمنية لمساعدتهم في التركيز وصفاء الذهن أثناء ممارسة عباداتهم.
ويقول «أحمد» إنّ شغفه بزراعة حبوب القهوة بدأ منذ أن كان صغيرًا، وعمره الآن 37 عامًا. ولد وترعرع في صنعاء، ولديه أقارب وأصدقاء يمتلكون مزارع للبن في جميع أنحاء العاصمة، ووالده حبّبه فيها، وكبر واتّبع خطاه.
وفي سبتمر الماضي، نجح «أحمد» للمرة الأولى منذ بدء الحرب اليمنية بقيادة السعودية في تصدير أولى شحنة بن من مطار عدن، مرورًا بالمملكة، ثم إلى الولايات المتحدة، وحينها رُفع الحصار جزئيًا؛ ما مكّنه من مزاولة مهنته.
كانت أولى شحنة عبارة عن طِنّين من القهوة، أُرسلت من السعودية إلى أوكلاند في ولاية كاليفورنيا، وبلغ سعر الكيلو الواحد 150 دولارًا. ولا يعرف أحمد حتى الآن ما إذا كان سيتمكن من إرسال شحنات أخرى إلى الخارج أم لا؛ فموعد الشحنة التالية مقرر له في مارس المقبل.
ويستعد «أحمد» حاليًا إلى افتتاح أوّل مقهى له في اليمن، لكنه لم يحدد موعدًا بعد؛ ويخشى من الحرب الدائرة هناك، وسيشرع في ذلك بمجرد انتهائها، أو يأمل في ذلك.
وقُتل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في 4 ديسمبر الجاري في معركة بصنعاء بينه ومليشيات الحوثيين. ويقول «أحمد» إنّ وفاته لم تؤثّر على عمله بشكل كبير.
وقرر التحالف السعودي إغلاق الموانئ والمطارات والحدود في مطلع الشهر الماضي بعد إطلاق صاروخ على الرياض من الأراضي اليمنية. وخُفف الحصار بعدها بثلاثة أسابيع؛ ولم يكن لهذا تأثير يُذكر على تصحيح أوضاع اليمنيين، الذين يشهدون أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، كما وصفت الأمم المتحدة.
يقول «أحمد» إنّ «الحصار لم يُصعّب علينا تصدير منتجاتنا فقط؛ بل ساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج أيضًا، بجانب نقص الوقود والمياه، وهما عاملان مهمان في الزراعة، كما أصبح النقل مكلفًا للغاية».
ونتيجة للحصار البحري؛ لا تزال البلاد تعاني من نقص حاد في الوقود.
وقال «أحمد» إنّ «العقبة الرئيسة التي واجهتنا هي الحصار الجوي والبحري المفروض على اليمن ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف إدارة المزارع، واتباع طرق صعبة ومكلّفة لتصدير منتجاتنا إلى الخارج».
ويظهر تقرير صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية في عام 2016 أنّ الحرب أدّت إلى إغلاق 95% من الشركات الخاصة في اليمن؛ بسبب فقدان العملاء ونقص الوقود وانعدام الأمن والدمار الذي أصاب البنية التحتية وارتفاع التكاليف.
وفي عام 1997، ذهب أحمد إلى بريطانيا لتلقي تعليمه الثانوي هناك، وحضر دورات في اللغة الإنجليزية وتلقّى التعليم المهني في مدرسة مهنية هناك، كما تعلّم تطوير البرمجيات؛ لكنّه يقول إنّ اهتمامه بالقهوة اليمنية فاق كل هذا.
ويضيف: «في بريطانيا، أخبرني أصدقائي دائمًا أنهم يفضّلون البن اليمني، وكان هناك مكان دائمًا نجلس فيه ويقدّمه، لم نسمِّه مقهى؛ بل معبدنا، وكان نقطة التقاء يومية لنا، ويقدم أنواعًا مختلفة من القهوة اليمنية والبرزايلية وغيرهما. لم يمر علينا يوم دون أن نشرب قهوة فيه».
وفي 2001 التقى «أحمد» بزوجته السابقة من أصل ياباني في المملكة المتحدة، وحثّته على زيارة اليابان، وفتحت عينيه على أنّ هذا البلد من أكبر مستوردي القهوة الخضراء في العالم؛ وهو ما ألهمه ليشكّل جسرًا تصديريًا للقهوة إلى هناك.
وبدأت تجارته في البن منذ ذلك الحين، وبدأ يلتقي بمزارعين البن اليمنيين بانتظام، وتعلّم كلّ شيء عن القهوة اليمنية؛ وفي غضون عام 2009 أصبح تاجر جملة للقهوة، وافتتح متجرًا مستقلًا له، وجعل اليابان سوقه الرئيس، وانتقل إلى العيش هناك وقتًا، وافتتح مقهى في طوكيو يسمى «موكا كافيه» يقدم القهوة اليمنية فقط، وكان مليئًا بالزبائن وجذب وسائل الإعلام.
وأعزى «أحمد» نجاحه في اليابان إلى التقدير الذي يُكّنه اليابانيون للجودة ولمستهم الشخصية للمنتجات والسلع، ويضيف: «عملت هناك بجد بالغ، وجلبت لهم البن اليمني ذا الجودة العالية».
وبينما تزدهر أعماله، انتهى زواجه بالطلاق؛ وفي عام 2012 غادر المقهى الياباني وعاد إلى اليمن لمتابعة حلمه في إنشاء مزرعة بنّ خاصة به.
لكنّ البلاد في خضم اضطرابات سياسية. لم يقلق؛ لأنّ تجارة البن نجت من الصراعات والصعوبات الاقتصادية السابقة. ويقول: «كنت على يقين من أنّ القهوة اليمنية الوحيدة التي ستنجو على الرغم من التدهور الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة إلى 60%».
ذهب أحمد في عام 2014 إلى واشنطن لحضور مؤتمر القهوة السنوي، الذي تديره جمعية القهوة المتخصصة في أميركا، وبينما كان على وشك العودة إلى اليمن اندلعت الحرب الأهلية وأغلقت المطارات؛ ولم يستطع الذهاب إلى أي مكان، وبقي في الولايات المتحدة.
وتوقع أن تنتهي الحرب قريبًا، لكنّ توقعه خاب، واضطر «أحمد» إلى العمل سائقًا في شركة «أوبر» هناك، وتارة عمل في متجر للهواتف المحمولة. ويضيف: «اكتسبت خبرات في أشغال أخرى؛ لكنّ حلم القهوة لم يتركني طوال الوقت»، فقرر في عام 2016 العودة إلى اليمن بالرغم من اشتعال الحرب الأهلية.
ويوضح: «جميع من يعرفني في أميركا اعتقدوا أنني مجنون لمغادرتي الولايات المتحدة وقراري بالذهاب إلى بلد تقتله الحرب، لكنني لم أخف تمامًا، وثقت في متانة القهوة اليمنية؛ فالصراعات في اليمن تذهب وتجيء وصناعة البن لم تتأثر يومًا».
عاد أحمد إلى اليمن، وتمكّن عبر وسم «#YemenCoffeeBreak» من الوصول إلى ممول أُعجب بفكرته، وموّلها، مضيفًا: «بذلك أعطيت سببًا للمزارعين لأن يتفاءلوا، وعملت معهم بشكل وثيق، وتمكّنت من تعزيز ممارستهم بما لدي من خبرات، وعرضت عليهم تقنيات غير تقليدية في زراعته؛ وهي أشياء تعلمتها في بريطانيا والولايات المتحدة».
ويضيف: «بالرغم من البؤس بجوارنا؛ أعتقد أنّ القهوة مصدر سعادة كثيرين. لقد نجت هذه النبتة لقرون وستبقى على قيد الحياة وسط أي صراع».