نشرت صحيفة «الهاف بوست» مقالًا للكاتب الأميركي جيمس دورسي سلّط فيه الضوء على حالة القمع التي تعيشها مصر في ظل حكومة عبدالفتاح السيسي، وتعكف الإمارات والسعودية على دعمها بشدة والتأصيل لها، بجانب محاولاته لترهيب أيّ مرشح محتمل؛ من أبرزهم أحمد شفيق الذي شاركت الإمارات في محاولة منعه، إضافة إلى إحكام قبضته على الروابط والمنظمات الرياضية والشبابية.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه من المرجح أن يكون عبدالفتاح السيسي أوّل من يعترف بأنّ القبضة الحديدية ليست ضمانًا للبقاء في السلطة، ليس بسبب مصير حسني مبارك، أطول حاكم استبدادي لمصر وأطيح به في ثورة 2011؛ بل لأنّ قبضته هذه لم تردع المقاومة، كما لم تمكّنه من مباشرة مهامه في تقديم الخدمات التي هو في أشد الحاجة إلى تقديمها للحفاظ على نفسه.
وفي الوقت نفسه، لم يشرع قبيل الانتخابات، وهي على الأبواب، في تخفيف دور الجيش في المشاريع الاقتصادية؛ وهو الدور الذي أنهى القطاع الخاص. وبدلًا من ذلك، اختار سياسات اقتصادية لا تتمحور في البنية التحتية، التي هي عماد خلق فرص العمل وإنقاذ الملايين من براثن الفقر.
وبدلًا من ذلك، وبدعم من الإمارات والسعودية، شدّد السيسي قبضته الحديدية على الشباب والروابط الرياضية التي كانت في الصميم من ثورة يناير 2011، وهناك اعتقادات حالية أيضًا بأنّه يحاول منع المرشحين الموثوق فيهم من خوض المنافسة؛ بالرغم من أنه لم يعلن ترشحه حتى اللحظة الآنية.
سياسات فاشلة
وتثير سياسات السيسي الفاشلة، بجانب إصراره على السيطرة القمعية على الحياة العامة، تساؤلات بشأن استدامة الثورة المضادة التي تقودها الإمارات وتهدف إلى تحجيم منجزات ثورات الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن.
وجاء السيسي إلى منصبه بانقلاب عسكري عام 2013، مدعومًا من الإمارات والسعودية، وتمكّنوا مجتمعين من الإطاحة بأوّل رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في مصر.
ورفضت مصر، أو لم تستطع، تبني الصيغة السياسية التي اعتمدتها الإمارات والسعودية لدحض أي ثورة في الداخل تقوم على إصلاحات اقتصادية ومزيد من الحريات الاجتماعية مقابل استخدام القمع للاحتفاظ بالسيطرة السياسية، ويبدو أنّ القمع والسيطرة السياسية في منطقة الشرق الأوسط هما الجانب الوحيد في الصيغة الإماراتية السعودية، التي اعتمدتها مصر بكل إخلاص.
وأجبرت سياسات السيسي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أكّد مرارًا أهمية حقوق الإنسان تحت إدارته وهو من محبيه، على قطع مساعدات عسكرية عنه في وقت سابق من هذا العام؛ امتثالًا للقانون الأميركي.
وفي مقال افتتاحي عن الهجوم «الإرهابي» الذي وقع الشهر الماضي على مسجد الروضة للصوفيين في شمال سيناء وقُتل أكثر من 300 شخص، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنّ السيسي جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل، مضيفة أنّ «النظام استخدم الإرهاب ذريعة للقمع الشديد».
الإمارات وشفيق والسيسي
واتهم أحمد شفيق، رئيس الوزراء المصري الأسبق وأحد أكثر منافسي السيسي قوة، هذا الأسبوع الإمارات بمحاولة منعه من السفر. وهو ما نفاه وزير الخارجية الإماراتي «أنور قرقاش» هذا الاتهام؛ لكنه اعترف بأنّ بلاده «تحفّظت بشدة على بعض مواقفه».
وانتقل شفيق إلى الإمارات عام 2012 بعد اتهامات بالفساد، وتبرئته فيما بعد، في أعقاب هزيمته بالانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الدكتور محمد مرسي، الذي أجبره السيسي على ترك منصبه بعد عام واحد فقط.
وبالرغم من اعتماده على الدعم المالي من الإمارات والسعودية، اختلف السيسي معهما في سياساتهما تجاه إيران وسوريا؛ لكنه انضم إلى المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية لقطر، التي استمرت ستة أشهر، لمزاعم بدعم قطر جماعة الإخوان المسلمين.
وفي خطوة من المحتمل أن تثير غضب الولايات المتحدة، وافقت مصر على اقتراح روسي يسمح لقواتها الجوية بالعمل في القواعد المصرية، ومن شأن الاتفاق أن يسمح للإمارات والسعودية بتعزيز التعاون العسكري مع روسيا؛ خاصة في ليبيا، حيث يدعمان القائد العسكري المثير للجدل «خليفة حفتر».
السيسي يلتف على الشباب
وبعد سنوات من الجهود الفاشلة، بدأ السيسي مساعيه لإقامة حوار مع الشباب المصري؛ للسيطرة على المنظمات الشبابية والرياضية، المحتمل أن تقف مع شفيق؛ وبالتالي تشكّل أكبر تهديد لاستمرار حكمه.
بينما رفضت روابط المشجعين، الذين أدّوا دورًا رئيسًا في إسقاط مبارك ونظامه وقادوا احتجاجات طلابية ضد السيسي في عامي 2013 و2014، تصريحات للسيسي؛ وأعلنوا بشكل صريح أنهم على الجانب الآخر منه.
ودأب السيسي أيضًا على اعتقال المئات منهم؛ ففي الأشهر الأخيرة أمر باعتقال بعضهم لارتدائهم تيشيرتًا مكتوبًا عليه الرقم 74، احتفاءً وتخليدًا لشهداء مذبحة بورسعيد في 2012 في الحادثة التي أرادت فيها قوت الأمن تلقين المشجعين درسًا لن يسنوه.
كما اُعتُقل 500 مشجع آخر من رابطة «الوايت نايتس» أثناء محاولتهم حضور مباراة الزمالك أمام أهلي طرابلس في يوليو الماضي، وأُطلق سراح كثيرين منهم فيما بعد.
ووافق البرلمان المصري الشهر الماضي على قانون جديد يضمن الروابط والمنظمات الرياضية ككيانات إرهابية، وصُوّر على أنه هدية للشعب المصري؛ بمنع النوادي من الانخراط في أي نشاط سياسي أو حزبي أو الترويج لأي منهما، أو حتى تشجيع أيّ أفكار أو أهداف سياسية.
وتأسست أندية مصرية (كالأهلي والزمالك) في السنوات الأولى من القرن العشرين كجماعات ذات دوافع سياسية؛ إذ تأسّس الأهلي مناهضًا للملكية والاستعمار، وعرّف الزمالك نفسه بأنه مؤيد للنظام الملكي والبريطانيين.
مزيد من السيطرة
وتزامنت «هدية البرلمان المصري» مع المنتدى العالمي للشباب في شرم الشيخ، وهو أحد منتديات وتجمعات تهدف إلى منح الشباب المصري شعورًا بالمشاركة مهما كانت محدودة؛ عن طريق ربطهم وتواصلهم مع صناع القرار، وكان تحت عنوان «نحتاج للتحدث».
وأشارت السعودية أيضًا إلى أهمية السيطرة على الأندية الرياضية، ونقلت هذه الرسالة عن طريق حضور سفيرها في القاهرة حفل فوز محمود الخطيب رئيسًا للأهلي؛ لكنّ الحقيقة أنّ أغلب النوادي المصرية مملوكة لتابعين للحكومة وتزيد من سيطرة الدولة السياسية على هذه النوادي، وتركّزت أعين الفيفا طويلًا على مصر وسوريا لانتهاكهما قواعد كرة القدم؛ لذا تجنب مسؤولون مصريون كبار حضور الحفل الذي حضره السفير السعودي.
وتأتي تشديدات السيسي على الأندية الرياضية قبل مشاركة مصر للمرة الأولى منذ 28 عامًا في مونديال روسيا 2018، وتستطيع كرة القدم في الشرق الأوسط احتواء المشاعر المتزايدة للجماهير، وهي سلاح ذو حدين لأي دولة؛ خاصة الأرستقراطيين.
وتكمن أهمية التواصل مع الفرق الرياضية في أنها تقدّم فرصة للدولة لتلميع صورتها المشوّهة، إضافة إلى أن الفوز يجلب شعور الحماس بالوطنية، كما أنها توفر عاطفة متزايدة من الممكن استغلالها في احتجاجات مناهضة للحكومة، وهذا أحد أسباب شروع الحكومة المصرية في إحكام قبضتها على الأندية، ومنع الجمهور من حضور أغلب المبارايات. لكن، مهما فعلت لن تستطيع الحكومة أو القانون الجديد منع الملاعب من أن تصبح مرة أخرى منصات احتجاجية إذا رفُع الحظر عليها.