دفع هجوم الروضة في شمال سيناء، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص، المسؤولين المصريين إلى تجديد الجهود الرامية إلى تجنيد القبائل المحلية؛ لدعمها الحاسم في محاولات هزيمة «تنظيم الدولة»، وفقًا لما ذكرته مصادر أمنية وعسكرية، كما نشر موقع «ديفينس ويب».
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ مسلحين ملثمين يرتدون أزياء عسكرية أطلقوا النار تجاه المصلين في المسجد بمنطقة بئر العبد؛ وهي أسوأ حادثة تشهدها مصر في تاريخها الحديث.
كما تمثّل نكسة كبرى للجيش، الذي يقاتل الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء منذ سنوات بواسطة الضربات الجوية والبرية وحملات الاعتقالات الجماعية، بينما قُتل المئات من الجيش والشرطة. والجيش، الذي يفتقر إلى مهارات مكافحة الإرهاب، جنّد القبائل قبل ثلاث سنوات؛ معربًا عن أمله في الاستفادة من إتقانها للتضاريس الوعرة لشمال سيناء في توفير معلومات استخباراتية عن المسلحين وطرق تهريب الأسلحة.
وأسفرت هذه الحملات عن نتائج محدودة، بينما استمرت إراقة الدماء، التي تضغط على الجيش للتطلع نحو تعاون أفضل مع زعماء القبائل العربية، بالرغم من مكاسب قليلة أحرزها ضد «تنظيم الدولة» هذا العام.
ولم تعلن أيّ جماعة مسؤوليتها عن الهجوم الذى وقع يوم الجمعة حتى الآن.
وأمر «عبدالفتاح السيسي» الجيش يوم الأربعاء بتأمين سيناء في الأشهر الثلاثة المقبلة، وقال: «يمكنكم استخدام كل القوة الغاشمة اللازمة»، بينما تعهّدت قبائل سيناء بالتوحد والانضمام إلى الجيش بعد أن قُتل زملاؤهم البدو في مذبحة الجمعة.
وخرجت هذه التصريحات من القبائل، التي تهمّشهم الحكومة أصلًا وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وحقق تعاونهم مع الجيش في الماضي نجاحًا محدودًا. إضافة إلى ذلك، لا يزالون منقسمين على القضايا المحلية الأخرى.
هنا المشكلة
وقال «إتش هيليير»، زميل رفيع المستوى غير مقيم في مجلس الأطلسي، إنّ الجيش المصري يمتلك أسلحة كافية؛ لكنّ المشكلة التي يواجهها عند التعامل في سيناء هي نقص المعلومات الاستخبارتية، و«إذا تعلّق الأمر بمكافحة الإرهاب فاستراتيجيات مواجهته ستكفي؛ لكنها تتطلب مشاركة أكبر من القبائل، وعلى مستو عالٍ للغاية».
وذكرت مصادر أمنية وعسكرية أنّ محادثات جرت في اليومين الماضيين بين مسؤولين أمنيين وزعماء قبائل في شمال سيناء ووسطها. وأضافت أنّ هناك حاجة إلى مزيد من التنسيق والتعاون لهزيمة المسلحين، وقُسّمت القبائل إلى خمس مجموعات، والتقى مسؤولو الأمن بشكل منفصل مع كل مجموعة.
وقال مصدر: «طلبنا منهم مساعدتنا في السيطرة على المسلحين في المناطق التي يعيشون فيها والمزرعة ودروب الانتقال؛ لأنّ كل قبيلة أدرى بشعابها وشعبها»، مضيفًا أنّ «هناك أشياء كثيرة تدفعهم إلى التعاون مع الأمن، وهي أشياء تختلف من قبيلة لأخرى؛ ولهذا السبب شُكّل مجلس منفصل لكل قبيلة، والتحدث لكل واحدة بشكل منفصل عن الأخرى».
أكّد المصدر أنّ كل قبيلة لها خدمات مختلفة عن الأخرى؛ فهناك من يحتاج إلى الخدمات وهناك من يحتاج إلى تعاون اقتصادي وإقامة مشاريع وخلافه. ورفض المتحدث باسم القوات المسلحة التعليق على هذه الاجتماعات.
نجاح الفكرة في العراق
ونجحت التحالفات مع القبائل في بلدان أخرى تواجه تهديدات متطرفة، لكن في سياقها الصحيح؛ ففي عام 2006، انضم رجال القبائل السنية إلى القوات الأميركية في العراق وواجهوا تنظيم القاعدة في ما أصبح يعرف باسم «الصحوة».
وبحلول يناير 2009، استثمرت واشنطن أكثر من 400 مليون دولار في برنامج الصحوة، وفقًا للبيانات الأميركية، ودفعت للمقاتلين ما يتراوح بين 300 و400 دولار شهريًا؛ ما ساعد قوات الأمن العراقية على هزيمة «تنظيم القاعدة».
وضمن مبادرة السيسي في عام 2015 لتعزيز التعاون، عُيّن مئات البدويين، وفي أحيان انضموا إلى دوريات ونقاط تفتيش تحت إشراف القوات المسلحة، وتردد زعماء قبائل في التعاون مع الجيش من دون مزيد من الأسلحة لمواجهة المقاتلين المتشددين، وقال مسؤولون أمنيون إنّ السلطات حذرة من تزويد القبائل بالأسلحة، وبينهما تاريخ من العداوة.
وأضاف المصدر أنه عندما تحدث مسؤولو الأمن إلى زعماء القبائل أخبروهم: «إما معنا أو ضدنا، لا اختيار ثالث»، ومعظم القبائل أعلنت على الفور التعاون مع قوات الأمن، وطلب آخرون وقتًا للتفكير، مضيفًا: «لكني أعتقد أنّ قوات الأمن ليس لديها وقت للتفكير».
وقال مصطفى العقيلي، من المجلس الأعلى للقبائل العربية، إنّ الخسائر الفادحة في هجوم الروضة يمكن أن يشجع الجانبين على العمل معًا بشكل أوثق، مؤكدًا أنّ الحرب ضد المتشددين هي مسؤولية الجيش.
وقال مصدر أمني في العريش إنّ العلاقات مع القبائل تحسّنت بشكل كبير، مضيفًا أنّ البدو يتعاونون ويزداد تعاونهم.
التحكم بالأضرار
لن يكون سهلًا جلب قبائل سيناء إلى الجانب العسكري. ويتعيّن على الحكومة، التي تعاني من تدهور في الاقتصاد، خلق فرص عمل والاستثمار في المدارس والبنى التحتية؛ لتهدئة السكان الغاضبين هناك، وأعلنت السلطات ضخ عشرة ملايين دولار هناك عقب وقت قصير من الحادثة.
وقال منصور عيد، الذي خسر ابنه في هجوم الجمعة: «ليست لنا علاقة بالسياسة أو أي شيء آخر، ولا نتعاون مع الجيش أو الجماعات المسلحة، نحن نعيش هنا في فقر فقط».
وقد يواجه مصر تحدّ أكبر إذا هُزم مقاتلو «تنظيم الدولة» في العراق وسوريا وليبيا؛ إذ سيتدفق المقاتلون إلى سيناء وسيصبح تعاون القبائل أكثر أهمية.
ويعتبر هجوم يوم الجمعة مماثلًا لنهج تنظيم الدولة في العراق، من حيث قصف دور العبادة ومحاولة تعميق الفتنة الطائفية، وقال السيسي إنّ المقاتلين العائدين من العراق وسوريا قد يلتمسون اللجوء في ليبيا ويستهدفون مصر من هناك.
وفي آخر خطاب له، حث زعيم تنظيم الدولة «أبو بكر البغدادي» أتباعه في شمال سيناء على مواصلة القتال بعد هزيمة الجماعة في الموصل.
ويقول أحمد زغلول، الباحث في جماعات الإسلام السياسي، إنّ زعماء القبائل يشيرون إلى أن هناك قرابة 800 مسلح معظمهم من المصريين وبعض الفلسطينيين وغيرهم من الأجانب في شمال سيناء؛ حتى إن أعدادًا قليلة من المقاتلين تسببت في خسائر فادحة عبر التفجيرات الانتحارية في مصر وأماكن أخرى، ويسعى تنظيم الدولة أيضًا إلى تجنيد رجال القبائل في سيناء.