بشكل أو أخر تورط القضاء في وفاة المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين مهدي عاكف وذلك بعد تعنت شديد لإخلاء سبيله بضمانات احترازية بعد تدهور حالته الصحية بشكل كبير، ورفض نقله للعلاج في مستشفى خاص ليتلقى العلاج الطبي المناسب، وهو ما دفع هيئة الدفاع عنه لتحميل القاضي مسؤولية وفاته.
تقارير طبية عدة قدمتها هيئة الدفاع عن «عاكف» للمحكمة التي تنظر القضية الوحيدة التي يحاكم فيها عاكف، وهي «أحداث مكتب الإرشاد»، على مدار 9 شهور كاملة تفيد بأن حالته الصحية متأخرة إلا أن رئيس الحكمة القاضي شيرين فهمي، لم يلتفت إليها في تعمد واضح.
ففي 18 سبتمبر الجاري تلقت المحكمة تقريرا طبيا مؤرخا في 13 سبتمبرالجاري، للمعتقل عاكف، يفيد بأنه لدى الكشف الطبي عليه، تبيّن أنه يعاني من سرطان بالبنكرياس، وارتفاع نسبة الصفراء بالجسم، وورم القنوات المرارية، مما يتعذر نقله لحضور الجلسات.
ولم يكن هذا التقرير هو الأول للمحكمة، ففي 19 يناير الماضي، ورد للمحكمة تقرير طبي أيضا عن عاكف، يفيد بإجراء الكشف الطبي عليه، وشُخّصت حالته بسرطان في القنوات المرارية وتضخم في البروستاتا وكسر في المفصل الأيسر وضعف في عضلة القلب، وأنه حضر إلى المستشفى يعاني من ارتفاع حاد بالصفراء وتم عمل قسطرة بالقنوات المرارية، وتركيب مفصل إسمنتي، وأنه لا يزال تحت الرعاية الطبية والعلاج اللازم، وأن الحالة لا تسمح بخروجه من المستشفى ويحتاج رعاية خاصة، لعدم قدرته على تناول الطعام بشكل منفرد، أو تلقي العلاج وتغيير ملابسه بشكل منفرد.
ورغم ذلك لم يُخلِ القاضي سبيله بتدابير احترازية لتلقي العلاج، ما دفع هيئة الدفاع عن عاكف إلى تحمّل القاضي مسؤولية حياته.
قضية «ملفقة سياسيا»
اللافت أن القضية التي يحاكم فيها عاكف، وهي «أحداث مكتب الإرشاد»، هي قضية «ملفقة سياسيا» من البداية بهدف «الاعتقال السياسي»، حيث أن التحريات الأمنية سبق وبرأت المتهمين وأكدت أنهم ضحية ومجني عليهم في هذه الواقعة من الأساس.
وتضمنت تحريات الأمن الوطني التي أعدها الرائد مصطفى عبد الغفار «تنفيذا لقرار النيابة العامة في المحضر رقم 6187 لسنة 2013 جنح المقطم، المتضمن طلب تحريات الأمن الوطني عن الأحداث، فقد أسفرت التحريات عن صدور دعوات للتظاهر ضد سياسات جماعة الإخوان المسلمين، والرئيس الدكتور محمد مرسي العياط، في إدارة شؤون البلاد وقتها، واعتزام المواطنين الخروج في تظاهرات ومسيرات يوم 30 يونيو2013، حيث شملت تلك الدعوات التظاهر أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، ومقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين على مستوى الجمهورية بتاريخ 30 يونيو 2013».
وتوصلت التحريات إلى أنه في مساء يوم 30 يونيو2013 «بدأ توافد بعض المجموعات من المتظاهرين أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، الكائن بمنطقة المقطم بشارع 10 المتفرع من شارع 9 دائرة قسم المقطم، للإعراب عن اعتراضهم على أسلوب إدارة البلاد خلال فترة تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة البلاد، وتطورت الأحداث وتصاعدت وتيرتها في أعقاب اضطلاع عدد من المتظاهرين بمحاولة اقتحام الباب الأمامي الخاص بالمقر المشار إليه، وقيامهم بإلقاء قطع الحجارة وزجاجات المولوتوف للتعبير عن غضبهم، وقد أعقب ذلك ظهور عدد من الأشخاص من خلال نوافذ مبنى مقر الجماعة المشار إليه، مستغلين في ذلك عدم وجود إضاءة داخل المبنى».
وبحسب التحريات فإنهم «بادروا بإطلاق الأعيرة النارية وطلقات الخرطوش، باتجاه المتظاهرين عبر النوافذ، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد من المتظاهرين ما بين مصابٍ ومُتوفّى، جراء تعمد إطلاق الأعيرة النارية من أنواع متعددة من الأسلحة، ممن كانوا متواجدين داخل المقر».
وبالتالي اعتداء المتظاهرين على المقر جاء بداية وقد أدى ذلك إلى تحطم المقر، واشتعال النيران به جراء إلقاء قنابل المولوتوف وتعرُّض حياة المتواجدين به للخطر، قبل مبادرتهم بالرد على هذه الاعتداءات الإجرامية دفاعا عن النفس.
لكن النيابة العامة رغم علمها بذلك إلا أنها وجهت اتهامات لقيادات جماعة الإخوان المسلمين بالقتل والتحريض على القتل في الواقعة رغم كونهم المعتدَى عليهم.
براءة خلف القضان
واتضح تلفيق التهم عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة في 18 ديسمبر 2014 حكماً ببراءة 30 متهماً من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، من بينهم هاربون، في القضية المعروفة إعلامياً بـ «أحداث المقطم الأولى»، وذلك بعد أن تبيّن للمحكمة بناء على مرافعة الدفاع، أن المتهمين كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس، وبعد إثبات أن بعض المتهمين لم يكونوا في أماكن الواقعة لحظة وقوعها، وتضارُب تحريات الأمن الوطني.
كما قضت محكمة النقض في 4 يناير 2016، بقبول الطعون المقدمة من هيئة الدفاع عن عاكف والمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، وآخرين من المعتقلين المحبوسين بأحداث مكتب الإرشاد، الذين يطالبون فيها بإلغاء أحكام الإعدام والمؤبد الصادرة ضدهم حضوريا في القضية، وقررت المحكمة إلغاء الأحكام، وإعادة محاكمتهم أمام دائرة مغايرة، وهي الدائرة التي تولى رئاستها محمد شيرين فهمي.