معدات تصوير وأدوات خاصة بالعمل الصحفي في شقّة بحي زهراء المعادي. استعد صحفيا شبكة «رصد» الإخبارية وعضوا مجلس إدارتها عبدالله الفخراني وسامحي مصطفى لتغطية ما يحدث، قبل أن تباغتهما قوات الأمن وتداهم مكان وجودهما في الخامس عشر من أغسطس 2013م وتعتقلهما بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.
قبل أربعة أعوام، فضَّت قوات الجيش والشرطة، بتعليمات من وزير الدفاع وقتها عبدالفتاح السيسي، اعتصامين لأنصار الدكتور محمد مرسي في ميداني «رابعة العدوية» و«النهضة» بالقاهرة والجيزة؛ أسفر عن مقتل أكثر من ألف معتصم واعتقال المئات، كما قالت تقارير منظمات حقوقية.
وبعد 48 ساعة من القبض عليهما، واجه سامحي وعبدالله تهمًا تتعلق بـ«نشر الفتن والشائعات والإساءة لسمعة الدولة، والانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه محاولة قلب دستور الدولة، والتخريب العمد لمبانٍ وأملاك عامة ومخصصة لمصالح حكومية ولمرافق ومؤسسات عامة، وكذلك إذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة في الخارج حول الأوضاع الداخلية».
وبين سجني «وادي النطرون» و«العقرب» تتشكل معاناة صحفيي رصد؛ فتارة يُمنع عنهما الدواء، وتارة ثانية الكتب، وتارة أخرى تتعنت قوات الأمن مع ذويهما في الزيارات.
عبدالله الفخراني
قبل أن يقرّر خوض مساره في مجال الصحافة كان طالبًا في كلية الطب بجامعة عين شمس، دفعه شغفه بالعمل الصحفي إلى ترك مهنته الأصلية ويشارك في تأسيس شبكة رصد الإخبارية مع عدد من زملائه، إضافة إلى كونه ناشطًا في مجال حقوق الإنسان ومحاضرًا بجامعة ستانفورد الأميركية وعضوًا مؤسسًا في المجلس الأورومتوسطي.
بعد يوم من فض اعتصام رابعة، تحديدًا 15 أغسطس 2013، اجتمع عبدالله برفقة زملائه في شبكة رصد في شقة بحي زهراء المعادي؛ لتفاجئهم قوات الأمن وتداهم المكان وتقبض عليهم، وهو آنذالك لا يزال طالبًا في السنة الخامسة بكلية طب عين شمس.
استمر التحقيق مع عبدالله الفخراني، عضو مجلس إدارة شبكة رصد، لمدة 150 يومًا دون البت قضائيًا في أمره؛ ليُحال بعدها إلى الجنايات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«غرفة عمليات رابعة»، ثم تأجّلت القضية (رقم 2210 لسنة 2014 جنايات العجوزة) مرّات.
وعلى مدار أربع سنوات، يعاني عبدالله من سوء المعاملة من إدارة السجن؛ إذ تمنع عنه الكتب كافة داخل الزنزانة، بما في ذلك المصاحف، كما قالت والدته، التي أكدت أنه للسماح بمرور مُصحف يتوجب أن يكون خاليًا من التفسير.
سامحي مصطفى
صحفي في شبكة رصد الإخبارية وأحد مؤسسيها وعضو مجلس إدارتها، قبض عليه مع عبدالله الفخراني وقت مداهمة قوات الشرطة شقة زهراء المعادي، ويحاكم أيضًا في القضية نفسها.
يتعرّض سامحي إلى شتى أنواع التعذيب في ليمان وادي النطرون 440، كما مُنعت عنه الزيارة مرات عقابًا له، كما قالت زوجته «ياسمين سليمان».
وعلى غرار وصف الداعية عبدالحميد كشك لسجون جمال عبدالناصر، عندما قال إنّ «الظلم 99% منه في سجون مصر، والواحد في المائة الأخير يطوف العالم كله ثم يبيت آخر الليل في مصر»، بعث سامحي رسالة مؤثرة إلى المصريين من محبسه: «عاوز أقول لكم إن ثلثي القهر والوجع والذل فى السجون، والثلث الأخير بيلف في مصر ويرجع آخر الليل في ليمان وادي النطرون 440».
سجن مشدد
في مايو الماضي، قضت محكمة جنايات الجيزة على سامحي وعبدالله و13 متهمًا آخرين بالسجن المشدد خمس سنوات. وفي بيان لها، قالت شبكة «رصد» الإخبارية إنّ الأحكام التي صدرت بحق الزميلين عضوي مجلس الإدارة صادمة ومخيبة بشكل كبير.
ومنذ حينها وحتى الآن، تعلن الشبكة «رفضها الحكم جملة وتفصيلًا»، وتناشد جميع الصحفيين في العالم والمؤسسات الإعلامية والحقوقية للوقوف إلى جانب زملاء المهنة والدفاع عن حق الصحفيين في ممارسة مهنتهم دون التعرض إلى أي مضايقات أو انتهاكات.
إدانات حقوقية
أدانت منظمات حقوقية قمع نظام عبدالفتاح السيسي حرية التعبير والصحافة وتكميم أفواه المفكرين المعارضين؛ فقالت منظمة «مراسلون بلا حدود» إنّ عبدالفتاح السيسي أبدع على مدار سنوات في ابتكار أساليب متنوعة لقمع حرية التعبير والصحافة؛ لضمان أكبر قدر ممكن من الاستقرار في البلاد من وجهة نظره.
وأضافت، في تقريرها في مارس الماضي، أنه حوّل مهنة الصحافة إلى مهنة «الجواسيس والخونة» في عيون العامة، وأكدت أن قمع حرية الصحافة في عهد السيسي له أبعاد «مخيفة»؛ إذ يقبع في السجون المصرية أكثر من 25 صحفيًا نقابيًا من دون تهم أو أحكام شرعية، إضافة إلى 80 صحفيًا ومصورًا ومعدَّ برامج للقنوات التلفزيونية لا يحملون كارنيه نقابة الصحفيين.
وقالت المنظمة إنّ نظام السيسي يقمع الصحافة الحرة والمستقلة بأساليب «وحشية»، وينبغي على السلطة القضائية التوقف عن إلقاء القبض الجماعي على الصحفيين وإيداعهم في السجون لسنوات دون حكم قضائي.
ودعا التقريرُ مجلسَ حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي إلى مساندة الصحفيين المصريين المعتقلين، والمطالبة بسرعة الإفراج عنهم فورًا، موضحًا أن اعتقالهم يندرج تحت الاحتجاز التعسفي من الجهات الأمنية.
وبشأن استمرار السلطات الأمنية في تعذيب المعتقلين، قالت منظمة «هيومن رايتس مونيتور» إنّ ذلك مخالف لكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وطالبت الحكومة المصرية بالالتزام بالقواعد النموذجية لمعاملة السجناء في معاملة المعتقلين في سجونها، والتحرك السريع للكشف عن مصيرهم وفتح تحقيق مع المسؤولين عن التعذيب؛ انطلاقًا مما نصت عليه القاعدة (31) من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء بأنّ «العقوبة الجسدية والعقوبة بالوضع في زنزانة مظلمة، وأي عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، محظورة كليًا كعقوبات تأديبية».
وناشدت «مونيتور» المجتمع الدولي بإرسال لجان تقصي حقائق للكشف عن الأوضاع الحقيقية للمعتقلين في سجون مصر، وسرعة فتح تحقيق دولي في الانتهاكات التي تحدث داخل السجون، وتقديم المسؤولين عن ذلك إلى المحاكمة والعقاب، وفقًا لما جاء في القانون الدولي.