اندلع «الربيع العربي» في عام 2011م مع موجة من التظاهرات والاحتجاجات في عمان واليمن ومصر وسوريا والمغرب، وأشيد بهذا الأمر، ووصف على أنه ازدهار لكفاح الديمقراطية ضد الأنظمة الاستبدادية؛ ولكنّ ما لم يلاحظه أحد أنّ الأسباب كامنة وراء ثلاثة عوامل مترابطة: «تزايد بطالة الشباب، وعجز هياكل الحكم عن التعامل مع الضغوط الاجتماعية المتزايدة والمحفزة للتخلف الاجتماعي، وتغيّر المناخ».
وقالت صحيفة «الديلي ستار» إنّ التغير المناخي هو العامل الأكبر بين الثلاثة، محذرة من أنه إذا لم تتغلب الدول عليه فالتوترات والحروب الأهلية والصراعات ستزداد.
انتشار المجاعة
تقول الصحيفة إنّ الجفاف والمجاعة انتشرا في الفترة من فبراير إلى أغسطس 2010 على نطاق واسع في منطقة الساحل الإفريقية والحزام الممتد من السنغال وشمال نيجيريا ومالي إلى السودان.
وأسفر هذا الجفاف عن مقتل ما يقدر بنحو 260 ألف شخص، وتسبب في نزوح الآلاف شمالًا إلى شمال إفريقيا. في الواقع، قبل سقوط الرئيس الليبي القذافي في أواخر عام 2011، دفع الاتحاد الأوروبي لليبيا 50 مليون يورو في أكتوبر 2010 لوقف المهاجرين الأفارقة الذين يمرون إلى أوروبا.
ومن عام 2006 إلى عام 2011، عانت سوريا من أسوأ موجات الجفاف والمجاعة، التي غطت 60% من مساحة أراضيها؛ ما تسبب في فشل المحاصيل الضخمة وفقدان القطعان. في فبراير من هذا العام، أعلنت الأمم المتحدة عن مجاعة أخرى في جنوب السودان ونيجيريا والصومال واليمن.
المجاعة في اليمن تهدد بالفعل سبعة ملايين شخص، إضافة إلى تفشي الكوليرا؛ بسبب الحرب هناك. وقالت الصحيفة إنّ عام 2016 هو الأكثر سخونة منذ عام 1880، وقد يكون 2017 ثاني أكثر سخونة؛ مع زيادة الأدلة العلمية التي تؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة المستمر سيؤدي إلى مزيد من الأعاصير، وارتفاع في مستويات سطح البحر، وذوبان الجليد، إضافة إلى تغيرات في الطقس أكثر لا يمكن التنبؤ بها.
خمسة ضغوط رئيسة
وهناك توقعات بتوترات مقبلة بسبب المناخ؛ إذ قال تقرير الاتجاهات العالمية الصادر عن مجلس الاستخبارات الوطنية الأميركية في يناير 2017 إنّ التوترات العالمية سترتفع في السنوات الخمس المقبلة بسبب خمسة ضغوط رئيسة: «الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والجيوسياسية والبيئية».
ويأتي الإجهاد الاقتصادي بسبب تباطؤ النمو العالمي، وقلة الموارد اللازمة لتغطية الاحتياجات الضخمة للمواطنين؛ وسيزداد التوتر السياسي بسبب عجز الحكومات الديكتاتورية عن التصدي للتحديات التي تواجهها.
ويتضح ذلك بشكل خاص في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، المنطقتان الأكثر تضررًا من المياه في العالم.
ويقول التقرير إنّ «المواجهة المجتمعية والاستقطاب»، المتجذران غالبًا في الدين أو الثقافة التقليدية، سيصبحان أكثر بروزًا؛ بسبب التطور المستمر في وسائل الاتصال والانفتاح على الآخرين. وهذا التطور لم يمكّن وجود المتشددين والجماعات الإرهابية فحسب؛ بل يساعد أيضًا على انتشار الأمراض المعدية.
بينما نشأ التوتر الجيوسياسي بسبب التنافس المتنامي بين الدول على السلطة والموارد. وأخيرًا، يتحرك الإجهاد البيئي إلى مركز الصدارة؛ إذ يولّد الاحترار العالمي عواصف هائلة وذوبان للجليد وارتفاع منسوب مياه البحر؛ وستفشل الحكومات «الهشّة»، التي أضعفها الفساد بالفعل والمعارضة الاجتماعية ونقص الموارد اللازمة، في التصدي لهذه التغيرات.
وقالت الصحيفة إنّ هذه الضغوط الخمسة تعزز بعضها بعضًا؛ لأنّ التدهور في واحد يجعل الضغوط الأخرى أسوأ. على سبيل المثال: إذا ارتفع مستوى سطح البحر، فالمناطق المنتجة للأغذية مثل «دلتا ميكونغ وجميع المناطق الواقعة جنوبي سلسلة جبال أنامايت والمناطق الساحلية المنخفضة» لن تتعرض إلى فيضانات فقط؛ فزيادة مستوى الملح ستخفض أيضًا إنتاج الأرز. وقد ثبت بالفعل أنّ زيادة الضغوط على وزن المحيطات على الرفوف القارية قد يؤدي إلى مزيد من الزلازل والاضطرابات البركانية. بينما أصبحت تكاليف التعامل مع الكوارث الطبيعية خطيرة.
تكلفة باهظة
وقُدّرت الأضرار الاقتصادية الناجمة عن إعصار «كاترينا» في الولايات المتحدة عام 2005 بنحو 250 مليار دولار أميركي، منها 35 مليار دولار فقط تغطيها التأمين. وقالت مجلة الإيكونوميست إنّ الحكومة المركزية في الهند وحكومات الولايات أنفقوا في 12 شهرًا فقط حتى أبريل 2014 قرابة 92 مليار دولار؛ بسبب الكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف. ويهدف اتفاق باريس بشأن تغيّر المناخ إلى مساعدة البلدان النامية بمبلغ مائة مليار دولار أميركي سنويًا؛ للحد من انبعاثاتها الكربونية.
وسيتسبب قرار «ترامب» بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في خفض هذه المبالغ المالية المخصصة، إضافة إلى أن سياساته المتعلقة بالنمو على حساب البيئة ستساهم في زيادة انبعاثات الكربون من الولايات المتحدة، المساهم الرئيس فعليًا في ارتفاعه جوًا.
وقالت الصحيفة إن احتجاجات «شارلوتسفيل»، التي اندلعت بسبب هدم تمثال من الحرب الأهلية بين المواطنين الأميركيين، تدل على أن الصيف الحار والطويل يرتبط بالعنف.
وقالت دراسة أجرتها «بيركلي وبرينستون»، نشرت في مجلة the scince، إنّ ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار درجتين مئويتين يمكن أن يزيد من معدل الصراعات بين الجماعات والحروب الأهلية بنسبة تزيد على 50%. وقالت دراسة أخرى أجراها عالما النفس «بلانتي وأندرسون» في 2017 إنّ هناك علاقة وثيقة بين الإجهاد الحراري والعدوان والعنف.
وقد يصبح الأطفال الناشئون في ظل مناخ شديد الحرارة أكثر عنفًا ومعاداة للمجتمع؛ بسبب نقص التغذية من نقص الغذاء والماء. وقالت دراسة أخرى أجراها معهد «كترنيجي» في 2016 إنّ الهجرة غير القانونية لأكثر من 15 مليون بنجلاديشي إلى الهند زادت من التوتر الاجتماعي على طول المناطق الحدودية. وتواجه أوروبا اليوم أكثر من مليون مهاجر سنويا من المناطق التي تعاني من شح المياه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأدت إلى مزيد من التدهور في الغذاء والأمن.
وقالت الصحيفة إنّ معضلة أوروبا لا تقتصر الآن على كيفية مراقبة حدودها، ولكن في كيفية التعامل مع ضغوط تغير المناخ لدى جيرانها؛ بحيث تُخفف ضغط الهجرة. وختمت الصحيفة بأنّ تغيّر المناخ لم يعد قضية طويلة الأجل؛ لكنه خطر واضح وحاضر. ويتعين على الجميع تحمل المسؤولية عن هذا التغيير؛ لأن الاستهلاك البشري المفرط الذي يغير نظامنا الإيكولوجي جعل الأرض أكثر سخونة وأكثر عنفًا، مضيفة: «الأرض تأتي أولًا قبل الأفراد والدول، وسيحتاج المناخ الحار إلى رؤوس أكثر برودة من رأس ترامب للتفكير في ما ينبغي أن نفعله للتعامل مع تغير المناخ».