مع الأزمات الأخيرة المندلعة في منطقة الشرق الأوسط، ذهبت التحليلات السياسية إلى أن هناك تغيرات في شكل التحالفات التي ترسخت في المنطقة على مدار العقود الماضية؛ فبحسب «يوراسيا ريفيو» انبثق محوران مهمان من هذه التحالفات.
المحور المناهض للغرب والمحور المتوائم مع سياساته؛ فمن ناحية توجد إيران وتركيا وقطر وروسيا والصين، وعلى الجانب الآخر يوجد التحالف العربي والولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني.
التغيير التركي
وقالت الصحيفة إنّ تركيا بدأت اتجاهًا جديدًا في سياستها الخارجية في عام 2016؛ من أهم خطواته تحسين العلاقات مع روسيا، والتعاون مع إيران، ومعارضة إقامة دولة كردية في سوريا بدلًا من محاولة إسقاط حكومة بشار الأسد.
ومنذ ذلك الحين، تحرّكت السياسة الخارجية التركية عمليًا خارج الإطار الذي رسمته لها الولايات المتحدة. لذلك؛ اتخذت ومعها أوروبا مواقف غير ودية بشأن الانقلاب الفاشل في تركيا في عام 2016، وذهبت تحليلات إلى أنهم من دبّروا هذه المحاولة.
وفي الوقت نفسه، فإن إصرار الولايات المتحدة على مساعدة المليشيات الكردية في سوريا (بما في ذلك قوات وحدات حماية الشعب) ورفضها تسليم «فتح الله جولن»، الذي تتهمه تركيا بأنه البطل الرئيس وراء انقلاب عام 2016 الفاشل، رآه غالبية السياسيين والنخب في تركيا علامات على عداء واشنطن، أو على الأقل خيانة علاقاتها مع أنقرة؛ وأدت هذه التطورات إلى تعميق التشاؤم تجاه سياسات الولايات المتحدة في تركيا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أزمة قطر مع حلفاء الولايات المتحدة العرب، ودعم إيران وتركيا قطر، وفرض عقوبات جديدة على إيران وروسيا من الولايات المتحدة؛ كلها علامات على تشكيل تحالفات سياسية جديدة في المناطق الإقليمية وعبر الحدود في منطقة غرب آسيا. وسُلّط الضوء على هذه التحالفات عبر جهود قطر وتركيا للاقتراب من المحور الذي شكلته روسيا وإيران والصين في مقابل التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والكيان الصهيوني.
بين الغرب والمقاومة
لكن السؤال الآن: هل يدل هذا الاتجاه على تغيير في المواقف القديمة أم مجرد مواقف مؤقتة؟
ردًا على ذلك، فالفرضية التي يمكن تقديمها هي أن التغيير في المواءمة السابقة في المنطقة التي وقف فيها محور الولايات المتحدة والدول العربية وتركيا في مواجهة المحور المعاكس، الذي شكّلته إيران وروسيا والصين، تسببت في ابتعاد اثنين من الفاعلين الإقليميين عن المحور الغربي العربي والاقتراب من المحور الشرقي (المقاومة).
وتعود الفجوة في العلاقات بين تركيا وقطر مع الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده السعودية إلى سنوات مضت؛ بسبب الدعم الذي تقدمه هاتان الدولتان إلى جماعة الإخوان المسلمين كحركة اجتماعية وسياسية في العالم العربي تزعج أميركا والسعودية؛ لذلك فضّلتا دعم الانقلاب العسكري في مصر ضد رئيس البلاد الدكتور محمد مرسي.
ومنذ أن استهدفت السياسة الخارجية لتركيا وقطر الإطاحة بالحكومة السورية، على الرغم من الاختلافات الجوهرية مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فقد سُحبتا بطريقة ما تجاه المحور الغربي العربي الذي عارض الحكومة السورية، وبعد أن غيرت تركيا موقفها الرسمي تجاه القضية السورية، الذي حدث عندما لم تقبل الولايات المتحدة وقف دعم إنشاء دولة كردية مستقلة بالقرب من الحدود التركية مع سوريا؛ أصبحت المشاورات الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران لحل الأزمة في سوريا أكثر خطورة. وكانت النتيجة حتى الآن خمسة اجتماعات ثلاثية بشأن سوريا، وإقرار وقف إطلاق النار فيها في مناطق والسماح بإدخال الإغاثات وإنشاء منطقة بلا صراع.
وبعد اندلاع التوتر بين قطر ودول التحالف العربي، بدأت «الدوحة» في الانحراف بعيدًا عن «المحور الغربي العربي» فيما يتعلق بسوريا، واقتربت من تركيا وإيران؛ وأثبت هذا التطور تلك التحالفات الجديدة في المنطقة.
بينما اعتمدت تركيا سياسة مستقلة عن الغرب وحلفائها الإقليميين. وقالت الصحيفة إنّ هذه الاستقلالية مهمة جدًا لحكومة تركيا؛ فعلى الرغم من المعارضة الصاخبة من الدول العربية لم تغير رأيها بشأن الحشد العسكري في قطر، وهو أمر نابع من استقلاليتها.
تكتيك أم استراتيجية؟
ويبدو أن قرار تركيا وقطر بالابتعاد عن المحور الذي شكّلته الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بجانب الحلفاء العرب تكتيكٌ أكثر منه استراتيجية. وأضافت الصحيفة: «مع ذلك، فالواقع الذي يجب أخذه في الاعتبار هنا أنّ التحالفات العسكرية والاقتصادية التركية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأت للمرة الأولى عبر تكتيكيات مثل هذه».
وأوضحت الصحيفة أن قطر لن تتمكن من الحفاظ على وضعها الحالي في غياب العلاقات مع جيرانها العرب، وأيضًا من دون علاقات مع الولايات المتحدة.
أما تركيا، فلديها ثاني أقوى جيش بين الدول الأعضاء في الناتو، ومعظم هياكلها الدفاعية والأمنية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحلف الناتو؛ ففي مدينة «أضنة» التركية عشرات الطائرات الحربية التابعة لحلف الناتو وحلفائها. وقالت مصادر مختلفة إنّ 50-90 قنبلة ذرية من طراز B61 تابعة للولايات المتحدة يُحتفظ بها هناك، وإذا أرادت تركيا الخروج من هذا الحلف فأمامها ما لا يقل عن 20 سنة، كما أن 60% من التجارة الخارجية لتركيا مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
لذلك؛ لن يكون بوسع تركيا تغيير رأيها بشأن العضوية في الاتحاد الأوروبي والاستعاضة عنه ببلدان أخرى، على الأقل في المدى القصير.
مصالح إيران
وفي ضوء الحقائق المذكورة أعلاه، يمكن الاستنتاج أنّ التقارب بين تركيا وقطر في محور المقاومة ضد الغرب سيؤدي إلى توسع نوعي وكمي لوقف إطلاق النار في سوريا، ومعارضة السياسات الصهيونية المناهضة للفلسطينيين، إضافة إلى إهمال تركيا أو إقرارها العقوبات الغربية الجديدة ضد إيران وروسيا وقطر، ويمكن اعتباره نقطة تحول من وجهة نظر مصالح دول المنطقة الأخرى؛ خاصة إيران.
فمزيد من التعاون بين إيران والمحور الذي شكلته تركيا وقطر سينزع فتيل الجهود التي يبذلها محور الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لعزل إيران. ومن ناحية أخرى، سيحول هذا التعاون دون تحوّل المحور الغربي إلى تهديد إيران، وإذا أخذنا في الاعتبار الوجود العسكري المتزايد لتركيا في قطر؛ فأهمية وجود إيران وضرورته في هذا التحالف الإقليمي ستصبح واضحة أكثر من ذي قبل.