نشرت صحيفة «هاف بوست» الإنجليزية مقالًا لمؤسس حركة «لا للتجنيد الإجباري»، مايكل سند، اللاجئ الآن في الولايات المتحدة، تحدّث فيه عن بداية انخراطه في العمل السياسي وتأسيسه للحركة واعتقاله خمس مرات؛ حتى أصبح طريدًا يواجه مصير الموت بعيدًا عن أسرته وأصدقائه، خائفًا من العودة إلى مصر مرة أخرى؛ إذ ينتظره السجن والتعذيب حتى الموت، بينما سيصم العالم آذانه عما يفعله الجيش كما يفعل الآن، وسيواصل إمداده بالأسلحة والمال.
يقول مايكل سند: «كنتُ ضد الهجرة منذ صغري، لكني لم أكن ضد هؤلاء القادمين إلى بلدي؛ بل هؤلاء الذين يغادرونها. مصر دولة ديكتاتورية فقيرة، لكني اعتقدت أنه لا شيء سيتحسن إذا غادر كل عقل منفتح ومتعلم البلاد. وأعتقدُ أنّ الديمقراطيات المتقدمة حاليًا، هي ما عليه بفضل أولئك الذين كافحوا من أجلها في الماضي، ولو كافح أسلافنا في مصر مثلهم لما أُحبط بلدنا كما اليوم».
ويضيف: «ولدت في عام 1985 لأسرة مسيحية، وكلما كبرت ألاحظ أنّ مسيحيين يغادرون البلاد للفرار من الاضطهاد. وعلى الرغم من أنني لم أُعدّ مسيحيًا، أعتقد أنه إذا استمر المسيحيون والملحدون أو أي أقلية أخرى في المغادرة فلن تصبح مصر دولة متسامحة، وستكون أقلّ تنوعًا؛ فجعلها مكانًا متسامحًا يعني أن تبقى فيها وتكافح من أجل هذا التسامح، وليس الفرار منها».
وقال الناشط السياسي إنّ خطته كانت دائمًا ألا يغادر، بل البقاء والقتال لجعل الأمور أفضل. ومنذ أن بلغ العشرين أصبح فاعلًا في السياسة المصرية، وانضم إلى أحزاب وحركات سياسية، وبدأ التدوين في 2006، وجذبت مدونته ملايين الزوار، إضافة إلى مائة ألف متابع عبر الإنترنت؛ وتحدّث فيها عن الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق الحر واللاعنف والحريات الدينية وتجريد منطقة الشرق الأوسط من السلاح.
وفي سن الـ23، انضم مؤسس «لا للتجنيد الإجباري» إلى اللجنة العليا لحزب معارض رئيس في مصر. ووفقًا للقوانين السياسية في ذلك الوقت، كان يمكنه الترشح إلى رئاسة مصر إذا بلغ سن الأربعين. مضيفًا أنه في سن الـ24 بدأ تأسيس حركة «لا للتجنيد الإجباري»، أولى حركة ضد التجنيد في التاريخ المصري. وبعد شهور انضم إلى ملايين المصريين الذين خرجوا للإطاحة بمبارك، مطالبين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ومضيفًا: «كان في اعتقادنا أنّ مصر ستصبح بلدًا أفضل بعد الإطاحة به؛ لكنها لم تكن».
ويستطرد: «الكفاح من أجل التغيير يتطلب دفع الثمن، اُعتُقلت خمس مرات؛ إحداها قبل الإطاحة بمبارك بأسبوع، وتعرضت إلى التعذيب والاعتداء الجنسي من المخابرات العسكرية المصرية. وبعد سبعة أسابيع من إطاحة مبارك، اعتقلني الجيش بتهمة نشر الشائعات، وعُقدت محاكمة سرية قصيرة دون حقوقي القانونية، وحُكم علي بالسجن ثلاث سنوات».
ولفت إلى أن الجيش استمر في استهداف أصدقائه وأسرته، وتلقى عديدون منهم تهديدات بالقتل والسجن، واُعتدي على بعضهم وقتلوا، بينما قضى شهرين في الحبس الانفرادي، وبدأ إضرابًا عن الطعام أثناء وجوده في السجن، استمر لمدة 130 يومًا؛ احتجاجًا على محاكمته وسجنه.
وأضاف: «بفضل أصدقاء متفانين كافحوا بلا كلل من أجل حريتي، اكتسبت حالتي اهتمامًا دوليًا، وعرّفتني منظمة العفو الدولية بأني سجين رأي، ودعا أعضاء في الكونجرس وبرلمانيون من كندا وألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى حريتي. وأعلن فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أن محاكمتي غير عادلة، وأن احتجازي تم بشكل تعسفي، ورُشحت لجائزة نوبل للسلام بواسطة أليكس وايت، وزير الاتصالات والطاقة والموارد الطبيعية في أيرلندا، وأجبر هذا الضغط الدولي الجيش المصري على الإفراج عني عشية الذكرى السنوية الأولى للثورة في 24 يناير 2012».
وأوضح أنه في أكتوبر 2012 اُتُّهم مرة أخرى بازدراء الأديان، وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات. وفي العام نفسه، في شهر ديسمبر، اُتُّهم بالخيانة، وهي جريمة عقوبتها بالإعدام؛ لأنه ألقى خطابًا في الجامعة العبرية في القدس عن السلام بين مصر و«إسرائيل». مضيفًا: «لحسن حظي لم أكن في مصر، بل كنت أستأنف دراستي في ألمانيا».
وفي يونيو 2013، انقلب الجيش المصري عسكريًا على النظام المنتخب وزج بقياداته في السجون وحكم على الآلاف من أتباعه بالإعدام، وقتل المئات من أنصاره في شوارع القاهرة. وبينما كان واضحًا للعالم أجمع أن الحكومة المصرية تعتقل آلاف المصريين الأبرياء وتعذبهم وتقتلهم؛ لم يتوقف تدفق النقد والأسلحة من الغرب إلى الجيش المصري أبدًا، وتجاهلت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ما يحدث في مصر، ولم تفعل شيئًا لوقف المذابح.
وقال إنه بحلول نهاية عام 2014، وجد نفسه في وضع حرج: «أولئك الذين سجنوني وعذبوني أصبحوا الآن في السلطة، بينما كان الديمقراطيون في السجن أو المنفى؛ وإذا عُدتّ إلى مصر قد أواجه السجن والتعذيب حتى الموت، وسيواصل العالم إمدادها بالأسلحة والمال مهما كان يفعل الجيش المصري، فالعالم يغلق أعينه بالفعل عن الإبادة الجماعية في سوريا، ولا يفعل شيئًا بشأن استمرار استخدام الأسلحة الكيميائية هناك».
وختم مايكل سند مقاله بأنّ هذه هي اللحظة التي أدرك فيها أنه لا يستطيع العودة إلى بلده. مضيفًا: «كان واحدًا من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي؛ تخليت عن انشغالي بالسياسة وما قلته طوال حياتي، كنتُ أعرف أنني قد لا أرى عائلتي وأصدقائي مرة أخرى، وأنني قد أعيش بقية حياتي غريبًا في بلد غريب؛ لكني فعلت كل ما في وسعي لجعل مصر مكانًا أفضل، وفشلت، ولم يكن اللجوء إلى الولايات المتحدة اختيارًا سعيدًا؛ بل اختيار مؤلم اضطررت لأخذه؛ لأن كل الاختيارات الأخرى مرعبة».