يستعرض مقالٌ في صحيفة «سترايتس تايمز» مستقبل العراق بعد سقوط تنظيم الدولة، ويتوقع أن تواجه البلاد صعوبات ومشاكل.
تلقى تنظيم الدولة في سوريا والعراق هزائم، وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته إلى وزارة الدفاع الأسبوع الماضي إنّ القوات تقوم بأداء جيد ضد التنظيم الذي يسقط سريعًا.
رغم ضرورة الاحتفال بهذا الانتصار، هناك عقبة تمثلت في إهمال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أو مستشاريه ووزرائه في التفكير فيما بعد التخلص من التنظيم؛ لأنه إذا لم تُوضع الخطة الشاملة للعمل في أقرب وقت فالذي سيحدث بعد هزيمة التنظيم عودة الشرق الأوسط إلى كل مشاكله.
العودة إلى الانقسام السني الشيعي
بالطبع كان الواقع أن ظهور تنظيم الدولة جاء بسبب الشعور بالظلم من المسلمين السنة في العراق، الذين هُمّشوا من ناحية السلطة السياسية أو النفوذ الاقتصادي على أيدي الشيعة الذين هيمنوا على العراق منذ الغزو الأميركي للدولة في 2003.
لا يعتبر دمج السنة العراقيين سهلًا؛ فالمجتمع السني الذي يمثل نحو ثلث الدولة، وحكم حتى الإطاحة بصدام، يستمر في الاستياء بسبب تهميشه سياسيًا عجز قادته عن تمثيله على المستوى الوطني في بغداد.
إذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن مشكلة تهميش السنة ستكون أكثر حدة بعد القضاء على تنظيم الدولة؛ إذ ستظهر جماعات إرهابية أخرى تدّعي أنها تمثّل مظالم السنة.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات بأن الحكومة العراقية بقيادة حيدر العبادي، التي جاءت بدلًا من المالكي، فعلت ما جاءت من أجله؛ وهو خلق بيئة تجمع بين السنة والشيعة. في الواقع، حدث العكس؛ إذ اعتمدت حكومة بغداد على الشيعة من أجل هزيمة تنظيم الدولة واستعادة الأراضي من التنظيم.
بالطبع كان أكبر المستفيدين من النضال ضد تنظيم الدولة مليشيات الشيعة المنتمين إلى الحشد الشعبي، التي أنشئت من معظم مشايخ العالم الإسلامي الشيعي للرد على استيلاء تنظيم الدولة على الموصل في 2014.
منذ ذلك الحين أصبحت قوات الحشد الشعبي أداة إيران الأكثر فعالية. وفي استراتيجية تعكس بشكل مباشر قوة الحرس الثوري، أصبح الحشد الشعبي قوة سياسية بعد أن كانت عسكرية، بجانب امتلاك إيران ما لا يقل عن 40 مليشيا شيعية في العراق.
دخول الأكراد
سرعان ما ستزداد مشاكل العراق مع رغبة السكان الأكراد في إجراء استفتاء استقلال في 25 سبتمبر المقبل، ادعى مسعود بارزاني قائد الأكراد لسنوات أنه لا يسعى إلى الاستقلال، ولكن لمزيد من السيطرة والموارد المالية من أجل إقليم كردستان؛ لكن مع قرب هزيمة تنظيم الدولة يتحرك بارزاني سريعًا من أجل إنشاء دولة كردية.
من غير المحتمل تراجع الأكراد عن خططهم في استفتاء سبتمبر، خاصة أنهم يطمحون إلى ذلك منذ قرون، ولكن إقامة الاستفتاء قد تمثّل مقامرة ضخمة يمكن أن تتسبب في حمام دماء في العراق.
يعتقد بارزاني أنه سيحظى بدعم تركيا، على الرغم من خوف الأتراك من ظهور دولة كردية، ولكنها تخشى من أكراد سوريا أكثر من أكراد العراق؛ لذا فإنها تتمنى فصل الأكراد، عبر دعم العراقيين، في الوقت الذي تستمر في سحق الموجودين في سوريا؛ لكنّ هذا يعني أن تركيا ستتعمق أكثر في حروب الشرق الأوسط، وكذلك إيران التي تخشى أيضًا من وجود دولة كردية مستقلة.
القضية السورية
هناك أزمة أوسع نطاقًا بشأن مصير سوريا، المجاورة للعراق؛ إذ تحسّنت حظوظ بشار الأسد بعد دعم روسيا وإيران، ولم تعد حكومات دول العالم تصرّ على رحيله وتقبّلت بقاءه.
رغم ذلك، وبعد حرب أهلية استمرت ست سنوات وأسفرت عن مقتل نصف مليون شخص وتشريد ربع السكان؛ لا توجد أي فرصة في بقاء سوريا دولة موحدة. ورغم محاولات تركيا إبقاء أكراد سوريا منفصلين عن أكراد العراق؛ فإنها تواجه صعوبة في ذلك.
بالتالي؛ احتمالات انضمام سوريا إلى العراق في لعبة إقليمية قاتلة بالوكالة، وفيها ستحاول إيران إنشاء ممر استراتيجي للربط بين جميع مليشياتها الشيعية في الخليج إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، في الوقت الذي تسعى الحكومات العربية إلى منع ذلك بتسليح مليشياتها الخاصة.
بالنسبة إلى أميركا، فإن تواني تعبيرها عما تريده في المنطقة لا يساهم إلا في زيادة الاضطراب الإقليمي؛ لذا فإن إيران تتعامل وكأنها لا تعتبر واشنطن طرفًا إقليميًا، بينما تعتقد الحكومة العراقية أنها لن تتعرض إلى أي ضغوط أخرى من أجل ضم السنة للحكم في الدولة. في الوقت نفسه، يعتقد الأكراد أن أميركا ستدعم في النهاية استقلالهم؛ ويعتقد الروسيون أنهم سيسيطرون على سوريا من دون أي تدخل.
لذا؛ رغم أهمية التخلص من تنظيم الدولة ستظهر مشاكل إقليمية كبرى تجعل المنطقة تستمر في الاضطراب.