في الحقيقة استفزتني صورة محافظ كفر الشيخ وهو يتفقد إحدى المستشفيات وهو يلبس جلابية.. وليس معنى ذلك أننى أرفض ارتداء الجلابيب.. فانا ممن يعشقون ارتداء الجلباب وخاصة البلدى على وجه التحديد.. لكن سبب الاستفزاز هو الخروج على المألوف والتقاليد ويبدو أننا في مصر مقبلون على نوع جديد من الفوضى والخروج على التقاليد.. وأحب هنا أن أقطع الطريق على من سيقول إن لبس الجلباب سنة .. أقول لهؤلاء : اتقوا الله فيما تقولون..فإن النبي الكريم صاحب الخلق العظيم والذوق الرفيع كان يلبس لباس أهله وعشيرته وأهل زمانه.. ولكنه كان يحب الملبس الأبيض.
ولو كانت هذه الصورة وأنت تلبس الجلباب قد التقطت لك وأنت تصلي في المسجد أو تجلس مع بعض إخوانك وأحبابك أو في بيتك ما لامك أحد.. وما لفتت الصورة نظر أحد.. لأن الأمر في هذه الحالة سيكون منطقيا وطبيعيا.
تخيلت نفسي وأنا أذهب إلى جامعتى وأرتدى جلبابا وشبشبا في رجلى.. وتخيلت زميلا لي يأتى إلى الجامعة بالتريننج.. وثالثا يلبس بيجاما.. وتخيل معي لو حضر طالب إلى جامعته وهو يلبس شورتا وفانلة.. فماذا سيكون المشهد العام.. يعنى باختصار كل واحد يلبس اللى على مزاجه ..
ذكرني هذا الموقف بقصة حدثت معي منذ سنوات وقد حضرت مؤتمرا كبيرا مرتديا بنطلونا وقميصا فقال لي أحد أساتذتي عندما رآني :أحبك أن تأتي إلى المؤتمرات الرسمية بزي رسمي .. فهذه هي الأصول يا ولدي..
من يومها تعلمت أن لكل مقام مقال.. وكل وقت وله أذان .. وكل فولة ولها كيال.. والإسلام الحنيف يحترم العرف ويقدره ما لم يصطدم بقاعدة شرعية..
وتذكرت موقفا آخر كنت مسافرا إلى أمريكا تلبية لدعوة كريمة من أحد المراكز الإسلامية هناك وركب معي في الطائرة شاب في مقتبل العمر يلبس جلبابا لم تمش المكواة عليه في يوم من الأيام (مكرمش بصورة مستفزة) ويلبس حذاء قد داس عليه بكعبه (يعني عامله برطوشه) ويلبس طاقية عجيبة بالية.. فقلت له يا أخي إلى أين أنت ذاهب؟ قال: دعاني أحد المراكز الإسلامية لإمامة المصلين في رمضان.. فقلت له نحن ذاهبون إلى بلد غريب وكان يجب أن نظهر أمام هؤلاء الناس بمنظر طيب يليق بالإسلام العظيم الذى ندين به ويليق بالقرآن الكريم الذى نحفظه في صدورنا.. وقد كان مالك بن أنس رضى الله عنه لا يجلس في مجلس العلم ولا يحدث بحديث رسول الله إلا إذا تطيب ولبس أجمل ثيابه.. والله سبحانه يقول: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ولكن الشاب المسكين لم يلتفت إلى كلامي .. وقال لى بعدم اهتمام: دى مظاهر كدابة.. شاءت الأقدار أن أذهب إلى المركز الذى دعى إليه هذا الشاب ودار حديث بينى وبين مدير المركز وقال لى : إن مثل هذه النماذج تسيء للإسلام والمسلمين في مثل هذه البلاد.
سيدى المحافظ ربما يكون هذا الأمر صدر منك عفوا.. ولكن أنت الآن في منصب رسمي له احترامه وضوابطه وتقاليده، ومخالفة الأعراف والتقاليد والضوابط لمن هو في مثل منصبك أمر لا يليق.
وربما يكون هذا الأمر صدر منك قصدا كأنك تريد أن تقول للناس أنك مهموم بمشكلاتهم ولا تلفت إلى المظاهر والشكليات.. وهنا أقول لك لقد خانك التعبير .. فالملبس لا يعبر عن شدة الاهتمام أو عدمه.
سيدى المحافظ أنت ابن المدرسة الإخوانية مدرسة التربية الرشيدة والذوق الرفيع والأدب العالي واحترام التقاليد والأعراف ما لم تخالف شرع الله..
سيدى المحافظ التفت إلى الأعمال الحقيقية الجادة ولا تلتفت إلى الأعمال التى تلفت الأنظار .. فرحت بك جدا عندما بدأت عهدك بزيارة العلامة الكبير أبي إسحاق الحويني ولكني أقول لك إنها زيارة دبلوماسية تخطب بها ود السلفيين.. فالرجل على مسافة قريبة منك فأنت محلاوي وهو في مدينة كفر الشيخ.. فإن كانت هذه هى زيارتك الأولى له فأنت قد تأخرت جدا جدا في زيارة المريض.. وإن كانت ليست الأولي فلم يكن هناك داع أن تبدأ عهدك بها ويكفيك الاطمئنان عليه تليفونيا وتصرف همتك لزيارة مظلوم ترفع عنه الظلم.. أو محتاج يتطلع إلى من يقضى له حاجته.. فقدرك أنك صرت محافظا لمحافظة مظلومة فقيرة تحتاج إلى جهد كبير.. وعمل دءوب.. وجهد لا ينقطع..
أرجو أن يتسع صدرك لكلامي سيدى المحافظ .. فليس غرضى النقد لأجل النقد أو الانتقاص من قدرك.. فعهدي بك أنك رجل فاضل مخلص.. وما كان لى أن انتقص من شان إخواني أبدا.. ولكنها كلمة الحق التي عاهدت ربي أنأقولها دائما وأبدا ..
المصدر: رصد