هل مللت من سماع بعض المصطلحات مثل الدولة العميقة والأخونة؟ هل تظن أن الحديث عن أخونة الجماعة أو أسلمة الأزهر (هزار بايخ)؟ ما رأيك بالعودة لمصطلح ناعم لطيف يزين خطب السياسيين والمتحدثين طوال الوقت وفي الغالب سوف تعثر عليه محشورا وسط المقالات من باب تنميق الأفكار والتباكي على الحق الذي لا جدال حوله، أنا أدعوك مجددا للتفكر في شعار (العدالة الاجتماعية)!
قد أتفهم اليساري حين يتحدث عن العدالة الاجتماعية وحين ينادي مطالبا بتطبيقها على اعتبار خلفيته الاشتراكية التي يدعي أنها تحققها، ولكني لا أفهم أصحاب المعسكر الرأسمالي حين ينادون بالعدالة الاجتماعية وأصل تجربتهم كفكرة وتطبيق تخالف ما ينادون به! كيف نجمع بين فكرة السوق الحر والعدالة الاجتماعية دون وضع قيود؟ هل أصبح الشعار مجرد عبارة تلوكها الألسنة حال كونها في محل المعارضة السياسية؟
كذلك لا أتفهم اليساري حين تنتفخ أوداجه في المؤتمرات والندوات حين يتحدث عن العدالة الاجتماعية حينما يعامل عماله بطريقة تخلو من الاحترام أو حينما يأكل حقوقهم أو حين يفاصل بشدة مع بائع خضراوات بسيط أو حين يتأفف من مجرد النظر للشحاذين في الشوارع مقتديا بأسلافه من الاتحاد الاشتراكي في الستينات حين كانوا يأتون بالسيارات الفارهة لإلقاء المحاضرات عن الاشتراكية والمساواة وعن المنعطف التاريخي والقفزة النوعية.. إلخ.
كم هي أعداد الجمعيات التي أقامها هؤلاء لمساعدة الفقراء والمحتاجين في طول البلاد وعرضها؟ كم فقيرا يشرفون على إطعامه كل يوم؟ كم فقيرا يكسون؟ كم مسكينا يعينون؟ كم محتاجا يساعدون؟ كم مريضا يتابعون؟ كم مسنا يؤون؟ كم عانسا أو فقيرا يزوجون؟ كم وكم ؟ وأنا لا أتحدث عن مناسبات تظهر في الشاشات أيام المواسم، بل أتحدث عن الواقع الحياتي اليومي، أين هؤلاء من هذا الواقع؟ أليست هذه كلها في صلب العدالة الاجتماعية؟ لماذا لا نرى على الساحة في كل أبواب الخير المذكورة إلا التيارات الإسلامية؟ ولماذا نراهم في القرى والنجوع والشرق والغرب، هناك بعيدً عن صخب الكاميرات؟ لماذا أغلب هذه الجمعيات تخرج من المساجد؟ لماذا عند كل كارثة نجدهم أسرع الناس وأجودهم وأخلصهم في الإغاثة؟ من الذي يستغل البسطاء إذا؟ من يساعدهم كل يوم أم من يدعي مساعدتهم أو يساعدهم في المواسم أو أمام الكاميرات؟
على مستوى الدول كم عدد الدول التي تحرم الكثير من مواطنيها أبسط الحقوق لأسباب عرقية؟ هل إذا حكم مصر يوما رجل أسود ستقوم الدنيا ويتحدث الإعلام مثل أمريكا عن أول أسود يحكم مصر؟ بالطبع لا. أما إذا تحدثنا عن مسألة البدون فالكويت على سبيل المثال التي تبرعت من عدة سنوات بـ 500 مليون دولار لأمريكا بعد إعصار كاترينا الذي اجتاح نيو أورليانز يوجد بها عدد كبير من (البدون) يطالبون بأبسط الحقوق وهو الاعتراف بهم كمواطنين، و يعتبر الفرد منهم مجرد الدخول في نظام التأمين الصحي خطوة غير مسبوقة! وقضية البدون تغطي معظم الدول العربية ( بدون في جنوب السعودية – بدون في جنوب مصر وسيناء – وفي قطر والإمارات-..)
على المستوى الدولي نشاهد دول المحور تنشأ العديد من المنظمات الإغاثية لنجدة المجاعات في مختلف بقاع الأرض (بعضها) لا يخلو من مصالح استراتيجية، مع أن معظم دول المحور تسببت في نكبة الكثير من دول العالم الثالث وفي مقدمتها أفريقيا التي قتل منها عشرات الملايين أثناء ترحيلهم فقط كعبيد إلى أوروبا، والآن في وقتنا هذا تقوم الكثير من دول أوروبا باستعباد الأطفال في أفريقيا للعمل في مزارع الكاكاو في كينيا والدول المجاورة، مع تمتع شركاتهم بالحصانة داخل هذه الدول من المسائلة أو تفتيش لهذه المزارع لمراجعة العمالة المستعبدة داخلها.
هل نسينا سريعا صورة القطة الشهيرة التي أصيبت في حمص السورية؟ هل مازلنا نذكر عدد المنظمات الحقوقية والإعلامية الغربية التي تعاطفت معها؟ بالرغم من انتشار صور المذابح اليومية التي ينفذها جيش نظام بشار. هل يمكننا أن نخرج هذا الموقف المتناقض من السياق الغربي؟ قطعا لا فالتناقض الواضح والاهتمام بالعدالة الاجتماعية للحيوانات الأليفة ربما يكون أهم كثيرا من حياة البشر في سوريا وغزة وبورما والعراق وأفغانستان لأنها لها فلسفتها الخاصة للرجل الأبيض.
وفي الأمم المتحدة تحتفظ الدول الكبرى بحق النقض (الفيتو) دونا عن باقي الدول وتتحكم في مصائر دول الأطراف وتستولي على مقدراتها وتحاصر وتقصف وتضرب وتحتل باسم الشرعية الدولية وبأرق وأحلى عبارات الحرية والعدالة… إلخ، ثم تندفع لمساعدة هذه الأقلية وتلك الطائفة وتملأ الدنيا صراخا عن العدالة والحقوق وحرية العقيدة ولا تسأل عن أقليات أخرى تذوق أضعاف ما ذاقته الطوائف (المضطهدة المحظوظة).
هل شهد التاريخ بحكم مثل حكم هارون الرشيد أو عمر بن عبد العزيز حينما تعسر البحث عن وجود الفقراء والمحتاجين؟ كم مرة قرأنا في التاريخ الإسلامي عن القاضي فلان الذي استدعى أمير المؤمنين فلانا وحكم عليه لصالح مواطن بسيط قد لا يكون مسلما أصلا، ثم ينصاع الحاكم ذليلا للقضاء المستقل، كم مرة تكرر هذا في التاريخ الإسلامي؟ هل يوجد مثل هذا في أي من حضارات الأمم على وجه الأرض؟
بل لما استتب الحكم لعمرو بن العاص في مصر أرسل للفاروق عمر ليعلمه: بأني قد كفيت أهل مصر وأيما سارق جاءني قطعت يده، فرد عليه الفاروق: وأيما جائع جاء من عندك قطعت يدك! هؤلاء هم أسياد العدالة الاجتماعية الحقيقة، هؤلاء من تربوا على يد خير البشر صلى الله عليه وسلم الذي قال: وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها