كان استنجاد ثوار ليبيا بحلف الناتو لدعمهم في الثورة الليبية في مارس 2011م للإطاحة بالعقيد معمر القذافي نقطة تحول في تعامل روسيا مع الملف الليبي وطبيعة علاقتها مع من يحكم هذا البلد الذي يمثل أهمية استراتيجية للأطراف الدولية كافة.
ومن بعد الدور الذي لعبه “حلف الناتو” في إسقاط القذافي ونظامه، سعت روسيا إلى أن يكون موطئ قدمها في ليبيا واسعًا ومؤثرًا؛ إلا أنها لم تجد من تتحالف معه ويساعدها على إعادة شكل العلاقة على ما كانت عليه قبل الثورة طيلة السنوات الست الماضية؛ فقررت أن يكون طريقها إلى ذلك دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر لتوسيع نفوذه وبسط سيطرته على البلاد.
ومن بين صور احتراب الليبيين التي تظهر في الإعلام لا تكاد صورة منها تخلو من سلاح خفيف أو ثقيل تستلّه أيدي رجال المليشيات أو الجيش وتستخدمه لإطلاق النار على الخصم المحلي في الجهة المقابلة؛ كبنادق كلاشينكوف، ورشاشات دوشكا الثقيلة، ومقاتلات ميغ من مختلف الطرازات.
عمق العلاقة
ويعطي انتشار الترسانة الحربية السوفيتية هذه مؤشرًا على عمق العلاقة التي بناها العقيد معمر القذافي على مدى أربعين عامًا مع موسكو، قبل أن تطيح ثورة مارس 2011 بنظامه، وهو يعرف كذلك بالأداة التي تسعى روسيا في عهد فلاديمير بوتين لاستخدامها في مساعيها لاستعادة النفوذ الذي فقدته منذ استنجاد الثائرين على نظام القذافي بحلف الناتو قبل خمسة أعوام ومؤازرته لهم في القضاء على القذافي نفسه وإحلال نظام بديل على الأرض الليبية.
وتحضر هنا صورة العقيد الليبي قائد محاولة الانقلاب خليفة حفتر وهو يتجول على ظهر حاملة طائرات روسية خلال عبورها المياه الإقليمية الليبية في يناير الماضي، كما تحضر تأكيدات قائد القوات الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال توماس والد هوسر الشهر الماضي بوجود قوات روسية في ليبيا تدعم حفتر؛ وهو الأمر الذي نفته موسكو.
وبين شواهد زيارة حفتر إلى حاملة الطائرات “الأدميرال كوزنتسوف” والشكوك التي يثيرها البنتاجون حول حقيقة الوجود الروسي المستجد على الأرض الليبية، يختلف المحللون بشأن دواعي العلاقة القائمة حاليًا بين حفتر وموسكو وآفاقها.
فتش عن الإمارات
في هذا الصدد، يقول المحلل السياسي الجزائري محمد العربي زيتوت إن النفوذ الروسي عاد إلى ليبيا بدعم من دولة الإمارات، التي تمول عمليات شراء الأسلحة الروسية القديمة لحفتر بدعم من النظام العسكري في مصر.
وعن أسباب اعتبار موسكو حفتر بوابة لعودتها إلى ليبيا، قال الإعلامي السوري المتابع للشأن الليبي عمر الشيخ إن “روسيا لم تجد شريكًا حقيقيًا لها في الغرب الليبي، وترى أن الدعوات التي قدمت لها من قبل مسؤولين في غربي البلاد ليست كافية؛ فاتجهت لتعزيز نفوذ حفتر في الشرق، وهي الآن تدعم حل الأزمة الليبية بإعلان دولة فيدرالية”.
احتمالية التغيير
وعن آفاق مستقبل علاقة روسيا مع حفتر، يقول الخبير العسكري الليبي عادل عبدالكافي إن موسكو تعلم أنه ليس في إمكان حفتر ولا حتى جناحه السياسي (مجلس النواب) أن ينفردا بقيادة ليبيا؛ نظرًا لضعفهما من الناحيتين العسكرية والسياسية.
ويضيف في تصريحات صحفية أن زيارة قادة عسكريين من قوات “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق الوطني إلى موسكو ترجح إمكانية تغيير روسيا موقفها تجاه حفتر، متوقعًا أنها لن تمضي معه أبعد من ذلك؛ “كون موسكو والدول الغربية تبحث عمن يستطيع تحقيق مصالحهم”.
وأكدت الخارجية الروسية في بيان في العشرين من أبريل الجاري أنها ستتواصل مع جميع الأطراف الليبية لإيجاد حلول مقبولة للطرفين تمكّن من استعادة وحدة البلاد، وذلك عقب اجتماعات عقدها قادة عسكريون بقوات البنيان المرصوص مع مسؤولين عسكريين وسياسيين روس في موسكو.
شبيه بشار
في المقابل، أعرب الناشط السياسي الليبي محمد فؤاد عن اعتقاده بأن حفتر يحاول لعب دور شبيه بدور الرئيس السوري بشار الأسد، من خلال تهديد أعدائه بالتدخل الروسي، لافتًا إلى أن روسيا تريد استغلال ليبيا كورقة في مفاوضاتها مع الدول الغربية.
فيما لفت الدبلوماسي الليبي السابق حسن الباروني إلى أن مستقبل العلاقة بين حفتر وروسيا يعتمد على اتجاه السياسة الأميركية في المرحلة القادمة، وتابع أن هذه العلاقة ستتراجع إن تعامل الأميركيون بحزم للوقوف في وجه تمدد الأطماع الروسية في ليبيا والمنطقة عمومًا.
وتابع الباروني، الذي شغل سابقًا منصب سفير ليبيا لدى دول عدة، في تصريح صحفي، أن تراجع السياسة الأميركية في ليبيا إبان حكم أوباما كان سببًا رئيسًا في تشجيع روسيا على التدخل في ليبيا.