“موت شخص واحد يعتبر مأساة، أما موت مليون شخص يعد إحصائية”. جملة قالها ستالين وطبقّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سياسته الخارجية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي للشؤون الخارجية جون فيفر إن ما يحرك ترامب هو المأساة وليس الإحصائية؛ ولعل أبرز دليل على ذلك تأثّره بمقتل الأطفال الصغار بسبب هجمات بشار الأسد الكيميائية في حين لم يتحرك عندما قتلت حكومة الأسد عددًا أكبر.
وأضاف فيفر في مقاله المنشور بصحيفة “لوب لوج” أن هذه السياسة أيضًا تتضح في أزمة المجاعة الوشيكة في أربع دول، وهي اليمن والصومال وجنوب السودان ونيجيريا، التي تهدد حوالي 20 مليونًا؛ وجاءت هذه الأزمة الإنسانية بفعل الأحوال الجوية، بجانب الصراعات العسكرية، ويتجاهل ترامب هذه الإحصائية.
وقالت هيئة الأمم المتحدة إن أزمة المجاعة الوشيكة تعتبر أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، التي طلبت حوالي 4.4 مليارات دولار للمساعدة الطارئة في تجنب بدء الأزمة. وحتى الآن لم تستطع جمع مليار واحد.
وأوضح فيفر أن إدارة ترامب لم تساهم بأي شيء، ولكن إدارة أوباما ساهمت بحوالي 407 ملايين دولار، تأتي بعدها دول بالاتحاد الأوروبي وكندا واليابان. وعلى الرغم من أن الأزمة لا زالت تهدد الملايين؛ فإن الإدارة الحالية لأميركا لم تضف أي أموال للاستجابة إلى الاستغاثات، فضلًا عن تقليل تمويل “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” بنسبة 37%؛ حيث يرى ترامب أن ما يذهب إلى العالم يجب أن يذهب إلى الشعب الأميركي.
وأشار فيفر إلى أنه على الرغم من رؤية ترامب؛ فإنه لا يساعد المحتاجين في وطنه، ويهدد بإلغاء الرعاية الصحية لملايين الأميركيين، وستقلل ميزانيته المقترحة تمويل برامج تشغيل الفقراء.
وفي السياق نفسه، يعتبر اليمن دولة غير مستقرة بفعل الجفاف؛ حيث كان يموت حوالي أربعة آلاف شخص سنويًا في صراعات المياه والأرض قبل بدء العدوان الحالي.
وفي 2014، تناغمت الجماعة الدينية الشيعية “الحوثيين” مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، السياسي الفاسد الذي حكم البلاد ثلاثة عقود قبل أن يفقد منصبه خلال احتجاجات “الربيع العربي” في اليمن. واستولى الحوثيون وصالح على العاصمة، ثم اتجها جنوبًا لطرد الرئيس عبد ربه منصور هادي، المحصّن في مدينة عدن الساحلية، الذي تم الاعتراض عليه أيضًا؛ فتدخلت السعودية لتساند حكومة هادي ضد الحوثيين، وساعدت أميركا الجانب السعودي منذ البداية؛ سواء عن طريق إرسال الأسلحة أو تزويدهم بالاستخبارات، وساهمت أميركا في الغارات الجوية التي أودت بحياة عديد من المدنيين.
وقال مارك كي، مندوب مؤسسة “أنقذوا الأطفال في اليمن”، إن الحرب دفعت اليمن نحو حافة الهاوية. ووفق دراسات وإحصائيات، فإن المناطق التي توجد بها الصراعات في اليمن هي الأكثر عرضة لشبح المجاعة.
وأشار فيفر إلى أن الأزمة تحدث بسبب عدم القدرة على إيصال إمدادات الطعام إلى الدولة؛ حيث كان اليمن يعتمد بشكل كامل على الواردات من الطعام والعلاج قبل بداية الأزمة.
ويرى فيفر أنه على أميركا وقف خطر المجاعة والموت للشعب اليمني عن طريق وقف دعمها لجهود السعودية في الحرب ودعم عملية السلام المقترحة من هيئة الأمم المتحدة، موضحًا أنه من بين أربع دول تواجه خطر المجاعة، فإن أميركا تملك فرصة أفضل لوقفها في اليمن.
ومن جهة أخرى، توصلت وزارة الدفاع الأميركية إلى أن التغير المناخي تسبب في عديد من الصراعات حول العالم؛ ولذا فإن جنرالات وزارة الدفاع يجب أن يبدؤوا في الحديث مع ترامب حول تأثير التغير المناخي على إفريقيا، حيث إن باقي الثلاث دول التي تواجه مجاعات لديها صراعات عسكرية وشهدت مجاعات من قبل، وتسبب التغيير المناخي في دفعهم أكثر نحو تزايد هذا الخطر.
وقال فيفر إن الصومال يعد مثالًا على ذلك؛ حيث شهد مجاعة عام 2011، وبسبب اعتماده على الزراعة؛ فإن أي تغيير مناخي يمكن أن يؤثر ويقود إلى مجاعة.
وقالت الباحثة هالي فولر، من مركز أبحاث “ستيمسون” لحل أكبر التهديدات في العالم للأمن والازدهار، إن الشعب الصومالي أصبح على دراية بالتغيير المناخي؛ حيث لاحظت بعض مجتمعاته تغيير درجات الحرارة والأمطار، مضيفة أن المزارعين الإفريقيين تكيفوا مع الظروف البيئية بمرونة ملحوظة، ولكن عندما تغيب دور المؤسسات والهيكل الحكومي اللازم لحماية سكانها من زيادة انعدام الأمن الغذائي وتفشل البراعة الفردية للمزارعين فإن الوضع يتحول إلى كارثي، والآن نصف السكان يحتاجون إلى مساعدات من الطعام.
وقال فيفر إن أميركا لا زالت تملك دورًا في إيقاف المجاعة الوشيكة، ولكن إذا استمرت إدارة ترامب في تجنب أزمة المجاعة وتأثير التغيير المناخي على العالم، وتجنب تأثير هجماته الجوية؛ فإن ذلك سيؤثر في النهاية على أميركا؛ حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة عدد اللاجئين إليها وتزايد عدد الأشخاص الذين يرون أن الغرب تخلى عنهم، وهو ما سيكون له تأثير سلبي على قوى الغرب، منهم أميركا.
ويرى أن إدارة ترامب لا زالت لديها فرصة لتغيير موقفها؛ حيث يجب أن تتحمل دورها وتستعيد بعضًا من مسؤولياتها كقائدة للعالم، في الوقت الذي يحتاج الملايين للمساعدة ويمكن أن يموتوا من دونها، مضيفًا أنه إذا لم يفعل ترامب ذلك فإنه لن يواجه مآسي؛ ولكنه سيواجه إحصائيات مفزعة.