يتزامن اليوم مع الذكرى الـ38 لتوقيع معاهدة “السلام بين مصر وإسرائيل”، في 26 مارس 1979م؛ وتمثلت محاورها الرئيسة في إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودية بين مصر والصهاينة، وضمان عبور السفن الصهيونية عبر قناة السويس، وبدء مفاوضات إنشاء منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
السيادة على سيناء
نتج عن هذه الاتفاقية عديد من البنود؛ كان أهمها إعطاء الكيان الصهيوني بعض السيادة، وإن كانت محدودة، على سيناء؛ حيث نصَّت المعاهدة على تحديد عدد أفراد الجيش المصري في سيناء، وقسَّمت سيناء إلى ثلاث مناطق طولية: منطقة (أ) في غرب سيناء، ويُسمح فيها للمصريين بقوات لا تزيد على 22 ألف مقاتل، ومنطقة (ب) في الوسط ليس فيها إلا أربعة آلاف جندي من حرس الحدود بأسلحة خفيفة، ومنطقة (ج) في شرق سيناء، وهي ملاصقة لدولة فلسطين المحتلة، وهذه ليس فيها إلا قوات شرطة.
التعامل مع الاحتلال كدولة
في الوقت نفسه، استفاد الاحتلال الصهيوني من معاهدة السلام في التعامل معه كدولة؛ حيث كانت الأراضي المحتلة غير معترف بها دوليًّا قبل هذه الاتفاقية، وكان وجود إسرائيل الدولي محل تساؤل؛ حيث كانت موجودة فقط في منظمة الأمم المتحدة، وبتوقيع المعاهدة أخذت سلطات الاحتلال شرف التعامل معها كدولة.
أضف إلى ذلك أن هذه الاتفاقية ألقت بظلالها على العلاقات المصرية الصهيونية، التي اتجهت إلى التطبيع تدريجيًّا؛ سواء سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو عسكريًّا بعد ذلك.
اتفاقية أوسلو
على الرغم من رفض معظم الدول العربية لاتفاق السلام، وتعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية في الفترة بين عامي 1979 و1989 رفضًا للاتفاقية؛ فإن المعاهدة فتحت الباب أمام الحديث عن التطبيع العربي الصهيوني والتنازل العربي عن بعض الحقوق بحثًا عن سلام وهمي.
تقسيم أراضي الضفة الغربية
بموجب الاتفاقية، تم تقسيم أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام (أ، ب، ج) بموافقة منظمة التحرير؛ حيث اعتبرت أراضي القسم “ج” -التي تشكل 61% من الضفة الغربية- أراضي تحت السيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية الكاملة؛ عدا ما يقطنها مدنيون فلسطينيون.
وتشمل مناطق “ج” المستوطنات الصهيونية كافة ومعظم الطرق التي تربطها ويقتصر استخدامها على الصهاينة دون غيرهم، كما تشمل المناطق الاستراتيجية التي توصف بأنها “مناطق أمنية”.
تنازلات متتابعة
التنازلات التي تبعت اتفاقية أوسلو، والتي نتجت عن المفاوضات العبثية التي تم إجراؤها بين السلطة الفلسطينية والصهيونية خلال السنوات الماضية، دفعت عديدًا من المراقبين والسياسيين الفلسطينيين إلى تسمية اتفاقية أوسلو بالنكبة الطوعية.
فإذا كانت النكبة الفلسطينية عام 1984 قسرية نتجت عن حرب خسرت فيها فلسطين بعضًا من أراضيها تحت مسمى الاحتلال، فقد جاءت اتفاقية أوسلو لتشرعن بها السلطة الفلسطينية ما كسبته إسرائيل في نكبة 1948؛ لتكون بذلك نكبة طوعية استسلامية مُذلة للشعب الفلسطيني.
وادي عربة
بعد نكبة “أوسلو” أقدم الأردن على توقيع معاهدة “وادي عربة” مع الكيان الصهيوني، خلال حفل أقيم في وادي عربة بإسرائيل شمال إيلات وبالقرب من الحدود الصهيونية الأردنية في 26 أكتوبر عام 1994.
وقّع المعاهدة من الجانب الصهيوني رئيس الوزراء آنذاك إسحاق رابين ومن الجانب الأردني رئيس الوزراء عبدالسلام المجالي، وبحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ووزير خارجيته وارن كريستوفر، فيما ظهر الرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمان والملك حسين في مصافحة تاريخية؛ ليكون الأردن بهذه المعاهدة ثاني دولة عربية بعد مصر، وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، تطبع علاقاتها مع الاحتلال.
حدود مفتوحة بين الأردن والاحتلال
بموجب هذا الاتفاق أصبحت حدود الأراضي المحتلة والأردن مفتوحة لمرور السياح والبضائع والعمال بين البلدين، واستفاد الاحتلال كثيرًا من هذا الأمر؛ حيث فتحت هذه الاتفاقية الباب على مصراعيه للتغلغل الصهيوني في الأردن والسيطرة عليه اقتصاديًّا، الأمر الذي يهدد بأن يكون للاحتلال نفوذ سياسي في المملكة.
وتمثّل آخر المكاسب الصهيونية من الأردن في الاتفاقية التي تم توقيعها في سبتمبر الماضي بين شركة الكهرباء الأردنية وشركة “نوبل إنيرجي” الأميركية المطورة لحوض شرق البحر المتوسط لاستيراد الأردن الغاز الطبيعي من إسرائيل مقابل عشرة مليارات دولار لمدة 15 عامًا؛ ما سيجعل من الكيان الصهيوني أكبر مزود غاز للمملكة.
إسرائيل “صديقة”
هذه الاتفاقيات المصرية والأردنية والفلسطينية مع الاحتلال ساعدته في إقناع باقي الدول العربية بأنها يمكن أن تكون صديقة مُقربة منه، حتى وإن كان ذلك على حساب معاداة دول عربية وإسلامية أخرى، وهو ما يحدث الآن بالفعل؛ حيث أصبحت عديد من الدول العربية والإسلامية تُقيم علاقات صداقة نوعية وغير مسبوقة مع الكيان الصهيوني، على رأسها السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات ومصر والأردن.