مازالت الحكومة تضيق الخناق على الجمعيات الأهلية بمزيد من الإجراءات والقوانين الغير مدروسة، التي قد تؤثر تأثيرًا بالغًا على منظمات العمل الخيري التي تساعد ملايين الفقراء، وتملأ فراغًا كبيرًا لا تتركه للدولة، وهو ما اعتبره نشطاء وحقوقيون خطوة إلى الخلف.
حل 71 جمعية أهلية
وأعلن محمد الشعار وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالقليوبية، اليوم السبت، حل 71 جمعية أهلية، حلًا نهائيًا من بينها 41 جمعية تابعة لـ”جماعة الإخوان المسلمين”.
وتأتي هذه الخطوة تنفيذًا لقرارات لجنة التحفظ على أموال الجماعة (قضائية)، وإسناد إدارة 13 جمعية أخرى تابعة للجماعة إلى لجنة متخصصة من الوزارة”، بحسب ما صرح وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بالقليوبية.
ولم يقدم المسؤول المصري أي معلومات حول سبب حل هذه الجمعيات، لكن الحكومة المصرية تعتبر “جماعة الإخوان” “جماعة إرهابية”، رغم أن الأخيرة تؤكد حرصها على السلمية في احتجاجاتها.
كما لم يذكر لأي جهة تتبع الجمعيات الأخرى الـ30 المتبقية التي تم حلها، وأسباب ذلك.
وأوضح “الشعار” أن “محافظة القليوبية تضم نحو 2800 جمعية أهلية بمختلف أنواعها ومسمياتها، ستخضع لقانون الجمعيات الأهلية الجديد الذي أقره البرلمان بشكل نهائي، ومن المنتظر بدء تلقي طلبات الجمعيات لتوفيق الأوضاع بمديريات التضامن فور نشر القانون في الجريدة الرسمية وإقرار العمل به (كإجراء شكلي)”.
ووافق مجلس النواب، الثلاثاء الماضي، بشكل نهائي على قانون ينظّم عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، بعد إجراء تعديلات على مواد، أثارت انتقادات محلية ودولية.
ويقول حقوقيون ونشطاء المجتمع المدني: إن “هذا القانون يقضي فعليًا على نشاط المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية في البلاد، ويمثل خطوة جديدة في تحجيم عمل منظمات المجتمع المدني في مصر”.
وجاءت أبرز التعديلات التي استجاب لها البرلمان، منح الجهة التنفيذية (وزارة التضامن) مدة سنة لتوفيق أوضاع الجمعيات بعد القانون الجديد، مع إعطاء الوزير سلطة تحديد مبلغ إشهار الجمعيات بحد لا يزيد على 10 آلاف جنيه.
التضيق على الجمعيات
وانتقل مجلس النواب أمس، من الموافقة المبدئية على قانون الجمعيات الأهلية إلى الموافقة النهائية، رغم أن القانون لم يحظ بنقاش تفصيلي دخل أروقة “النواب” للملاحظات التي أبداها “القومي لحقوق الإنسان” حيث تجاهلها البرلمان.
لكن بعض النواب قالوا إن هذه القضية شائكة وإنهم يريدون التضييق على الجمعيات أو المنظمات التي تتلقى دعمًا أو تمويلاً من الخارج.
وقال النائب هيثم الحريري، في تصريح له، إن 13 قنبلة موقوتة داخل القانون المقدم من النائب عبد الهادي القصبي، والذي تم تمريره مؤخرًا من قبل المجلس مقارنة بالقانون المقدم من الحكومة، ما يعني أن هناك إرادة ورغبة حقيقية من قبل نواب البرلمان في إجهاض المجتمع المدني وهدم ثوابته واغتيال الحريات والممارسات الديمقراطية بدعوى الأمن القومي.
تهديد بالغلق أو العقوبة
رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان، قالت: إنه “بعد إقرار القانون الجديد، بات الكثير من الجمعيات الأهلية مهددة بالإغلاق، بما فيها تلك التي تقدم معونات للأيتام والمرأة المعيلة الذين لا توفر لهم الدولة أي مساعدة”.
وتوقعت أبو القمصان، في تصريحات صحفية، أن يدفع القانون الكثير من العاملين في مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية إلى تصفية نشاطها؛ خوفًا من الوقوع تحت طائلة القانون، مشيرة إلى أن جمعيات خيرية تترأسها شخصيات من داخل النظام، مثل جمعية مصر الخير والأورمان، أبدت استياءها الشديد من المشروع الذي يهدد نشاطها.
من جانبها، قالت انتصار سعيد الحقوقية بمركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان: إن “القانون الجديد تضمن عقوبات قاسية تصل إلى الحبس خمس سنوات لمن يرتكب مخالفات إدارية”.
وأكدت “سعيد”؛ أن هذه الإجراءات تقتل العمل الأهلي في مصر، وتعرض جميع الحقوقيين لملاحقات أمنية بشكل مباشر، إذا تجاوزوا هذه الشروط التي لا مثيل لها في أي دولة ديمقراطية، وفق قولها.
قيود على الحريات الأساسية
ويرى ماينا كياي، المقرر الخاص للأمم المتحدة، أن القانون “ربما يكون أسوأ القيود التي فرضت على الحريات الأساسية في مصر منذ ثورة يناير 2011م، ويهدف إلى اقتلاع المؤسسات المدنية من جذورها”.
ويحظر القانون الجديد على الجمعيات الأهلية تلقي تبرعات أو إجراء أبحاث أو التعاون مع جهات دولية دون موافقة الحكومة، ويعاقب المخالفين له بالسجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات. كما يفرض القانون رقابة مسبقة على البحوث الميدانية، حيث يفرض مراجعتها من قبل لجنة حكومية قبل نشرها.
وتقول منظمة “هيومن رايتس ووتش” لحقوق الإنسان؛ إن القانون الجديد سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل؛ “لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية”.
من جانبه، أكد وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، توبياس إلوود، إن قانون الجمعيات الأهلية الذي أقره البرلمان المصري يعد خطوة إلى الوراء، مشيرا إلى قلق بريطانيا العميق إزاء استخدام هذا القانون لمنع المصريين من المساهمة في مستقبل بلادهم وعرقلة الدعم الدولي لمصر”.