يستمر الترقب والحذر نتيجة لما تشهده عدد من المدن السورية من صراعات ضارية بين آل الأسد وأنفسهم وبين الموالين لهم نتيجة خلافات عديدة، فعلى الرغم من الرغم من خبرة النظام في دفن مثل هذه الأمور إلا أنها تعكس مدى إجرام هذه العائلة، وبراعتها في القتل وسفك الدماء والاتجار بالمخدرات.
صراع منذر الأسد ورجال النظام
أحدثهم هجوم “شبيحة” يتبعون لمنذر الأسد، ابن عم رئيس النظام السوري بشار الأسد، أمس الثلاثاء، على المنزل الذي يقطن فيه أيمن جابر وشقيقه محمد، أبرز رجال النظام، وقادة مليشيا “صقور الصحراء” و”فرقة مغاوير البحر” التابعة لها، والتي يشرف أيمن شخصيًا على عملياتها.
يأتي هذا في غضون الثالثة والنصف فجرًا، حيث أحضروا عربات “دوشكا” وشنوا هجومًا مباغتًا بحي الزراعة ذي الغالبية العلوية بالقرب من جامعة تشرين في اللاذقية.
الهجوم الخاطف الذي استمر أقل من عشرين دقيقة، وهُزم فيه بشكل سريع حرس أيمن جابر، لم يسفر عن ضحايا واقتصرت الخسائر على الماديات، لكنه خلف حالة من الرعب لدى سكان المنطقة على مدار ساعات، نظرًا لاستمرار توتر الاجواء حتى شروق الشمس.
أحد قاطني الحي قال في تصريحات صحفية، أن: “استدعاء الشرطة كان شبه مستحيل، فالشرطة في هذه المواقف تأخذ موقف المتفرج، ولا تسجل حضوراً أو بحثاً يذكر حول الحادث”.
روايات كثيرة بدأت بالانتشار عن سبب هذا الخلاف، الذي يعتبر الأول من نوعه، فعلى الرغم من هشاشة علاقة آل الأسد مع المتعاونين معهم، وانتشار شائعات غير مثبته عن خلاف هنا أو اشتباك هناك، إلا أن الخلاف هذه المرة خرج للعلن.
جهات مقربة من النظام، طلبت عدم التطرق إلى الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبت بضرورة التكتم على ما حصل، وسط تخوف الناس في الخوض في مثل هذه الأمور، نظراً لشراسة الطرفين المتصارعين.
وبالمقابل، أشارت مصادر مقربة من أيمن جابر إلى خلاف كبير بينه وبين منذر الأسد، بسبب “حافظ” نجل منذر، نظرًا لمحاولة الأخير قتل أيمن جابر لأسباب غير معروفة، وإصرار جابر على النيل منه، ما دفع منذر لإخفاء ابنه في قرية القرداحة التي تنحدر منها عائلة الأسد وتعتبر حصنها الحصين.
ويرجع الحادث إلى رغبة منذر الأسد في توجيه تحذير لجابر بعدم التعرض له، والتوقف عن تضييع الوقت في البحث عن ولده، وإلا ستكون حياة شقيقه محمد جابر هي الثمن.
إلا أن رد جابر أتى سريعًا، فبعد نصف ساعة من الهجوم المباغت، قطع شبيحته بداية طريق القرداحة، لإيقاف أي موكب سيارات متجه إلى هناك، وضربها بأسلحة رشاشة لإحداث عطب فيها من دون التسبب في القتل.
وبالفعل نجحوا في ضرب موكبين متجهين إلى القرداحة، الأمر الذي أدى لاستنفار بعض أبناء القرية وحملهم السلاح للوقوف بوجه “الغرباء” على حد قولهم. وارتفعت الأصوات بضرورة الرد عبر مهاجمة قرية الشبطلية مسقط رأس آل جابر، الذين حصنوا منطقتهم بشكل جيد جداً، استعداداً لأي حدث.
وليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها اللاذقية حوادث إطلاق نار خلال السنوات الخمس الماضية، لكن غالبًا ما اقتصرت الأمور على بعض الشبيحة الصغار، ولم يصل للرؤوس الداعمة. فحيّ الزراعة يشهد تبادلاً لاطلاق نار وحرب شوارع مصغرة بين الحين والآخر، لأسباب يمكن أن تكون رهانًا أو لعبة قمار خسرها طرف معين.
ولعل الاشتباك الأشهر التي شهده حي مارتقلا بين فواز الأسد وابن خالته مروان ديب، بداية التسعينات، يشبه إلى حد كبير حادثة آل جابر وآل الأسد اليوم، لكن السبب وقتها يعود لخلاف حول تجارة المخدرات، ووصلت القصة لمستويات عليا قررت إيقاف موضوع “التشبيح” الذي اشتهرت به اللاذقية قبل أن تعرفه بقية المحافظات، لتعود الظاهرة من جديد وبقوة مع بداية الثورة السورية العام 2011م.
اغتيال فاطمة الأسد
وفي 29 من سبتمبر من العام الماضي، أظهرت محاولة اغتيال فاطمة مسعود زوجة هلال الأسد رئيس قوات الدفاع الوطني في الساحل السوري مسقط رأس عائلة الأسد، حجم الصراعات الدائرة ضمن العائلة للهيمنة على الطائفة العلوية.
محاولة اغتيال فاطمة مسعود الأسد أسفرت عن تعرضها إلى إصابة بأربع رصاصات ما دفعها إلى أن تتهم شقيقة زوجها هالة الأسد، وفقًا لروايتها على حسابها بموقع فيس بوك.
وحسب ما تداولته صفحات المؤيدين للأسد، فإن محاولة اغتيال فاطمة الأسد تأتي كمحاولة لوضع حد لتمردها على عائلة الأسد وسعيها لاحتلال مركز زوجها الذي اغتالته المعارضة السورية في 2014م، بالإضافة إلى المشاكل التي ترتبت على قيام ابنها سليمان الأسد بقتل ضابط برتبة عقيد في ميليشيا الدفاع الوطني.
ظهور فاطمة مسعود باللباس العسكري وأحيانا عبر سيارات مسلحة مرافقة لها، لم يرق لباقي العائلة التي بادرت إلى لجمها، وجعل منها محل قلق من قبل أفراد العائلة، بحسب مؤيدون لبشار الأسد.
وتعد فاطمة مسعود هي زوجة هلال أنور الأسد وهو قائد عسكري سوري وابن عم الرئيس السوري بشار الأسد، وله منها 5 أولاد، وقد تولى رئاسة قوات الدفاع الوطني التي تُلقبها المعارضة السورية بالشبيحة في اللاذقية ورئاسة الشرطة العسكرية بالفرقة الرابعة.
واعتبر هلال من مؤسسي قوات الدفاع الوطني التي تأسست عام 2012م، كقوة داعمة للجيش السوري.
مقتل محمد الأسد “شيخ الجبل”
وفي مارس من العام الماضي، قتل ابن عم الرئيس السوري محمد توفيق الأسد والشهير بـ”شيخ الجبل”، نتيجة الخلافات المستمرة بين العائلات العلوية وتذمر أهالي محافظة اللاذقية من سياسة النظام السوري، حسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
جميع المعومات تؤكد أنّ محمد الأسد قتل رميًا بالرصاص أثناء خلاف على النفوذ في محافظة اللاذقية، إلا أن المواقع التابعة للنظام قالت : “أنه قتل أثناء قيامه بواجبه الوطني بعد إصابته في معارك مع المعارضة”.
وكان “شيخ الجبل” قائدًا لمواكب التهريب الضخمة ما بين سوريا ولبنان، ولا يمكن لأي جهة في الدولة إيقاف موكبه، وإن حصل تتم مجابهة الدورية الأمنية بالنار، في ما يعود أفراد مواكب التهريب سالمين دائماً إلى قراهم في اللاذقية.
ويعتقد أن محمد الأسد في أواخر الأربعينات من العمر وكان في الثمانينات من مؤسسي “الشبيحة” الذين استفادوا من عمليات التهريب وحصلوا على الحماية بسبب صلتهم بالحكومة.
وبحسب المرصد فقد تمكن محمد الأسد من جني “مئات ملايين الليرات السورية من عمليات التهريب عندما كان في العقد الثالث من عمره”.
وتورط محمد الأسد في عدد من الجرائم مما جعل باسل الأسد شقيق بشار الأكبر وخليفة حافظ الأسد المعين قبل وفاته، يأمر بسجنه بعد تورطه في تجارة المخدرات وخطف فتيات وسرقة السيارات وغيرها، قبل أن يعود بشار ويطلق يده من جديد مستفيداً من خبرته في عمليات “التشبيح”، ليكون المسؤول عن تجنيد أبناء الطائفة العلوية مع اندلاع الحرب الأهلية في صفوف الشبيحة والفرق الأخرى المختصة في ملاحقة النشطاء السياسيين والمسلحين والمعارضين من مختلف الانتماءات، حسب صحيفة “الشرق الأوسط”.
مقتل جمال الأسد
صراعات عائلة الأسد لم تنتهي، حيث قتل جمال كفاح الأسد، نهاية العام الماضي في ظروف غامضة داخل مدينة اللاذقية، وتحديدًا بريف اللاذقية الشمالي.
وذكرت “شبكة اخبار مساكن الحرس الجمهوري”، وهي إحدى المواقع الموالية، أنه قتل إثر تعرضه لحادث سير دون أن تحدد أين وكيف.
أما صفحة المرصاد الموالية للنظام، أفادت بأن مقتل الشاب جاء إثر طلق ناري أصابه بالخطأ أثناء لعبة بأسلحة نارية مع صديقه جعفر محمد شاليش، نافية استهدافه عند محطة الوقود “إثر خلاف مالي معه” أو “استشهاده” على جبهات القتال كما أثير مؤخرًا.
ويعد والد القتيل من أصحاب النفوذ في اللاذقية، ويعمل في تجارة المخدرات مع عصابات أخرى كان يقودها هلال الأسد قبل مقتله، بحسب تعليقات لناشطين معارضين على الخبر، والذين عزوا مقتل الشاب إلى خلاف حول كميات من المخدرات.