ضمن تغطيات حادثة الطائرة المصرية المنكوبة، نشرت مجلة بوليتيكو الأميركية، تقريرا بدأه كاتبه بـ”توكلت على الله” هذا ما كرره جميل البطوطي، مساعد الطيار على رحلة مصر للطيرات رقم ٩٩٠، إحدى عشرة مرة قبل أن تغرق طائرته التي كانت تعمل بشكل غامض في مياه المحيط الأطلسي الباردة قبالة سواحل ماساتشوستس في 31 أكتوبر ١٩٩٩.
وزعم الكاتب دوريان جيجر في تقريره أن التسجيل الصوتي التي التقطه مسجل الطائرة يعد دليلا قاطعا بالنسبة للسلطات الأميركية وهيئة سلامة النقل الوطني على أن البطوطي كان انتحاريا وقد حطم الطائرة عن عمد عندما كان الطيار خارج قمرة القيادة، لكن هيئة الطيران المدني المصرية أصرت على أنه كان هناك عطل ميكانيكي واستبعدت تحقيق هيئة سلامة النقل الوطني قائلة أنه كان “معيبا ومتحيزا”.
وبحسب تقرير بوليتيكو فإن مصر الآن تحت الأنظار في انتظار تفسير لاختفاء رحلة مصر للطيران رقم ٨٠٤، التي تحطمت في البحر المتوسط وعلى متنها ٦٦ شخصا في ١٩ مايو الجارى، وعلى العكس من الكوارث الجوية السابقة، افترضت الحكومة المصرية في الحال أن السبب وراء الحادث هو الإرهاب، بالرغم من أن سبب تحطم الطائرة لا يزال غير معروف ولم يعلن أي تنظيم إرهابي مسؤوليته عن الحادث، وتابع الكاتب جيجر “كما فعلت من قبل، يبدو أن القاهرة تريد إلقاء اللوم على دول أخرى، فالهجوم الإرهابي سوف يضع اللوم على ضعف الإجراءات الأمنية في باريس، بينما المشكلة التقنية سوف تلقي اللوم على شركة مصر للطيران، لكن المسؤولين المصريين قد تراجعوا عن هذا الافتراض وبدأوا في مناقشة التقارير التي تقول بأن الأجزاء الصغيرة لحطام الطائرة التي تم العثور عليها تشير إلى أن هناك انفجارا وقع داخل الطائرة مما أدى إلى تحطمها وسقوطها”.
واتهم جيجر القاهرة بالمراوغة، قائلا “مراوغة القاهرة تعد تذكرة لأي شخص يتوقع أنه قد يصل إلى حقيقة هذه المأساة بأنه يجب أن يفكر في انعدام الشفافية في مصر في التحقيقات السابقة، يقول آدم شيف، عضو الكونجرس من ولاية كاليفورنيا وعضو اللجنة الدائمة للاستخبارات بالكونجرس، والتي كانت دائمة الانتقاد لعدم تعاون مصر في التحقيقات الدولية، “لقد كان لمصر تاريخ معروف فيما يتعلق بالانفتاح والشفافية”، “فهم لم يكونوا دائما منفتحين أو متقبلين لنتائج التحقيقات، وكانوا دائما يسعون إلى التحكم في الوصول للحطام أو المعلومات أثناء التحقيق”.
وبحسب تقرير بوليتيكو فإن عبدالفتاح السيسي، قد قال يوم الإثنين في أول تعليق له على الكارثة بأن التحقيق سوف يتطلب وقتا طويلا، متابعا: “قد يستغرق هذا وقتا طويلا، لكن أحدا لا يستطيع إخفاء هذه الأشياء، فبمجرد الوصول إلى نتيجة سوف يتم الإعلان عنها”.
وأشار التقرير إلى أنه إذا لم تتعاون مصر، فسوف يؤدي هذا إلى حدوث توترات وبخاصة مع الفرنسيين، وهم مورد رئيسي للأسلحة لمصر، إلى جانب بعض الدول الغربية الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، كما يقول تيموثي قلدس، الزميل بمعهد سياسات الشرق الأوسط، عبر الهاتف من القاهرة: “لقد كان هناك عدد من الفرنسيين على الطائرة”.
و كانت مصر وفرنسا بصدد اتمام صفقة أسلحة تقدر بمليار دولار، والتي لم تكن ستزود مصر بالأسلحة فقط، بل وبتكنولوجيا الأقمار الأصناعية العسكرية، بالإضافة إلى السفن الحربية، وفي ظل قتل النظام مع تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء، تعمل مصر على تكديس قوتها العسكرية لمواجهة “التمرد” واسع الانتشار هناك، وفقا للتقرير الأميركي.
الطائرة الروسية في سيناء
يتابع التقرير، أن الماضي ليس مشجعا، ففي أكتوبر الماضي تم إسقاط طائرة روسية في سيناء باستخدام عبوة ناسفة، ما أسفر عن مقتل ٢٢٤ شخصا كانوا على متنها، وبعد فترة وجيزة أعلن المحققون الروس بالإضافة إلى السلطات الأميركية والبريطانية هذا الأمر، لكن مصر قد أنكرت أن السبب هو الإرهاب، وقال الإعلام التابع للدولة أنها مؤامرة لضرب السياحة وشل اقتصاد الدولة. وبعد خمسة أشهر، اعترف السيسي أخيرا بشكل عابر بأن إسقاط الطائرة له علاقة بالإرهاب.
وأضاف :”إلا أن الإدارة السيئة للكوارث لا تقتصر على الجو فقط، فقد واجهت مصر ردود أفعال عدة من المجتمع الدولي خلال العام الماضي فقط. ففي عام ٢٠١٥، قتل ثمانية سياح مكسيكيين في الصحراء الغربية على يد قوات الأمن المصرية التي أمطرتهم بالرصاص من طائرة هليكوبتر بينما كانوا ضمن مجموعة من السياح في نزهة، ظنا منهم أنهم إرهابيون، ومرة أخرى، تنصلت الحكومة المصرية من المسؤولية، متهمة شركة السياحة بالخروج عن طريقهم”.
الطالب الإيطالي جوليو ريجيني
وتناول التقرير واقعة مقتل الطالب الإيطالي ريجيني قائلا “تم العثور على جثة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في حفرة على الطريق الصحراوي، وقد تم الاشتباه في مقتله – بعد تعذيبه – على يد قوات الأمن، ولم تنجح مصر في تقديم أدلة دامغة في هذا التحقيق، بالرغم من إدانة إيطاليا والبرلمان الأوروبي للحادث، في فبراير الماضي”.
وعلق تيموثي قلدس قائلا: “أعتقد عموما أن الحكومة المصرية لديها مشكلة فيما يخص الشفافية”، “فلا توجد ثقافة الشفافية في النظام السياسي، هم ليسوا بارعين فيها، لديهم دائما رغبة في تجنب اللوم متى كان هذا ممكنا”.
وبحسب الكاتب الأميركي فإن التحقيق المشوب بالثغرات في حادث الرحلة ٩٩٠ على وجه الخصوص ترك أثرا سلبيا على العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ومصر، ولا يزال هذا الأثر باقيا حتى اليوم، حتى أصبح الطيران المدني ركيزة جيوسياسية، وبخاصة للعلاقات بين الدول المعنية بالتحقيق.
يقول ستيفين ويبر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا: ” هناك القليل جدا من هذه الأحداث، لكنها هامة جدا لدرجة أن استعداد السلطات للتعاون على إثر هذه الأحداث وإجراء تحقيق كامل وشفاف لما حدث يعد في الدوائر الدبلوماسية دليلا على مصداقية وشرعية الحكومة”.
ولفت جيجر إلى أن روسيا منعت سفر مواطنيها إلى مصر عقب الحادث ولا يزال الحظر مستمرا حتى الآن، وقد انخفض عدد السياح في مارس هذا العام بنسبة 47.2% مقارنة بنفس الشهر العام الماضي.
وتابع قائلا “في حالة الرحلة رقم ٨٠٤، بيدو أن انفجارا شبيها قد أقسط الطائرة، لكن التحقيق يجري ببطء منذ وقوع الحادثة حيث لا تزال السلطات تبحث عن الصندوق الأسود في البحر المتوسط. وقد اتهم مراقبون – من بينهم المتنافسان على الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون و دونالد ترامب – الإرهاب في هذا الحادث، كما سعدت الحكومة المصرية بهذا الاتهام، على الأقل في البداية”.
ولفت إلى ما قاله وزير الطيران المدني المصري شريف فتحي، خلال مؤتمر صحفي له، بأن احتمال وقوع هجوم إرهابي “أقوى من احتمال حدوث عطل فني”، ولكنه تراجع عن موقفه لاحقا ليحث على عدم القفز لاستنتاجات قبل التوصل إلى الحقيقة، كما كرر السيسي نفس الخطاب الاثنين الماضي.
وذكر أن الرحلة رقم ٨٠٤ غادرت مصر متوجهة إلى إريتريا ثم تونس وأخيرا إلى فرنسا قبل أن تختفي، وكانت أغلبية ركاب الطائرة من المصريين بالإضافة إلى عدد من الفرنسيين.
وتابع “قد يؤدي الضغط الخارجي على مصر – والذي يتمثل في تقدير النظام الاستبدادي في مصر لكم المساعدات التي يحتاجها من الغرب – تدريجيا إلى انفتاح أكثر، وفي مارس، قام شخص يرتدي حزاما ناسفا غير حقيقي، ويدعى سيف الدين مصطفى، بالتهديد بتفجير الطائرة إذا لم يتم تغيير مسارها إلى قبرص، لم يصب أحد بأذى وتم اعتقال مصطفى في قبرص. وقد اكتشف المحققون القبارصة أن حزامه الناسف كان يتكون من أغطية أجهزة محمولة، حتى أن أحد الركاب وقف ليأخذ صورة ذاتية مع المختطف، مما أثار السخرية”. وبالرغم من الحادث المحرج، يقول قلدس أن “مصر تعاملت سريعا وقدمت المعلومات بطريقة تتميز بالشفافية”.
بالطبع كون المختطف لم يكن معه شيئ مما كان يفترض أن يكون بحوزته، إذ أنه قد صنع حزامه الناسف غير الحقيقي من أغطية الهواتف المحمولة،الأمر الذي برأ مصر للطيران من وجود أي خلل أمني من جانبها، كما سارعت الدولة أيضا إلى إعلان أن الخدعة لم تكن مستوحاة من الإرهاب وأن مصطفى مضطرب عقليا، وبالرغم من أن الأمر قد أثار مخاوف امنية، إلا أن العديد من الخبراء قالوا أن هذا الحادث كان من الممكن أن يحدث على متن أي طائرة.
ويعتقد قلدس أنها سابقة سوف تنطبق على تحقيق الرحلة ٨٠٤، وبخاصة لأن الطائرة لم تسقط في مصر، يقول قلدس: “ما تراه في حادث قبرص، هو كم كبير من المعلومات يمكن نقله في الوقت المناسب لوسائل الإعلام”، “هذا لا يعني ان الحكومة قد أصبحت أكثر شفافية، الأمر يتعلق فقط بالظروف المتغيرة، بالإضافة إلى أن انعدام الشفافية قد أدى إلى تفاقم ردود الأفعال على حادث الطائرة الروسية، مما قد يثنيهم عن تكرار نفس التكتيكات هذه المرة”.
واختتم الكاتب مقاله قائلا “بالطبع، لم يكن عبدالفتاح السيسي يستخدم كلمة الإرهاب حتى الاثنين الماضي، أو يتحدث عن أي سبب آخر محتمل، حيث صرح السيسي بأن “كل السيناريوهات قائمة”، “لذلك من فضلكم، من الضروري ألا نتحدث عن سيناريو واحد”.