نشرت صحيفة “كلكليست”، التي تعتبر أشهر صحيفة اقتصادية في “إسرائيل”، تقريرًا عن الوضع الاقتصادي في مصر، مشيرة إلى أن تدهور الاقتصاد يهدد عبدالفتاح السيسي ووجوده على رأس السلطة، مع الصعوبات التي يعانيها في محاولات انتشال الاقتصاد من كبواته التي زادت مؤخرًا بشكل عنيف.
وجاء نص تقرير الصحيفة “الإسرائيلية” كالتالي:
“بعد مرور ثلاث سنوات على توليه الحكم، يجد السيسي صعوبة في إنقاذ الاقتصاد المصري، وخصوصًا تراجع احتياطي العملة الصعبة في الدولة”.
“الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي -على حد وصف الصحيفة- الذي تولى الحكم في 2013 والذي علقت عليه الآمال أوساط كثيرة في المجتمع المصري، يفقد شعبيته؛ فخيبة الأمل من السيسي تنبع من فشله في ايجاد الحلول الاقتصادية، وكما تبدو الأمور الآن فإن الرئيس وطاقمه الاقتصادي لا يمكنهما إخراج العربة الاقتصادية المصرية من الوحل. والإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن لم تثبت نفسها.
“إسرائيل” تعتبر السيسي حليفًا؛ خصوصًا فيما يتعلق بسياسته نحو “حماس” في قطاع غزة ومحاربة الإرهاب الجهادي في سيناء. ولهذا السبب بالتحديد فإن السيسي يفقد تألقه في الساحة الداخلية في أوساط العلمانيين أبناء الطبقة الوسطى وما فوق الذين كانوا الأكثر تأييدًا له، وما زال السيسي يحظى بغطاء من الجيش المصري.
عند الدفاع عن السيسي يمكن القول إن نقطة البدء للاقتصاد المصري حينما دخل السيسي إلى القصر كانت ضعيفة بعد عامين من الفوضى، وإنه بحاجة إلى مزيد من الوقت لرؤية ثمار التغيير. مثلًا البدء في تقليص الدعم الحكومي. لكنه مثل أسلافه قد يفهم أنه في مصر الآن، فإن قدرة تحمل القائد قصيرة.
سوق سوداء من الدولارات
الأزمة الكبيرة التي يمر فيها الاقتصاد المصري، اليوم، تنعكس في النقص الخطير في الدولارات. الأمر الذي اضطر متخذي القرارات إلى تخفيض قيمة العملة المحلية. وحتى وقت الإعلان عن تخفيض القيمة كان محافظ البنك المصري، طارق عامر، يتحدث يوميًا عنه أنه يعارض هذا التخفيض، لكن الوضع الذي نشأ لم يترك له أي مجال. فقبل أيام خفض البنك المركزي قيمة العملة بـ13 في المئة وأعلن أنه سيتبنى سياسة عملة صعبة أكثر مرونة. وتجاوز سعر الافتتاح الرسمي للدولار 7.8 جنيه مصرية، وحلق في السوق السوداء إلى 10 جنيهات. فيما تضطر القيود التي فرضها البنك المركزي على استخدام الدولار، رجال الأعمال والشركات في مصر إلى التوجه للسوق السوداء. ونظرًا لأن مصر دولة تعتمد على الاستيراد (في السنة الماضية وصلت قيمة الاستيراد إلى 80 مليار دولار) فإن خفض سعر الجنيه غير الرسمي أدى إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي شعر به كل مصري.
النقص في الدولارات يسبب ضررًا كبيرًا لمصر في مجال الاستثمارات الأجنبية أيضًا؛ فالمستثمرون الأجانب في مصر ومنهم شركة الطيران “بريتش إيرويز” يشتكون في الأسابيع الأخيرة من أنه لا يمكنهم سحب أرباحهم من الدولة، وشركة الإسمنت الإيطالية “إنتل سمنتي” التي تستثمر في إحدى شركات الإسمنت المصرية أعلنت، في الأسبوع الماضي، أنها تفحص نقل نشاطها من مصر لأنها لا تستطيع سحب أرباحها بسبب النقص في الدولارات.
من يحاول استغلال هذه الضائقة وضرب الرئيس المصري هم الإخوان المسلمون الذين لهم حساب مفتوح مع السيسي، ونشطاء الحركة في مصر وخارجها يعملون على تأجيج الجمهور المحلي على خلفية ارتفاع الأسعار، لا سيما بواسطة الشبكات الاجتماعية ومحطات التلفاز التي بملكيتهم. وقد أعلن الإخوان المسلمون، هذا الأسبوع، أنه “أسبوع سقوط الجنيه”، وفي المقابل، مؤيدو السيسي يتهمون الإخوان بافتعال أزمة الدولار، ورغم ذلك هناك الكثير ممن لا يقتنعون بأقوال الطرفين.
وإذا حكمنا بناءً على سلوك المستثمرين في البورصة المصرية، فإن شعورهم هو أن الحديث يدور عن رمال متحركة. في يناير 2016 فقدت السوق 9 في المئة من قيمتها ووقفت عند 50 مليار دولار. وفقد المؤشر الرئيسي “إي.جي.إكس 30” في ذلك الشهر نحو 15 في المئة، وهذا استمرار مباشر لتراجع المؤشر الرئيسي في عام 2015 الذي وصل الى 21 في المئة، وبالمقارنة مع العالم فإن البورصة المصرية في السنة الأخيرة كانت أفضل من أوكرانيا فقط التي تغرق في حربها مع روسيا.
أزمة العملة التي وصلت إلى الذروة الآن، هي نتيجة الأحداث الأمنية التي تحدث في مصر منذ 2011 والتي أدت إلى زوال احتياطي العملة الصعبة في الدولة وتراجع الدخل. فقبل الربيع العربي وصل احتياطي العملة الصعبة في مصر إلى 33 مليار دولار ولكن تراجع هذا المبلغ الآن بنسبة 50 في المئة.
السياحة التي تم اعتبارها في السابق من أهم المصادر لإدخال العملة الصعبة إلى بلاد النيل، وصلت أيضًا إلى تدنٍ غير مسبوق؛ فإسقاط الطائرة الروسية في سماء سيناء في أكتوبر الماضي أدى إلى إجراءات عقابية من قبل شركات كثيرة للطيران. ومن هنا تراجع تدفق السياح إلى مصر بشكل عام وإلى سيناء بشكل خاص؛ حيث أصبحت الفنادق في سيناء تمتلئ بنسبة 15 في المئة فقط، الأمر الذي يعني أن آلاف المصريين الذين عملوا بشكل مباشر أو غير مباشر بالسياحة قد فقدوا مصدر رزقهم.
لكن ليست السياحة وحدها هي التي في أزمة، بل أيضًا مشروع نظام السيسي -تفريعة قناة السويس الجديدة التي أقيمت خلال عام فقط- هي مصدر لخيبة الأمل؛ فتفريعة القناة التي تم افتتاحها في الصيف الماضي باستثمار 8 مليارات دولار تعتبر مصدرًا مهما للعملة الصعبة، فالقناة تهدف إلى الحركة في الاتجاهين في الوقت نفسه؛ حيث كانت السفن قبل ذلك تضطر إلى الانتظار لساعات من أجل العبور، وكانت الفكرة هي أن التطوير سيؤدي إلى زيادة حركة السفن وزيادة الدخل. وبحجم التوقعات كان حجم خيبة الأمل.
التراجع في الصين وأوروبا
وحسب المعطيات الرسمية، فإن دخل مصر من القناة في 2015 بلغ 5.175 مليار دولار مقابل 5.465 مليار دولار في 2014، وهذا تراجع بلغ 5.3 في المئة، ويقولون في مصر إن هذا التراجع نبع من ضعف سلة العملة الصعبة أمام الدولار في 2015. ومع ذلك، يبدو أن الأسباب أكثر عمقًا؛ فالاتجاهات العالمية، وعلى رأسها التراجع في النمو في الصين وفي الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد السفن التي تمر في القناة.
أسعار النفط المتدنية تؤثر أيضًا على تراجع مدخولات قناة السويس، فمنذ نوفمبر 2015 إلى فبراير من هذا العام، فضلت 115 سفينة أن تسير في خط الأمل الجيد والامتناع عن دفع رسوم قناة السويس؛ فأسعار الوقود الرخيصة تسمح لها بتجاوز القناة، خصوصًا أن هذا المسار أسرع. صحيح أن الحديث يدور عن رقم قليل نسبيًا، لكنه مقلق.
إن تراجع أسعار النفط أثر على الاقتصاد المصري واستقرار النظام. على الرغم أنه منذ تولى السيسي الحكم، فإن دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت، كانت السند الاقتصادي؛ حيث تم منح مصر 30 مليار دولار كمساعدة، تراجع مدخولات دول الخليج وميزانيات التقشف ستضائل المساعدة لمصر. تجميد مشاريع في دول الخليج وتقليص النفقات الحكومية هناك هي أيضًا لا تبشر بالخير لملايين المصريين الذين يعملون في هذه الدول. في الأيام العادية كان عمل المصريين في الخارج الذي يعود بالعملة الصعبة على الدولة، يصل إلى 1.5 مليار دولار في الشهر. لكن في الوقت الحالي وعلى ضوء تشديد البنك المركزي المصري وتحفظه من أزمة الدولار، أي تدفق الدولارات بشكل أكبر إلى السوق وتراجع احتياطي العملة الصعبة، يبيع البنك المركزي الدولار للبنوك المحلية حسب السعر الرسمي وهو 7.73 جنيه للدولار.
على خلفية هذه الضائقة، فإن متخذي القرارات في القاهرة يميلون إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. وقد أجرى الطرفان محادثات في هذا الشأن في 2011 ولم يتم الاتفاق بينهما. ولأن مصر نفذت بعض الشروط ومنها تقليص الدعم الحكومي، فيمكن أن يتم التوصل إلى الاتفاق هذه المرة.