يتعامل العديد من مجندي الأمن المركزي في مصر مع فترة تجنيدهم وكأنها سنوات عذاب دون ذنب، إذ يتعامل فيها القادة مع أفراد الأمن المكزي بمفهوم السخرة، فقوات الأمن المركزي هم مئات الألوف من المجندين من صعيد وأرياف مصر، ومن الفئات شديدة الفقر والجهل والأمية، ويتم تجنيدهم وإعاشتهم في ظروف قاسية للغاية، ولا يحصلون على مرتبات حقيقية، إلا مكافأة متواضعة عبارة عن مصروف.
ونستعرض في هذا التقرير أشكال السخرة للمجند المصري
تسخير المجندين للعمل في خدمات خاصة “شركات عسكرية”
وتعتبر شركة النصر للخدمات والصيانة (كوين سيرفس) والتي تأسست عام 1988 وأدارها اللواء علي فهمي، يعمل بها ما لا يقل عن 7500 مجند في الجيش لخدمة بيزنس العسكر برئاسة اللواء أركان حرب نبيل واصف، ونائبه العميد يحيى عبدالقادر.
ولا يتقاضى المجندون أي رواتب خارج المحدد لهم كأي جندي في الجيش والذي لا يتعدى 400، بينما يتم تسخيره لخدمة أعمال القوات المسلحة التي تقدم خدمات مقابل أموال مثلها مثل أي شركة خاصة.
وتقدم الشركة جميع أنواع الخدمات المتكاملة المختلفة في بيزنس ليس له نهاية (الأمن والحراسة – إدارة الفنادق – النظافة والتطهير وصيانة المعدات والمنشآت – صيانة السيارات – النظافة والتجميل – التوريدات العمومية – الدهانات – صناديق القمامة – أعمال المقاولات – أعمال خشبية – باسكت كرة السلة – أدوات رياضية – حمامات – دورات مياه – عربات رش – مطابخ ألوميتال – قوارب إنتاج دخان – قضبان مستعملة – الألوميتال – الدعاية والإعلان – المغسلة – أمن الجامعات – أمن المطارات – الحدائق – أمن المترو – غرف النوم – الأثاث – المقاولات العمومية – التوريدات – السمكرة – التدريب والتعليم – المزارع – إدارة المزروعات – زراعة المحاصيل وبيع وتصدير المحاصيل – السوبر الماركت – منافذ البيع – تجارة التجزئة – وغيرها من الخدمات المتكاملة).
وكشفت أحد رواد موقع التواصل الاجتماعي، واقعة نقلها له والدها من معرض الكتاب إذ به يجد شابين يجمعان القمامة من داخل المعرض، ويكتشف خلال حديثهما مع بعض أنهما مجندان في الجيش.
أعمال البناء والترميم
يستخدم قطاع الأمن المركزي المجندين في أعمال الخرسانة ورفع الطوب والأسمنت وأعمال الترميم الخاصة بمنشأت وزارة الداخلية، بالإضافة إلى مهماتهم العسكرية المكلفين بها من حين لآخر.
ويقول أحمد عبدالعليم، مجند سابق بقطاع الأمن المركزي، إنه يتم تسخير المجندين من الساعة 5 فجرا للتوجه إلى مواقع البناء والترميم، ومن لا يستيقظ مبكرا يتم تكديره وإجباره على الزحف عاريا.
وحكم بالسجن على حبيب العادلي وزير الداخلية السابق ومساعديه، في قضية السخرة، حيث قام خلال الفترة من شهر سبتمبر 2007 حتى يناير 2011 بناء على اتفاق مع مساعديه على استخدام الضباط والمجندين، وأفراد الشرطة واستخدام العديد من معدات وسيارات الشرطة التابعة لقطاع قوات الأمن في أعمال خاصه به.
وتبين قيام المتهمين بتشغيل المجندين في أعمال الإنشاءات وزراعات الأراضي لحبيب العادلي وقيام مساعد وزير الداخلية لقطاع قوات الأمن بتكليف ضابط بإدارة الأشغال وعدد كبير من أفراد الشرطة في تنفيذ بعض الإنشاءات بأرض العادلي بطريق الواحات بمدينة 6 أكتوبر، وتمثلت في إقامة فيلا سكنية ملحق بها حمام سباحة.
كما كلفه بإقامة إنشاءات وزراعات بقطعة أرض أخرى لذات المتهم بمنطقة الحزام الأخضر وتمثلت في إقامة شقق سكنية وغرف وحظيرة مواش، ومظلة سيارات وكلفه بتشطيب الفيلا الخاصة بالمتهم الثالث محمد باسم، قائد حرس حبيب العادلي.
واستغل العادلي المجندين دون وجه حق في العمل داخل الأراضي الخاصة به دون دفع أي مبالغ مالية بالإضافة إلى استغلال المتهمين إلى مهمات الشرطة واستهلاكها وأن المتهم الثاني استغل تلك المهمات للحفاظ على منصبه، وأنه تم ترقيته إلى مساعد أول وزير الداخلية، ومد فترة خدمته لمدة سنتين، وأن المتهمين اتجهت إرادتهم إلى تحقيق منفعة خاصة لهم على حساب المصلحة العامة، رغم تعارض المصلحتين.
خدمة الضباط “السيكا”
“السيكا” أو “المراسلة” يقوم قادة الكتائب في الجيش أو الأمن المركزي، باختيار بعض المجندين ليكونوا تحت إمرته في أي وقت، ومنهم من يكون خادما لأسر هؤلاء الضباط.
وتناولت السينما المصرية هذه الصورة بالتحديد في فيلم الإرهاب والكباب، والتي جسدها الشخصية الفنان أشرف عبد الباقي.
التعذيب والتنكيل
يتعرض المجندون خاصة في قطاع الأمن المركزي للتعذيب من قبل الضباط ومساعديهم، وظهرت خلال السنوات السابقة فيديوهات لتعذيب مجندين.
ولعل أبرز حادثة مقتل عسكري أمن مركزي على يد ضابط بمحافظة العريش، فبعد التعذيب وصل إلى مستشفى العريش المجند “أحمد حسين محمد خليل” 20 سنة، من مركز أبوحماد بالشرقية جثة هامدة، وتبين من التحقيقات أنه توفي متأثراً بشدة الضرب الذي تلقاه من ضابط بالأمن المركزى بالمعسكر برتبة نقيب يدعى “محمد.ح.ع”.
السخرية منهم
يستخدم بعض قادة معسكرات الأمن المركزي، المجندين كوسيلة للتسلية، حيث يقول فتحي عبد الله مجند سابق بقطاع الأمن المركزي، أنه تعرض لموقف “سخيف” من قادة المعسكر في مدينة نصر، إذ حوله الضباط لـ”مرسال” بينهم لمدة 3 ساعات لنقل بعض العبارات والنكت بينهم وبين بعض، ومن ثم يكون أضحوكة بينهم.
وأضاف عبدالله في حديثه لـ”رصد” وفي موقف آخر تعرض زميلا مصطفى لموقف أشد صعوبة، وهو أن جاءه أحد الضباط وقال له إن والدك وأمك وإخواتك ماتوا في حريق في المنزل، وجعله يبكي لمدة ساعتين وفي النهاية اكتشف أن ما يحدث مجرد “مقلب فيه”، وأوضح عبد الله أن هناك العديد من المواقف المشابهة وغيرها.
العسكري ممكن يقتل أبوه
يقول الدكتور خالد فهمي أستاذ ورئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن “واقعة “الواقي الذكري” التي قام بها الفنان الشاب أحمد مالك والمراسل شادي أبوزيد مع جنود الأمن المركزي استوقفتني واستدعت مني شهورا من البحث: إزاي ممكن نفسرها؟ إزاي نفسر إن مجند يقتل أبوه تنفيذا لتعليمات؟ (بالمناسبة دي : إزاي نفسر موقف أب يتبرأ من ابنه علشان نكتة؟).
وأضاف، في مقال له: “إحنا هنا أمام نظام قمعي بيستخدم آليات عنف مهولة استطاعت إنها تحول الإنسان لترس في آلة. دا حصل إزاي؟ إيه الآليات اللي ممكن تؤدي إلى فعل منافٍ للطبيعة زي الفعل دا: شاب يقتل أباه تنفيذا لتعليمات؟ الفصل التاني من كتابي كان محاولة للإجابة عن السؤال دا”.
وتابع: “أظن إن واقعة شادي تستدعي تحليل مماثل. المجند طبعا غلبان، زي ما كتير من اللي هاجموا شادي قالوا. وهناك بُعد طبقي واضح، برضه ما فيش شك في دا”.
وأكد أن هناك خللا جوهريا في طبيعة تكوين قوات الأمن المركزي وفيديو شادي عبر عنه وفضحه.
وأكد أن إحساس النظام بضرورة بناء قوة مدربة تدريب عسكري، غرضها الأساسي حماية النظام عن طريق وأد أي محاولة للتجمع والتظاهر، جعلها تأسيس قطاع “الأمن المركزي”.