شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

ادفن سرك حيث تشاء

ادفن سرك حيث تشاء
وضع رأسه في أحضان أمه يبكي بمراره وحرقه، وهي تمسح بيدها المرتجفه على رأسه بكل حنان، لم تسأله عن سبب بكائه، ولم تطلب منه أن يهدأ ليحدثها عن ما أصابه، وتركته يبكي ويبكي حتى بلل ثيابها، وهي تحضنه وتقبله وتسمح على رأسه.

وضع رأسه في أحضان أمه يبكي بمراره وحرقه، وهي تمسح بيدها المرتجفه على رأسه بكل حنان، لم تسأله عن سبب بكائه، ولم تطلب منه أن يهدأ ليحدثها عن ما أصابه، وتركته يبكي ويبكي حتى بلل ثيابها، وهي تحضنه وتقبله وتسمح على رأسه. ولما نشفت دموعه وسكنت نفسه وهدأت، رفع رأسه ونظر اليها فاذا هي تبتسم، ودون أن تسأله، شكا لها ضيق نفسه، وعظم همه، ففي صدره شيء خبأه منذ سنوات طويله حتى أعياه حمله، وأراد أن يبوح به ليخفف عن نفسه قليلا، وما أن فتح فمه ليتكلم حتى وضعت أمه يدها المرتجفه على فمه وقالت ” اياك أن تخرج سرك من صدرك”.

“اذا توسط الشمس والقمر كبد السماء، وكان النهار في جيوب الليل يستريح، أبحر وحدك حتى تقطع سبع بحار، وامشي  ثلاثين يوما ، حتى اذا وصلت صحراء ما شاهدتها عين قبلك، ولا قدم وطأتها قبل قدمك، أحفر حفره عمقها عشرة أضعاف طول الأرض، وادفن سرك فيها”.

لم تكن تلك خزعبلات عرافه، ولا طلاسم دجاله، تلك كانت كلمات الأم لأبنها تحذره فيها من أن يفشي سره بنفسه فيندم على ما صنعت يداه به. أعاد عليها  مرارا وتكرارا أن سري قاتلي لا محال أن ظل في صدري، وأعادت عليه هي مرارا وتكرارا أنك نادم لا محال أن خرج سرك من صدرك حتى لسانك، فكيف به أن خرج من لسانك إلى غيرك؟

أحست الأم بأنه لا يزال في نفس ولدها كثير من الهم وكأنه لم يلقى ضالته عندها!! فأرادت أن تريح قلبه أكثر، طلبت منه أن يحضر وسادة ومقص ولما سألها عن السبب قالت له أحضرهما وخذني معك إلى سطح الدار، فعل الولد ما طلبته أمه منه ولما وصلا الى سطح البيت، قالت له “قص الوساده وأنثر ما فيها” فما أن فعل أبنها ما طلبت منه حتى طااااااار الريش في كل مكان، وحمله الهواء إلى قريب وبعيد. 

قالت الأم لولدها أجمع الريش وضعه كما كان في الوساده، ظن الولد أنها تمزح إلا أنها كانت جاده في طلبها، فقال “ماذا حل بك أمي؟ لن أستطيع له جمعا، إلا ترين كيف أخذه الهواء إلى كل مكان فكيف لي أن أجمعه؟ ” أعادت عليه أن قم فأجمع الريش فأنت من قص الوسادة وأخرج الريش منها، هذا ما صنعته يداك بك وعليك أن تصلح ما أفسدته بنفسك. كاد الجنون أن يصيبه حتى لطم على رأسه، فصاح بأعلى صوته ” لقد جنت أمي كيف لي أن الم ريش ضاع في بلاد الله، لماذا دفعتي بي الى قص الوساده، كان الريش فيها وكنت في غنى عما حصل، ليتني لم أطع أمي ليتني لم أقص الوساده”.

أخذت الأم بيد ولدها تستند عليه حتى نزلا إلى البيت، ولما هدأ غضبه، قالت له ” أرأيت يا ولدي ما قد يصيبك أن انت أفشيت سرك؟ كان الريش في الوساده كالسر في صدرك، وان ثقل عليك إلا أنك عليه قادر، ما أن طار الريش منها حتى وصل وسط البلاد وأطرافها، فأصبحت عليه عاجزا، فلا أنت غنمت به لما شاع وأنفضح، ولا أنت بقادر على جمعه وستره مره أخرى كما كان”. 

ثم قالت له “أغلق صندوق أسرارك يا ولدي بالقفل وضع مفتاحه عند الله أن شاء سترك، وأن شاء فضحك، وما كان ربك بفضاحا لعبيده، أنه هو الستار الحليم. إن ما أعياك يا ولدي ليس سرك أنما هو ذنبك، وللذنب رب يغفره”.

طابت نفس الولد وهدأت، وكأن الله أنزل السكينة عليه، فبكت عيناه وقال أيغفر لي ربي يا أمي وذنبي عظيم؟ فأبتسمت وقالت “ان كان ذنبك عظيم فربك أعظم، وأن أعياك ذنبك الا انه على الله هين، أستغفره يغفر لك، وأعلم أنه ما سترك يوم سترك إلا ليغفر لك وقد كان على فضحك لقدير، سترك منذ عصيته حتى تأتي إليه مستغفرا، تائبا، مسترحما، فيغفر لك ويتوب عليك ويرحمك، ويعيدك كمن لا ذنب له”.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023