هل قرّر العاهل السعودي منح مصر استثمارات بقيمة ثلاثين مليار ريال حقًا؟ وهل قرّر تزويد مصر باحتياجاتها البترولية لخمس سنوات فعلًا؟ قبل الإجابة، أعيد عليك ما كتبته هنا قبل أكثر من أربعة أشهر، إنه قد ينجح الأرز في تعويم نظام فاسد مؤقتًا، لكنه لا يمنح وطنًا، ولا يصنع استقرارًا، وكما أنه ليس بالأرز وحده تُبنى الأوطان، فإنه لا توجد ثورة في العالم تنتظر حلًا أو دعمًا من أهل المنح والعطايا والمساعدات، وبكلمة واحدة: هناك فرق هائل بين تسوية الأرز وحرق الثورات.
في هذه اللحظة، أيضًا، كما كان في لحظات مماثلة سابقة، لا بد من فرزٍ حقيقي، في الجبهة المناوئة للانقلاب، وليس أقل من أن يعتذر الذين خدّروا الناس وثبطوا هممهم، بكمياتٍ هائلة من المهدئات والمسكنات العميقة، بادعاء الاتصالات مع كل الأطراف، وانتحال صفة البديل، الذي يعرف، لكنه لا يريد أن يفصح، أو هؤلاء الذين ضبطوا يمارسون عمليات الإحماء على جنبات الملعب، بينما العرض كله ليس أكثر من “فوتوشوب”، أو لعبة “بلاي ستيشن”، ولم يكن لذلك كله من نتيجة سوى أنهم منحوا عبد الفتاح السيسي ونظامه هدوءًا في شوارع الغضب، وألزموا قطاعًا من الثائرين بيوتهم، انتظارًا لقدوم “بابا نويل”، وفي يده الحرية والديمقراطية والخلاص من الذين انتزعوا الهتاف من الحناجر، والحلم من القلوب والأمل من العيون.
نعود إلى قصة المساعدات السعودية، لمناسبة الإعلان عن التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بقيادة السعودية، والذي يرد فيه اسم مصر ضمن 34 دولة إفريقية وآسيوية، بالإضافة إلى تركيا؛ حيث يقول البيان الذي بثته وكالة الأنباء السعودية إن خادم الحرمين أمر بزيادة حجم الاستثمارات السعودية في مصر إلى أكثر من ثلاثين مليار ريال (وليس ضخ 30 مليار ريال)، وأيضًا “المساهمة” في توفير احتياجات بترولية خلال خمس سنوات (وليس توفير احتياجات لخمس سنوات).
وفقًا لأرقام مصرية، بعضها رسمي والآخر من دوائر الاستثمار، يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر نحو ستة مليارات دولار، أي ما يعادل 25 مليار ريال سعودي تقريبًا، وعلى ذلك فتوجيه، أو أمر العاهل السعودي، يتعلّق بزيادة قدرها خمسة مليارات ريال، أي ما يربو بقليل على المليار دولار.
في أغسطس الماضي، نشرت صحف مصرية وسعودية بيانًا على لسان أحمد درويش الأمين العام للجمعية المصرية السعودية لرجال الأعمال، جاء فيه أن حجم الاستثمارات السعودية المدفوعة في مصر تقدّر بنحو 5 مليارات و300 ألف دولار، مؤكدًا أن هناك ما يقرب من 300 شركة ومؤسسة سعودية تعمل في مصر في مختلف القطاعات الصناعية والاقتصادية. ويرتفع هذا الرقم قليلًا، بحسب تقديرات هيئة الاستثمار المصرية، ومن ثم، يبدو الإفراط في الإحباط لدى جمهور مناهضة الانقلاب العسكري في مصر أمرًا مبالغًا فيه.
وبالقدر نفسه، يبدو التهليل والتطبيل لهذه الحزمة من الوعود شيئًا مضحكًا من جمهور عبدالفتاح السيسي الذي يعتبر أن السماء ستمطر منحًا ومساعدات هائلة.
ومن المهم، هنا، التذكير بأن سلطة عبدالفتاح السيسي حصدت من المساعدات والمنح والإعانات والهبات ما لم تحصل عليه سلطة قبلها، أو بعدها، وعلى الرغم من ذلك، تتخبّط في دروب الفشل، وتنحشر في أنفاق البلادة، وتكاد تصل بالاقتصاد إلى حدود الانهيار، من دون أن تفعل شيئاً إلى تسويق أوهام الرخاء والنهضة والانطلاق إلى الأمام.
عشرات المليارات من دولارات داعمي الانقلاب الخارجيبن، ومليارات أخرى حصيلة النهب والسطو والقرصنة التي تمارسها هذه السلطة تحت لافتة “لجنة مصادرة أموال الإخوان”، ناهيك عن فرض الضرائب والرسوم على كل شيء، حتى بات المصريون مهددين بضريبة على الشهيق والزفير، كل ذلك لم يقدم شيئًا يستر عورات نظام فاشل، يقتل ليستمر في الحكم، ويحكم ليواصل القتل.
هنا، لا بأس من تكرار القول إن أفضل ما يصنعه مقاومو الانقلاب في الداخل، الآن، هو ألا يلتفتوا لكثير ممّا يدور في الكواليس والدهاليز من عمليات “سمسرة على الغضب”، تساعد سلطة الانقلاب، بتبريد الغضب وتخدير الثورة بأقراص من الكلام المنمّق، والوعود التي لا تختلف كثيراً عمّا تحدث عنه عبدالرحمن الأبنودي، في أبيات شهيرة من زمن السادات، عن حقن الجماهير بجرعات من الأوهام والأحلام المستحيلة.