شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

وهم التمكين لدى الإخوان المسلمين

وهم التمكين لدى الإخوان المسلمين
"اتمسكن لحد ما تمكن " يعبر هذا المثل العامي المصري عن نظرة المجتمع لنوع من البشر يظهرون غير ما يبطنون حين ضعفهم و يفترسون غيرهم عندما يقدرون على ذلك , و لقد إستغل خصوم الإسلاميين في مصر هذا المثل بشكل جيد

اتمسكن لحد ما تمكن ” يعبر هذا المثل العامي المصري عن نظرة المجتمع لنوع من البشر يظهرون غير ما يبطنون حين ضعفهم و يفترسون غيرهم عندما يقدرون على ذلك , و لقد إستغل خصوم الإسلاميين في مصر هذا المثل بشكل جيد

يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين قد خاضت صراعا ضد المجتمع المصري ككل .. وخسرته أو قل ضد التاريخ .فالجماعة التي كانت تشغل الناس لم يعد يسمع لها صوتا تقريبا . خفت صوت إحتجاجها على الإنقلاب تدريجيا حتى إختفى . لم تعد ألسنة تهتف و لا سيارات شرطة تحترق و لا عمليات نوعية و لا شيء .
قصة جماعة الإخوان المسلمين مع الشعب المصري جديرة بالتأمل في الخمس سنين الأخيرة , ففي عام 2010 بدا أن الإخوان المسلمين تخوض صراع تكسير عظام مع نظام مبارك على المستوى اللإعلامي و عندما إنطلقت ثورة يناير كانت مشاركة الإخوان بها مرجحة لكفتها و بعد الثورة كانت ألسنة السياسة تجمع تقريبا على أن الأمر سيئول إلى هذه الجماعة إلى أجل غير مسمى ساعتها .

حصدت الجماعة نصف أصوات الناخبين في أول إنتخابات برلمانية بعد الثورة و أكثرها زخما و وصل مرشحهم للرئاسة و دانت لهم جمعية وضع الدستور . لكن بعد عام واحد من إكتمال دائرتهم حول الدولة جرفتهم موجة الثلاثين من يونيو . ما حدث في 3 يوليو كان إنقلابا بلا شك و لكن ما حدث في 30 يونيو كان إحتجاجا شديد الإتساع يعبر عن غضب شعبي جارف لم ينتبه له الإخوان المسلمون . فماذا حدث في هذا العام قلب الأمور بهذه الطريقة ؟ إدعت الحكومة المصرية أن رجال الأمن وجدوا وثيقة عرفت في الإعلام باسم وثيقة التمكين عام 1992 في مقر شركة سلسبيل التابعة للمهندس خيرت الشاطر القيادي الأشهر في جماعة الإخوان المسلمين .

بالطبع نحن لا نعلم أي شيء عن هذه الوثيقة غير ما تخبرنا به وسائل الإعلام الموالية للسلطة في معظمها و التي حرصت على نشرها تحت هذا الإسم …. التمكين . هذا اللفظ الذي إستدعى كل ما في تراث الشعب المصري عن المخادعين الذين يدعون الضعف و يجيدون لعب دور الضحية حتى يصلوا إلى القوة ثم يطيحون بالجميع . بدا الأمر منطقيا و الصورة ملائمة فالإخوان يتعرضون لكل أنواع الظلم و التنكيل و لا يرفعون يدا لرد البغي بل يخدمون المجتمع الذي يخذلهم و لكنهم في الحقيقة يخبئون خطة للتمكن من الدولة و الإنتقام .لو قمت بالبحث عن هذه الوثيقة ستجد أنها ظلت تذكر في مقالات الصحفيين المعادين للإخوان حتى عام 2015 .

تم تفسير كل ما يقوم به الإخوان المسلمون أثناء وجودهم في السلطة من إجراءات في هذا الإطار كالإعلان الدستوري الشهير و غيره و تراكمت النقاط السوداء حتى غطت الصورة بنهاية العام و كانت تعليقات الناس في الشارع تنبيء بأن إستعادة المعنى الذي يرسخه المثل العامي سالف الذكر قد سيطر إلى حد كبير على الذهنية الشعبية … ” اتمسكنوا لحد ماتمكنوا ” هكذا قالوا . والحقيقة المؤسفة أن تاريخ الشكل النضالي لجماعة الإخوان المسلمين قد ساهم في ترسيخ هذه الصورة . فقد كان صراعهم الأساسي مع النظام صراعا سلطويا بخوضهم الإنتخابات التشريعية للحصول على مقاعد في مجلس الشعب دون النزول إلى ساحة الصراع على وعي الشعب المجهل بإطلاق مبادرة ثقافية كبرى تساهم في تغيير القناعات الأساسية لدى الناس عن الدولة و دورها و حدود صلاحياتها و حقوق الإنسان و الحريات .

وربما لو فعلوا لما خذلهم الشعب في لحظتهم الفارقة . ربما لو سعوا إلى أن يتمكن الشعب من أخذ حقوقه بدلا من السعي لأخذها له عن طريق الإنخراط في مؤسسات النظام الفاسدة و توهم إمكانية إصلاحها لأسفرت سنين الصراع الطويلة عن تغيير ذو قيمة .. ربما صارت إنتفاضة يناير ثورة حقيقية . لا نعرف نحن للفظ معنى سوى التمكن من رقاب العباد و لكن حقيقته غير ذلك , فتمكين الناس من الحياة هو المعنى الحقيقي و قد بلغ الوضع أسوء مراحله فلم يعد الناس حتى ممكنين من الحياة و صار للقتل طرقا عديدة في مصر على يد السلطة أبرزها التعذيب . التمكين .. القدرة .. القدرة على المنافسة في عالم يموج بالتغيرات و الإبتكارات و المبادرات , القدرة على الإكتفاء الذاتي من أسباب المعيشة , القدرة على التفكير بحرية و الحديث بحرية . التمكين تمكين الإنسان لا تمكين السلطة .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023