“المدافع دائما ضعيف”.. هذه قاعدة يعرفها كل من يدرس الإعلام! هاجم ثم هاجم ثم هاجم، وإذا كان الخطأ فيك لا محالة؛ فقط اعتذر ولا تجادل، فالناس عموما ولاسيما في مصر يتعاطفون مع المعتذر، ويعتبرون القضية قد انتهت والصفحة قد أغلقت.
وحيث أن داعمي الانقلاب من العلمانيين يعرفون عظم الخطيئة التي ارتكبوها، والجريمة التي اقترفوها بدعمهم انقلاب عسكري دموي، وإعطائهم له غطاء سياسيا، محليا وخارجيا، مراهنين على ديمقراطية تأتي بها دبابة، خلصتهم من خصم سياسي، يفوز في كل الانتخابات، فإنهم لم يرهقوا أنفسهم بتبرير موقفهم، ولجئوا إلى الاعتذار.
ودوافع العلمانيين في الاعتذار ومحاولة ارتداء ثوب الثورة واضحة، فلقد وجدوا أنفسهم خارج السلطة، منذ حكومة الببلاوي الثانية، كما حرموا من المعارضة، بقانون انتخابات مفصل على مقاس الفلول، ولم يعودوا ثوارا بمباركتهم الانقلاب العسكري! لقد خسروا كل شيء، وأصبحوا لقطاء بلا هوية!
وحيث أنهم تأكدوا أن أبواب السلطة والمعارضة مغلقة بدبابة أتوا بها، فلم يبق أمامهم إلا الجعجعة المجانية، ومحاولة ارتداء ثوب الثورة من جديد، لعله يواري سوأتهم المفضوحة! ونرصد هنا محاولتين رئيسيتين لمحاولة العلمانيين ارتداء ثوب الثورة من جديد:
***
1- اعتذار 6 إبريل: اعتذار أقرب إلى الاعتراف!
أتت اعتذارات العلمانيين في وقت مبكر، منذ أن قدم أحمد ماهر رسالته الشهيرة – التي لا يعرف أحد كيف خرجت من السجن – بعنوان “للأسف كنت أعلم”!
وللتذكير، فإن حركة 6 إبريل هي أبرز حركة علمانية محسوبة على التحرير دعمت انقلاب 3 يوليو، وقالت ممثلة الحركة لكاترين أشتون أثناء اعتصام رابعة أن الإخوان جماعة إرهابية! وقامت الحركة بفصل عضوين فيها فقط لأنهما صعدا على منصة رابعة!
جاءت رسالة ماهر لتوضح أن الحركة كانت على علم – قبل الانقلاب بشهور – أن انقلابا سيجري، وأن دماء غزيرة ستراق، وأن الجيش يستعد للانقضاض على الثورة، ليذبحها بسكين تلم، ويطيح – ليس فقط بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر، وإنما بكامل المسار السياسي الذي أتى به، ويغلق باب الانتخابات الحرة في مصر!
لكن رسالة أحمد ماهر أبطلت دون قصد حجج العلمانيين أنهم شاركوا في 30 يونيو ولم يشاركوا في الانقلاب، وبينت بجلاء أنهم كانوا على علم مسبق أن مظاهرات 30 يونيو كانت مجرد “كوبري” أعطى غطاء سياسيا لانقلاب الجيش، الذي كان يحرك في المشهد منذ البداية.
فشلت رسالة أحمد ماهر، ولم نعد نسمع عنه شيئا، لأن الباب الوحيد المتاح لعودته إلى صفوف الثوار – وهو الاعتذار – أدانه ولم يبرئه، فاعتذاره أتى أقرب إلى الاعتراف!
***
2- اعتذار وائل غنيم: كنا سذجا ولم نكن خائنين!
هذا الخطأ حاول وائل غنيم تفاديه في رسالته التي خرجت علينا فجأة! فوائل – أحد أبرز وجوه العلمانيين في التحرير- قدم رسالة عاطفية اعتمدت على وصف أنفسهم بالسذاجة، وهي صفة تستدر التعاطف، بعكس الإقرار بالذنب الذي أكدته رسالة أحمد ماهر!
نفى غنيم في رسالته تأييد النظام وتوقيع تمرد في محاولة بائسة يائسة لخلع يده من انقلاب 3 يوليو! واعتذر عن جملة لم يجد لها تبريرا، في منشور كتبه عبر صفحته في 2 يوليو 2013 عندما قال إن “من يعتقد بعودة النظام السابق واهم”
ومع ذلك فقد أتت رسالة وائل الأولى مليئة بالكبر والتعالي! لم يطلب من الرئيس الشرعي محمد مرسي ومن مؤيدي الشرعية الاعتذار، أو أعلن أنه سيأتي إلى المربع الذي يقفون فيه منذ عامين ونصف، ليقف في آخر الصف، يرفع نفس مطالبهم، نادما على ما بدر منه! بل على العكس؛ اتهم وائل الإخوان بصفاقة، أنهم مثل العسكر لا يعترفون بالديمقراطية، ويريدون احتكار أدوات السلطة! رغم أن مرسي لم يعتقل صحفيا واحدان ولم يمنع مظاهرة واحدة، ولم يحتكر القوانين بمعدل قانون كل 36 ساعة؛ كما فعل السيسي!
ولقد ترك وائل رسالته الأولى تثير زوبعة كما أراد، وانتظر! وبعد شهر بالتمام والكمال انتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وطرح رسالته الثانية، يطلب من الإخوان الإجابة على ثلاثة أسئلة.
وأنا لن أدخل في مناقشة هذه الأسئلة ولا في الإجابة عنها، فالإخوان ليسوا ملزمين بالإجابة على أية أسئلة مسبقة خاصة من انقلابي كوائل! كما أنهم ليسوا متهمين حتى يجيبوا على أسئلة افتراضية تبدأ كلها بـ “ماذا لو” ! بل الحقيقة أن وائل هو المتهم!
وإني سأطرح على وائل ثلاثة أسئلة، وهي أسئلة واقعية وليست افتراضية، وأتحداه أن يجيب عنها، لأنه – كما أرى – يعرف الحق جيدا ويحيد عنه!
السؤال الأول: هل ما جرى في 3 يوليو انقلاب أم لا؟؟
وإذا لم يرى وائل – بعد كل ما جرى – أن ما جرى كان انقلاب، فهو إما أعمى البصر أو أعمى البصيرة!
السؤال الثاني: إذا كان ما جرى انقلاب، على رئيس منتخب وبرلمان شرعي ودستور مستفتى عليه شعبيا، فكيف نسقط هذا الانقلاب؟؟
أليس بإعادة الأوضاع إلى ما قبل 3 يوليو؟؟ أليس بإعادة الرئيس الشرعي إلى القصر، والقائد العسكري المنقلب إلى المحاكمة؟؟ أم بتلميع بعض مشاركي الانقلاب وداعميه، وإعادة طرحهم على الناس بصفتهم ثوارا؟؟
السؤال الثالث: كيف يتوب من أخطأ ودعم الانقلاب، ويريد التكفير عن جريمته؟؟
أقول لوائل وأمثاله؛ باب التوبة مفتوح، وإن الله يغفر الذنوب جميعا، بشرط أن تبين للناس خطأك دون كبر أو تدليس، وتعلن على الملأ أن ما جرى كان انقلابا وتعود إلى صفوف الثوار تابعا وليس قائدا، ترفع ذات شعاراتهم، بدلا من أن تمارس التنظير والفلسفة عليهم!
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160 البقرة )