للحرب تعريفات كثيرة، منها أنها أعلى قرار سياسي، وأنها تحقيق للسياسة بأدوات أخرى! أدوات قد تشمل قتال الغرب للتنظيمات الإسلامية في سوريا حتى النهاية، وضمان مرور الفن الروسية في المضايق التركية مهما تكلف الأمر، ومنع قيام دولة كردية في سوريا بأي ثمن.
بوتين شخص عنيف، اكتسب شهرته من إبادة جروزني عاصمة الشيشان في الحرب الشيشانية الثانية، عندما كان بوتين رئيسا للوزراء عام 1999!
وتاريخ روسيا ينبيء أنها تفضل الحلول العسكرية الدائمة على التفاهمات السياسية المتقلبة. ومثال القرم ليس ببعيد!
سقوط طائرة عسكرية روسية بطائرات F-16 الأميركية التي تملكها تركيا هو عمل من أعمال الحرب، حتى وإن كانت الطائرة قد اخترقت المجال الجوي التركي، وحتى وإن أخفى الطيار هويتها، وحتى وإن تم تحذيره عشر مرات، وحتى وإن امتلكت تركيا الأدلة على ذلك!
للأسف؛ الأزمة في المنطقة تسير نحو الاشتعال وليس نحو الخفوت والانكفاء.. فلدى كثير من الأطراف الدوافع التي تجعله يستمر حتى النهاية في الحرب مهما تكلف الأمر
ومنذ مئة عام دخلت تركيا العثمانية الحرب العالمية الأولى لأسباب تبدو أتفه من ذلك، بعد أن سمحت لبارجتين ألمانيتين كانتا تطوفان البحر المتوسط، بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الأسود هربًا من مطاردة السفن البريطانية! ثم حاولت تركيا استعادة الأراضي العثمانية التي احتلها روسيا ، فهاجم الأسطول العثماني الموانئ الروسية في البحر الأسود، فأعلن الحلفاء الحرب على الخلافة العثمانية، ورد العثمانيون بالمثل!
وإن فشلت محاولة احتلال موانيء البحر الأسود؛ فإنه ينبيء أن حرب الروس الرئيسية كانت مع الأتراك، وأن حرب الأتراك الاولى كانت مع الروس!
موضع آخر يشير إلى الأهمية الاستراتيجية للمضايق التركية: تقول المصادر التاريخية أن وجهة نظر الحكومة الإنجليزية لكسب الحرب تتلخص في احتلال المضايق التركية في القرن الذهبي، مما يخرج العثمانيين من الحرب، ويسمح للحلفاء بمد يد العون للروس ضد الألمان. وقد لاقت الخطة استحسان الروس الذين طالبوا الحلفاء بحقهم في المضايق التركية، لضمان حرية الملاحة نحو المياه الدافئة (المتوسط). يذكر أن روسيا قامت باحتلال هذه المنطقة بالفعل منذ 1828 وحتى 1879، وترى موسكو هذا الوضع هو المثالي في تاريخها!
قام الحلفاء بمحاولة فاشلة لاحتلال المضايق التركية عبر إنزال في مدينة جاليبولي (المقابلة لمدينة طروادة التي قامت فيها الحرب التاريخية الشهيرة)، وبعد انتهاء الحرب دخلت أساطيل بريطانيا وفرنسا وأميركا إلى المضايق التركية. وطبعا تم إقصاء روسيا التي خرجت فعليا من الحرب بعد الثورة البلشفية في 1917.
الخلاصة:
لطالما كان الموقع الجغرافي المميز لتركيا سببا لاندلاع الحروب فيها، منذ حرب طروادة للسيطرة على التجارة في المنطقة، وحتى الحرب العالمية الأولى للسيطرة على المضايق التركية!
إسقاط تركيا للطائرة الروسية أثبت أن تحالف تركيا مع النيتو أقوى من أي علاقات اقتصادية بين موسكو وأنقرة، وهذه رسالة فهمها بوتين جيدا، ولن يهنأ حتى يطمئن على مصالح مملكته الصغيرة، وهي مصالح تمر بالضرورة عبر المضايق التركية!
الحرب في سوريا تحولت إلى ما يشبه حربا عالمية، بدخول بريطانيا وفرنسا وأميركا وتركيا من جهة؛ إضافة إلى روسيا وإيران وحزب الله وفصائل شيعية عراقية من جهة أخرى، وتطور الأمر لحدوث اشتباكات بين هذه الأطراف، التي كانت حتى وقت قريب جهاد داعمة، ثم أصبحت في خط المواجهة بالاشتباك المباشر بين هذه الأطراف.
حرب سوريا ليست النهاية، ولا بداية النهاية.. إنها فقط نهاية البداية!