شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

تعليم “العربية” في تركيا من الحفاظ على الهوية إلى الأهمية الجيوسياسية

تعليم “العربية” في تركيا من الحفاظ على الهوية إلى الأهمية الجيوسياسية
تعتبر اللغة العربية من أهم اللغات التي تشكل حضورًا تاريخيًا لافتًا في المجتمع التركي من حيث إنها لغة الإسلام، وربما لا يداني في ذلك التأثير أي مجتمع آخر اتخذ من الإسلام دينًا له

تعتبر اللغة العربية من أهم اللغات التي تشكل حضورًا تاريخيًا لافتًا في المجتمع التركي من حيث إنها لغة الإسلام، وربما لا يداني في ذلك التأثير أي مجتمع آخر اتخذ من الإسلام دينًا له، ويعود ذلك لاعتبارات دينية وجغرافية وسياسية جعلت من الأتراك والعرب تحت راية حضارية واحدة هي الإسلام، وهذا ما جسدته الدولة العثمانية بوصفها شكل من أشكال الحضارة الإسلامية كالأموية والعباسية عمومًا، وما كرسته في ثقافتها بأن يكون حروف لغتها من الأبجدية العربية على وجه الخصوص.

وأعلنت وزارة التعليم في الحكومة التركية، أمس الجمعة، إضافة اللغة العربية إلى المناهج التعليمية لطلاب المرحلة الابتدائية، اعتبارًا من العام الدراسي القادم “2016 – 2017”.

تعلم العربية في تركيا

وألقت صحيفة “جمهورية” التركية الضوء على قرار إضافة اللغة العربية إلى المناهج التعليمية لطلاب المرحلة الابتدائية، وقالت إن القرار اتُخذ من قبل مجلس التربية والتعليم التابع لوزراة التعليم التركية بناءً على كتاب المديرية العامة لتعليم الدين، وذكر التقرير أن المديرية العامة لتعليم الدين التابعة لوزارة التعليم التركية، أكدت أن غاية وأهداف تعليم اللغة العربية كالتالي:

– إن اللغة العربية التي يتم النطق بها كلغة أم من قبل 350 مليون شخص في 22 دولة تعد إحدى اللغات الستة الرسمية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وتأتي الأسباب التاريخية والثقافية على رأس الأسباب التي تستدعي تعلم اللغة العربية المهمة بالنسبة للدين في الدول المسلمة، وازدياد أهمية المنطقة التي تتكلم باللغة العربية يومًا بعد يوم بسبب الأهمية الجيوسياسية والاستراتيجية، تجبر على تعلم العربية لأغراض اقتصادية وسياحية وتجارية وسياسية إلى جانب الأسباب الدينية، بالإضافة إلى تواجد آثار عربية عديدة في ميراثنا الثقافي، يجعل هذه اللغة مهمة من ناحية تاريخنا”.

– مدينة إسطنبول -كبرى المدن التركية وأكثرها عراقة وشهرة- تشهد إقبالاً منقطع النظير على المراكز والمعاهد التي تعلم اللغة العربية، وقال مدير “أكاديمية لسان لتعليم اللغات” علي بلبول للجزيرة: “إن النمو الاقتصادي المتصاعد لتركيا عزز حاجتها للناطقين بالعربية والقادرين على استقبال الوفود العربية في المنتديات والمؤتمرات والتحدث إليهم، إضافة إلى المشتغلين بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية الذين يتخصصون في القضايا العربية ويحرصون على التعلم عنها”.

–  اللغة العربية تتمتع بمكانة مهمة في تركيا أيضًا لعدم انتشار اللغة الإنجليزية على خلاف الحال في دول أخرى يتخاطب سكانها مع العرب بالإنجليزية، مؤكدًا أن نحو 1600 طالب تركي التحقوا بمعهد “لسان لتعلم اللغة العربية” في العامين الأخيرين، مشيرًا إلى أن تدريس اللغة العربية متطلب إجباري لطلبة التعليم الشرعي الذين يتخرجون أئمة وخطباء وكذلك إدراجها على قائمة اللغات الاختيارية التي يتعلمها الطالب في المدارس الحكومية وسعت شريحة الراغبين في تعلم العربية في البلاد.

يقول الدكتور خالد عبد العزيز أستاذ العلوم السياسية بجامعة عين شمس لـ”رصد”: إن تركيا دولة عريقة وتدرك أن اللغة العربية من أهم اللغات التي يجب أن تكون من المقررات الأساسية في مراحل التعليم، مشيرًا إلى أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين العربية والتركية وأن الثقافة الإسلامية تقرب هذه اللغات إلى بعضها، وأضاف: “بعيدًا عن التعليم الإلزامي تنتشر مراكز تعليم اللغة العربية بتركيا، ويقبل عليها الشباب بكثرة”.

اهتمام تركي باللغة العربية

الأتراك كبقية الشعوب المسلمة اهتموا باللغة العربية كتابة وقراءة وتعليمًا وتعلُّمًا، وكانت لغتهم في عهد الدولة العثمانية، التي تسمى اللغة العثمانية، تُكتب بالحروف العربية إلى أن جاء مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك وغَيَّرها إلى الحروف اللاتينية، ولا شك في أن اللغة التركية من أكثر اللغات تأثرًا باللغة العربية؛ لأن فيها كمًّا هائًلاً من المفردات العربية ما زال الأتراك يستخدمونها، رغم محاربة اللغة العربية سنين طويلة في بداية عهد الجمهورية إلى درجة حظر تعليم القرآن الكريم وتحويل الأذان من العربية إلى التركية.

سياسة الانفتاح على العالم العربي، التي تبنتها الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان، وإقبال المواطنين العرب من جميع الدول العربية على زيارة تركيا زادت من اهتمام الأتراك باللغة العربية، وأصبحت الحاجة ماسة إلى من يجيد اللغة العربية في جميع المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والسياحية وغيرها.

اتخذت وزارة التربية الوطنية التركية قرارًا عام 2011، يقضي بتدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية كلغة أجنبية اختيارية أو إلزامية على غرار اللغات الأجنبية الأخرى، من بينها الإسبانية والإيطالية والصينية.

وترافق هذا القرارمع الانفتاح المستجد لتركيا على العالمين العربي الإسلامي، وهي ليست الخطوة الثقافية الوحيدة التي اتخذتها تركيا، منذ وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى السلطة، بل تبنت أيضًا مشروعًا للترجمة من العربية إلى التركية وبالعكس، وهناك افتتاح لمراكز تعليم اللغة التركية في كل من بيروت والقاهرة، ودول إسلامية في البلقان مثلاً.

ولم يكن الدافع الوحيد في اتخاذ القرار بتدريس اللغة العربية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة الإسهام في سد حاجة القطاعات الحكومية وغير الحكومية إلى من يجيد اللغة العربية، بل من أهداف هذا القرار أن يتمكن التلاميذ من تعلم قراءة القرآن الكريم من خلال مادة اللغة العربية قبل التخرج من المرحلة الابتدائية ؛ لأنهم لم يكونوا يجِدون وقتًا كافيًا لتعلم قراءة القرآن الكريم إلا في العطل الصيفية التي هم بأمَسِّ الحاجة إليها للراحة واللعب والاستجمام.

واللغة العربية يتم تدريسها منذ سنين في تركيا بمدارس الأئمة والخطباء، وباتت أقسام تدريس اللغة العربية أجزاء أساسية من كليات اللغات والشريعة “الإلهيات” في تركيا.

ويقول رئيس قسم اللغة العربية وعضو هيئة التدريس بجامعة حرّان ياسين كحيا أوغلو للجزيرة: “للغة العربية دور كبير في فهم الأتراك للقيم العليا للإسلام، وكلما كان الجيل متعلمًا للعربية وفاهمًا للقيم الإسلامية يكون المجتمع أكثر استقرارًا، وأقل فسادًا وبعيدًا عن الانحراف والمخاطر”، وكليات الإلهيات التي تجاوز عددها الثمانين في تركيا، تكمل الدور الذي تلعبه اللغة العربية في الجمهورية التركية، فلا تأتي أهمية هذه الكليات فقط في أنها تكمل مراحل التعليم الديني الثانوي “الأئمة والخطباء”، إنما أيضًا هي منارات معرفية كبرى يناط بها دور نشر الوعي الديني في داخل تركيا وخارجها.

وأضاف: إلى جانب الاحتياجات الدينية والأكاديمية فإن تعلم العربية بات يجذب شريحة كبيرة من الباحثين عن فرص العمل من الشباب الأتراك، بالإضافة إلى أن تضاعف أعداد الجاليات العربية في تركيا أوجد حاجة لمن يقومون بالتعامل مع هذه الشريحة بلغتها، فتوجه كثير من الشباب الأتراك لتعلم العربية لاقتناص فرص العمل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023