خلال العقود التي فُرضت خلالها عقوبات دولية ضد عراق صدام حسين تطلعت إدارات أمريكية متعاقبة إلى تغيير النظام في البلاد، وكان الأمل معقودًا على أن الإحباط الطويل من العزلة الدولية والحرمان النسبي سوف يلهمان بعض كبار الضباط البعثيين لاغتيال صدام، واليوم، بعد عام واحد على بدء انتفاضة شعبية خلفت حوالي عشرة آلاف قتيل مدني تجد واشنطن نفسها مرة ثانية في انتظار ضابط بعثي كبير يدشن انقلاب "الرصاصة الفضية" لكن هذه المرة في سوريا، وقد توقعت ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتفاؤل في أوائل هذا الشهر بقولها "أعتقد أنه سيحدث".
ربما سيحدث ذلك، لكن في غياب هذه العناية الإلهية مثلما كان عليه الوضع في زمن صدام حسين، سوف تحتاج واشنطن إلى سياسة أكثر قوة لإزاحة طاغية سوريا بشار الأسد عن السلطة، وإلى أي مدى تحتاج هذه السياسة إلى أن تكون أكثر صرامة هو ما ينبغي أن يكون موضوعًا لبعض النقاش. ففي أوائل هذا الأسبوع خرج السيناتور الأمريكي جون ماكين بنداء يتقد حماسة حول ضرورة قيام تدخل عسكري فوري- وتحديدًا نشر قوة جوية أمريكية- للمساعدة على التعجيل بتغيير النظام السوري.
التدخل العسكري غير مطروح
ومع ذلك، فعلى الرغم من المذابح المستمرة في سوريا، لم تعد للأمريكيين طاقة لتحمل المزيد من العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد الحربين في العراق وأفغانستان، وبالتأمل في هذا الموقف نجد أن ما رددته إدارة أوباما حتى وقت قريب هو أن الخيار العسكري في سوريا "غير مطروح على الطاولة". وفي الحقيقة كان البيت الأبيض معارضًا إلى حد بعيد لتكرار عملية حلف شمال الأطلسي في سوريا- بعد أن أطاحت بمعمر القذافي في عام 2011- وتمثل ذلك بقيام الإدارة الأمريكية بتوسيع سياستها غير العسكرية إلى ما وراء الشواطئ الأمريكية لتشمل المعارضة السورية.
ومنذ بدء الانتفاضة تُقدم الإدارة الأمريكية المشورة للمتظاهرين ضد الأسد وتحثهم على بقاء المظاهرات سلمية مهما كانت التكاليف. وفي الواقع، فإنه سبتمبر توقع سفير الولايات المتحدة في سوريا روبرت فورد تقديم دعم أمريكي للمعارضة على أن تبقى الاحتجاجات غير عنيفة، وفي الآونة الأخيرة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن "لم ترد رؤية الموقف في سوريا يزداد عسكرة" خشية أن يمنح ذلك نظام الأسد "حجة لأعمال العنف التي يرتكبها".
وبتنحية الفرضية الغريبة جانبًا والقائلة بأن دمشق تحتاج نوعًا ما إلى ذريعة لقتل مواطنيها المتمردين نجد أن سياسة الإدارة الأمريكية تنكر حتى الحق الأساسي للسوريين في الدفاع عن أنفسهم لمواجهة المجزرة.
بيد، خفف البيت الأبيض مؤخرًا من موقفه الأسبق مؤكدًا أن جميع الخيارات تبقى مطروحة على الطاولة. لكن يبدو أن الرئيس أوباما ما يزال يعتقد أن الأسد يمكن- وينبغي- أن يخرج من السلطة من دون عنف. بل إن الإدارة الأمريكية تأمل أن تستحث العقوبات والدبلوماسية متعددة الأطراف قيام انقلاب في القصر الجمهوري.
طموح سوري
لكن للأسف من المستبعد أن يؤدي الانقلاب إلى إنهاء الانتفاضة. وعلى أية حال لا يكتفي الشعب السوري بالدعوة فقط إلى إنهاء حكم الأسد بل لنظام الأقلية العلوية الذي يمثله، ومن المشكوك فيه أنه سيكون راضيًا لو تم استبدال الديكتاتور بأخيه أو صهره.
ومع ذلك، فالعقوبات الحادة تأثيرها على الأسد. ولكن الاعتقاد بأن هذه الإجراءات سوف تحفز على تغيير النظام السوري في أي وقت قريب هو تفاؤل مفرط. وفي الوقت نفسه، يعتبر الانتظار حتى تحقق العقوبات نجاحًا بمثابة وصفة لاستمرار المذبحة.
ولم تقدم الدبلوماسية الضعيفة نحو سوريا هي الأخرى الكثير من النفع. فعلى سبيل المثال أدى "الفيتو" الروسي الكارثي ضد قرار مجلس الأمن غير الفعال الذي رعته الولايات المتحدة لإدانة سوريا في أوائل فبراير وما اتخذته جامعة الدول العربية من إجراءات مستمرة غير فعالة حتى الآن، إلى تشجيع الأسد على تصعيد الأعمال الوحشية. وقد ركزت المبادرة الأخيرة للإدارة الأمريكية، المعروفة باسم مجموعة "أصدقاء سوريا"، على توفير المساعدات الإنسانية- وليس العسكرية- للشعب السوري كما أنها لم تُبد أيضًا بشائر كبيرة. وفي 24 فبراير خرجت السعودية غاضبة من أول مؤتمر لمجموعة "الأصدقاء" احتجاجًا على النهج الواهي لإنهاء المذابح. وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية السعودي إن الوقت قد حان للبدء في تسليح المعارضة.
تسليح الجيش الحر
لقد كانت الرياض محقة. فبدلاً من وضع قوات حلف شمال الاطلسي في الطريق الخطر مرة ثانية، فإن السبيل الوحيد للتعجيل برحيل الأسد هو بدء دعم «الجيش السوري الحر» عن طريق تقديم مساعدات عسكرية قاتلة وغير قاتلة على حد سواء. فقد أظهرت هذه العصبة المتنامية من المنشقين عن النظام بأنها قوة واسعة الحيلة والمصداقية، وقوة قاتلة ملتزمة بحماية المحتجين المناهضين للنظام ومهاجمة النظام. ومع ذلك، سيكون من المفيد بصورة أكثر لو امتلكت هذه العصبة أنظمة اتصالات آمنة، ومعدات طبية أفضل، وأسلحة إضافية، وذخيرة كافية، والمزيد من الصواريخ المضادة للدبابات وكذلك قذائف صاروخية.
وبدلاً من القيادة من الخلف وتفويض مهمة تجهيز «الجيش السوري الحر» إلى الدول الأقل بصيرة مثل قطر والسعودية، ينبغي على إدارة أوباما أن تضطلع بدور قيادي في إمداد «الجيش السوري الحر» والتخفيف من التسرب المحتمل للأسلحة إلى الإسلاميين الانتحاريين. وفي الوقت نفسه، فإنه من خلال قيام واشنطن بتوفير المعدات لهذه القوات بطريقة منظمة فباستطاعتها المساعدة على تحويل تلك الوحدات المتفرقة والمتباينة المنخرطة في صفوف المعارضة، إلى قوة موحدة أكثر انضباطاً ومرتبطة بقيادة مركزية. وعلاوة على ذلك، إن العمل حاليًا بتلاحم مع «الجيش السوري الحر» سوف يرسخ علاقات يمكن أن تساعد على تجنب السيناريو الليبي- حيث تواصل ميليشيات مستقلة العيث في الأرض فسادًا- وقد يمَكّن واشنطن من تجسيد بيئة ما بعد الأسد بصورة أفضل.
وربما الأهم من ذلك، كما أوضح مؤخرًا قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا الأدميرال جيمس ستافريديس لـ "لجنة الخدمات المسلحة" في مجلس الشيوخ الأمريكي أن توفير الدعم المادي لـ «الجيش السوري الحر» سوف يعجل بزوال نظام الأسد.
تغلغل القاعدة
وفي حين أن تسيير إمدادات سخية من المعدات العسكرية إلى «الجيش السوري الحر» لن يؤدي في أي وقت قريب إلى انطلاق قوى المعارضة نحو مسيرة النصر في دمشق، إلا أن تحسين قدراتها سوف يضعف من معنويات قوات النظام ويشعل المزيد من الانشقاقات، ويحط- بمرور الوقت- من قدرة نظام الأسد. ولن يكون ذلك حلاً سريعًا لكن كلما طال أمد الوضع الراهن زادت خطورة تحوّل سوريا إلى دولة فاشلة خصبة تسهّل من تغلغل تنظيم «القاعدة» واندلاع صراع طائفي.
إن سياسة واشنطن تجاه سوريا لا تؤتي ثمارها- على الأقل ليس بالسرعة الكافية-، ومما لا يدعو للدهشة، أن الأسد رفض الانصياع لخطة الجامعة العربية المدعومة من قبل الولايات المتحدة بأن يستقيل طوعًا. إن الإستراتيجية الحالية للإدارة الأمريكية التي تقضي بانتظار وقوع انقلاب هي مجرد تطلع مفرط أكثر من أن تكون سياسة توجيهية. ومن المؤكد أن تسليح «الجيش السوري الحر» وحده لن ينهي نظام الأسد، إلا أن مزيجًا من هذا الخيار العسكري وممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية متواصلة على النظام السوري ستحمل فرصًا للنجاح هي أفضل بكثير من انتظار الرصاصة الفضية.
————
*ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
**نقلاً عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.