قال البابا تواضروس في مؤتمر تحت عنوان “بناء الوعي”: “إن الكنيسة مؤسسة روحية خالصة وطنية مصرية منذ القدم”، مستدركًا: “لكن لا ينبغي أن ننغلق على أنفسنا”.
انعقد هذا المؤتمر، الذي نظمه الذراع الإعلامية للكنيسة، في القاهرة، عقب تجمعين آخرين في صعيد مصر، إلى جانب آخر مرتقب في الإسكندرية والدلتا، أما المشاركون فيتم انتقاؤهم من بين القادة الفاعلين والمؤثرين القادرين على نقل هذه الرسالة إلى كنائسهم.
و”بناء الوعي”، بحسب رئيس المركز الإعلامي القبطي الأرثوذكسي، القس بولس حليم، هي حملة تستغرق عدة سنوات؛ تهدف إلى خلق مسيحيين أرثوذكس متعلمين ومستنيرين وقادرين على التفكير بأنفسهم والانخراط مع المجتمع.
يقول “حليم”: ينبغي أن يصوِّتوا في الانتخابات، وينضموا إلى الأحزاب السياسية.. ينبغي أن يبنوا مجتمعهم لا أن ينعزلوا.. التواصل مع الكنيسة ينبغي ألا يستغرق حياتهم كلها.
وحول تعليقه على المؤتمر وأهدافه يقول الكاتب جايسون كاسبر في مقاله عبر موقع “أتلانتيك كاونسل”: بالنسبة لكثير من الأقباط، سيكون هذا تحوُّل جذري؛ فخلال الحقبة الطويلة من حكم المخلوع حسني مبارك والراحل البابا شنودة لم يكن المواطنون المصريون -بما فيهم الأقباط- مسيسين، ولمَّا نفضت الدولة يدها من تقديم الخدمات الاجتماعية تدخلت الكنيسة لملء الفراغ لدى رعاياها، كما تضاعفت البرامج الروحية، لكن مع زيادة التنسُّك، زاد أيضًا الشعور بأن الكنيسة مجتمع بديل، ومكان آمن للأقباط بعيدًا عن تجارب العالم.
ويضيف: بينما قدمت الدولة نفسها باعتبارها حصنًا للاستقرار، وكيانًا شبه علماني مضادًا للتهديد الإسلامي، حصلت الكنيسة على عباءة القيادة السياسية القبطية؛ بيدَ أن العلاقة بين الطرفين مرت بفترات متأرجحة؛ بموازاة التفاوض حول قضايا العنف الطائفي وقوانين الأحوال الشخصية ونقد أقباط المهجر.. التوجه الآن هو: إعداد المواطنين الأقباط للقيادة، لكن “بناء الوعي” هو الآن محور تركيز الكنيسة الجديد، على حد قول “حليم”؛ الذي أضاف: “المجتمع رفضنا”، مستشهدًا بالتمييز في مراكز الشباب الحكومية والبرامج الرياضية، وحول العلاقة بين مبارك وشنودة، قال: “هذه هي الطريقة التي أرادتها الدولة.. كانت تلك هي طبيعة المرحلة”.
وتابع: في حين أن الغالبية العظمى من الأقباط أيدوا السيسي، يلتزم “حليم” الحذر، رغم تشجيعه؛ إذ يقول: “حتى الآن ليس لدينا صورة مقنعة عن المواطنة، لكن هناك أمل، الإشارات الأولى تدعونا إلى المشاركة، والحكومة تعمل على خلق مناخ مُواتٍ”، ويشدد كلٌّ من تواضروس وحليم على أن الكنيسة سوف تلعب دورًا وطنيًا لتشجيع المشاركة في الانتخابات، وفي محاولة لتهدئة المخاوف من أن هذه المبادرة ستعرض الكنيسة لانتقادات مماثلة كتلك التي وجهت لحكومة الإخوان قصيرة الأجل، يقولان إن الكنيسة تدعو كل المواطنين للاختيار بناء على الكفاءة وليس الدين.
ويرى الكاتب أنه ينبغي أن يشارك المواطن القبطي بفعالية في تنمية البلاد، لكن هذا المجال يكشف تناقضات محتملة في الرسالة؛ لأن الكنيسة تلعب دورًا منظِّما، على حد وصف حليم؛ الذي يتصور مستقبلاً يكون فيه لكل أبرشية مستشفى قبطي ومدرسة للأقباط مفتوحة للجميع دون تمييز.
ويشير الكاتب إلى أن هذه الخطط توفر للإسلاميين مادة خصبة لاتهام الكنيسة بالتبشير.. صحيح أن المؤتمر لم يتضمن الإشارة إلى وجود مثل هذا الهدف، لكن من الواضح أن الكنيسة تُبَشِّر بتصور معين للمجتمع.
ويتساءل الكاتب: لكن أين تتوقف الكنيسة ويبدأ دور المواطن المسيحي؟
ويجيب وفقًا لـ”حليم”: ترغب الكنيسة كمؤسسة بقوة أن تنفض يدها من هذه الأمور والعودة إلى التركيز على دورها الروحي والرعائي، لكن هناك الكثير من الأمور على المحك في هذه الفترة الانتقالية وإذا طالب أحدهم بألا يكون للكنيسة أي دور على الإطلاق؛ فإن ذلك سيحدث حينما تكون المواطنة الكاملة حقيقة واقعة” على حد قول “حليم”، الذي أضاف: “لكن طالما ظلت المواطنة غائبة، فإن البلد بحاجة إلينا”.