إنها ليست النار وليست الوقود الذي يزيد من لهيبها فالنار مشتعلة ووقودها متوفر ومتاح يتفاعل معها الكثير ويفُرد لها مساحات واسعة تتخطى نطاق النار فتتسع دائرة الإشتعال مع كل سهم يصوب نحو الهدف. (الهجوم على الإخوان المسلمين)
وقفة موضوعية نابعة من مبادئي ,أتأكد حينها أنني على الصواب مهما كانت النتائج خاطئة ، مادمت ملتزما بعدم إقحام العواطف والأهواء في تقييم فعل أو موقف ,أو بصدد إصدار حكم ،،، ملتزما أيضا بالقواعد الموضوعية التي تمكنني من التقييم أو الحكم مدركا الفارق الكبير بينهم سواء في قواعد الوصول وتبعات النتائج ، فالتقييم يقتصر على نظر موقف بعينه ربما يكون الفاعل شخص جيد ولكنه اخطأ في هذا الموقف ،،، فتبعات التقييم هنا تنحصر في الموقف دون التطرق لشئ أخر والعكس من ذلك لو كان الشخص سئ وأحسن فعل شئ ينصب التقييم على الفعل فقط ، على العكس من الحكم الذي ينتج عنه إدانة الشخص أو المؤسسة, وغالبا ما تكون بالنظر إلى كل مواقفه وتقييم كل منها بعد الإلمام بكل ما يتعلق بهذه المواقف وأسبابها وظروف إتخاذها ثم عملية حسابية وميزان يقدر حجم الثواب والخطأ ومن ثم يأتي الحكم.
هناك خلط كبير بين التقييم والحكم في عالمنا المعاصر وتحكيم للأهواء يُفْسِد ما يمكن التوصل إليه من نتائج.
كل الباحثين عن الحقيقة نقطة انطلاقهم واحدة وقواعدهم واحدة وتختلف نتائجهم كطبيعة كونية وسنة ربانية ويبقى لكل منهم مسببات وحيثيات استند إليها للوصول إلى شاطئ الحقيقة بعد رحلة شاقة في بحار المعرفة والإطلاع. نتفق على الخطأ ونختلف في نسبته.
الإخوان المسلمين عنوانا لطالما نصبت له المحاكمات ووجهت له الانتقادات حتى وصل أحدهم (وحيد قرنه) بأن حملهم مسئولية سقوط الأندلس ، لسنا بصدد هذه الهرطقة والإسفاف.
ظلت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام ١٩٢٨تعاني بطش وقمع كافة الأنظمة التي عاصرتها منذ الملكية وحتى عصرنا هذا ,ورغم ذلك لم تتوقف دعوتهم يوما ولا غاب دورهم سياسيا بغض النظر عن تقييم هذا الأداء مع كل نظام ، أدركت حينها قوى الشر أن القمع والقتل والسجون وحظر عمل الجماعة غير كافية للحد من قوة ووجود دعوة الإخوان المسلمين في الشارع المصري حتى وصلت لدرجات من القوة صُنفت معها الجماعة كثاني أكبر قوة في مصر بعد القوات المسلحة رغم منهجهم السلمي !
فكانت تجربة الجماعات المتعددة بمثابة الإيحاء الفكري لإضافة وسيلة للحد من قوة منهج الإخوان بالإختراق تارة وبناء كيانات تارة, هذا لا يقلل من قيمة وقدر قادة الفكرر والعمل الإسلامي أصحاب السيرة العطرة والتاريخ الناصع. فتعددت وجوه الجماعة باختلاف ساحات العمل وأصبح الأخوة أعداء وقليلين عقلاء :
الإخوان ومشتقاتها دعويآ ، حيث كانت البداية إبان انهيار الخلافة العثمانية لتُعيد تلك الدعوى بريق الأمل من جديد في دولة خلافة وكانت الأهداف واضحة جلية جلبت للجماعة عداءً من قبل الانظمة الحاكمة والتي لا تملك في أمرها شيئآ كونها مجرد أداة للمتحكمين فيها ووجهت الدعوة بكافة أساليب القمع والتنكيل والقتل والاعتقال اختلفت حدتها من وقت للأخر ، الأمر الذي نتج عنه ولطبيعتنا كبشر فينا من يتحمل الظلم وأخر أقل وغيره لا يحتمل ، بدأت الإنشقاقات وظهرت جماعات إسلامية مختلفة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إتفقوا على ترك السياسة واختلفوا في منهجهم الجديد فمنهم من انتهج الفكر الجهادي وحمل السلاح كحركة الجهاد الإسلامي التي أسسها كل من علوي مصطفى ونبيل العربي وإسماعيل طنطاوي عام ١٩٦٤ وانضم إليهم في أواخر الستينيات الدكتور أيمن الظواهري رمز العمل الجهادي الأن وزعيم تنظيم القاعدة والشيخ رفاعي سرور ومصطفى يسري وحسن هلاوي وكذلك الجماعة الإسلامية التي أسسها ناجح إبراهيم وأكبر قاداتها الدكتور عمر عبدالرحمن في السبعينات ، حملت هاتين التجربتين العديد من الدروس التي يجب الاستفادة منها ومنها أن استمرار الدعوى أهم من أي نجاح مؤقت ووقتي مهما كانت قوة هذه النتائج لان الثمن هو عزل الدعوى عن الشارع ووضع رجالها في السجون كما حدث في التجربتين فكلاهما انفصلوا عن الشارع دعويا وفكريا طوال فترة تواجدهم في السجون وتركوا أدوات الأنظمة تشوه فيهم وفي منهجهم دون أن يدافع عنهم أحد وفقدوا رصيدا كان كفيلا بأن تظل دعواتهم في الشارع حية يحمل لوائها جيلا فجيل.
وأخرين انشقوا ليبتعدوا عن فتن السياسة وتفرغهم للدعوة فقط مستنكرين على من يتبعهم المشاركة في العمل العام وممارسة أي عمل سياسي ووصلت علاقة العديد من مدارس هذا الفكر لدرجات وصفت بالعسل مع النظام اللهم إلا إذا خرج أحد أبناء الدعوة عن النص وتطرق للحديث عن ظلم الحكام وحال الشعوب فيكون مصيرة المجهول !
انضم الكثير من أعضاء هذه التيارات لثورة يناير والتحموا مع الشارع وأصبحوا جزء وفصيل ثوري قبل أن ينخرطوا في العمل السياسي بكيانات سياسية تمثلهم بعد أن استنكروا على الإخوان المشاركة السياسية حتى أصبحوا فصائل سياسية ، اثبتت التجربة قدرتهم على أن يلعبوا دورآ فعال وتحقيق نجاحات تُسهم في نهضة الوطن وعدولهم عن حمل السلاح. … علاوة على العديد من التيارات الأخرى قليلة الذكر والفعل.
وجدت قوى الشر تعدد الجماعات وسيلة جيدة يمكن استخدامها لمواجهة الإخوان المتنفذين فالشارع بدعوة مناهضة لفكر الإخوان تستقطب الشباب , باختراق الجماعات باشخاص مدربة على الوصول لمراكز القيادة وتسخير طاقات الجماعة المخترقة البشرية والفكرية والمادية لمحاربة فكر الإخوان أو بإنشاء جماعات مؤسسيها عملاء أمنيين ولعل ما يؤكد ذلك دور الدعوى السلفية بجناحيها السياسي والدعوي.
ومن ناحية أخرى خلق حالة من العدائية الشديدة بين العديد من أعضاء الجماعات الإسلامية صاحبة التجارب حتى وصلت لدرجة أن قال أحد هؤلاء الأعضاء ( أتمنى ان ينتهج الاخوان العنف لنتبرء منهم كما فعلوا معنا في الثمانينات ) واخرين من الإسلاميين الجدد أصحاب الوهم وليس الطموح السياسي والذين لايملكون أي أداة تمكنهم من تحقيق ما يريدونه بأي طريقة كانت ( أخلاقية أو غير أخلاقية) وأخرين يهاجمون من داخل الصف الإسلامي وهدفهم هدم جماعة الإخوان المسلمين ليؤسس على أنقاضها جماعة يكون فيها مرشدآ ورشيدآ ! إن أمثال هؤلاء لا ينالون من قيمة هذه الجماعات وقدر قادتها وعطاء أعضائها.
دعك وهؤلاء الذين كشفت الأيام بعضهم وفي المستقبل القريب سينكشف أمر الآخرين ، ما يهمني هنا مقارنة بين تجارب الجماعات الإسلامية المتعددة والتي أضافت للعمل الإسلامي بما لكل منها من إيجابيات وسلبيات ( الإخوان ، الجهاد ، الجماعة الإسلامية ، المنشقين عن الدعوى السلفية) فجميعهم تعرضوا للظلم والقهر والقتل بدرجات متفاوته ولكن جماعة الإخوان الوحيدة التي لم تتأثر دعوتها يومآ واستمرت وامتدت لتصل إلى كل شوارع وحواري مصر ، والأخرين حققوا نجاحات على صعيد مناهجهم الفكرية إلا انها وقتية وكلفتهم عزل دعواتهم وانفصالها عن الشارع .
يعني وبشكل بسيط اختار حاجة من الاتنين اما انك تلعب ماتش جامد في الدوري وتهبط للدرجة التانية او تتشطب او انك تلعب عالبطولة وتتظلم من الحكام وتفضل في المربع الذهبي والبطل الحقيقي زي جمهور الزمالك مابيوصف فريقة دايمآ !!!!!!! (هذا المثال ليس للتوضيح قدر التلميح لكيفية الإدارة)
إخوان الثورة : لحقت بالشباب في ميدان التحرير وكانوا حماة الثورة في أيامها الأولى وأضافوا للثورة قوة بخروجهم في كل مدن وقرى مصر ، ثم بالممارسة السياسية كانوا أول من أخطأ وأخر من نالته وحشية الألة العسكرية ومن معهم من فصائل الثورة في اعتصام رابعة العدوية فدفعوا الثمن باهظآ واستكملوا المسيرة إلى الأن محاولين استعادة صفوف الثورة من جديد ولم شمل رفقاء الثورة من كل التيارات الثورية بغض النظر عن الذين يبغضون الإسلاميين لمنهجهم وأعلنوها أمامنا كشباب ثورة صراحة وعلى لسان أحدهم ( ع.ع مش هنلعب في طريق ديموقراطية نتيجة صناديقه إسلاميين خلاص جربناها مرة) ، هناك من تنازلوا عن مبادئهم النبيلة وثورتهم لمجرد كراهية فصيل شاركه الكفاح والنضال .
فصيلآ سياسيآ :
كانت البداية الفعلية لعمل الإخوان المسلمين سياسيآ عام ١٩٣٢ وكانت الساحة السياسية بها من الأحزاب القوية ما يجعلها المعبرة عن الشارع سياسيآ ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت الإخوان المسلمين أكبر قوى سياسية وصاحبة الشعبية الطاغية والقواعد القوية حتى وقتنا هذا وبدلا من أن تنافس القوى السياسية الأخرى هذه القوة بالأساليب المتبعة سياسيا بالإلتحام بالشارع وبناء قواعد شعبية ترعى مصالح البسطاء وتشاركهم ألامهم ومشاكلهم إتجهت إلى الإرتماء في أحضان الأنظمة المتعاقبة واقتصرت علاقتهم بالشعب في صورة واحدة وهي الظهور على شاشات التليفزيونات للتنظير والتسويق لقيم ومبادئ يؤمنون بها دون أن يكون لهم أي دور فعلي يشعر به المواطنين حتى أصبحوا في نظر الشعب ظواهر صوتيه وفي نظر النظام أدوات وظيفية تحت السيطرة ، فقدوا مبادئهم وقيمهم ومكانتهم الشعبية كحزب الوفد مثلآ وتوقفوا عن دور المحلل للسلطة التي حددت لهم بروازآ للمعارضة الصورية فأصبحوا أحزابآ كرتونية كل ما يسعون لتحقيقه هو قيام النظام بالقضاء على القوى السياسية الوحيدة القوية والمعبرة عن الشارع وطموحاته وتطلعاته وألامه ومن ثم إنشاء نظام ديموقراطي يتسع لكل الأحزاب الكرتونية ! ، كيف يؤسس نظام ديموقراطي على إقصاء قوى سياسية تمثل الشارع لصالح قوى كرتونية وظواهر تليفزيونية !؟
العملية الديموقراطية بناء هرمي لا يمكن التنازل عن جزء منه أو تحطيمه والمعارك الفكرية تعتمد على عرض كل فصيل أفكاره وتطلعاته على الشعب وبذل الجهد للإقناع لا باستدعاء الدبابات والمجنزرات والمصفحات للقضاء على أحد أهم مكونات العملية الديموقراطية .
الإخوان خدمياً : أهم المجالات التي نجحوا فيها بتقديم خدمات تعليميآ بعشرات المدارس والمعاهد ودروس التقوية المنتشرة في أنحاء الجمهورية بأجور رمزية فكانت العداءات مع تجار التعليم من حيتان الدروس الخصوصية ومن يوفرون لهم الحماية من المسؤلين فالدولة ، صحيآ بمئات المستشفيات والمستوصفات والعيادات والتي يُعامل فيها المواطن المصري بإنسانية وكرامة ، إجتماعيآ بكفالة الأسر الفقيرة من خلال مئات الجمعيات وصرف مرتبات شهرية لألاف الأسر الفقيرة دون تفرقة بين من يؤيدهم أو يهاجمهم فالمعيار هو المستحق للرعاية
هذا بخلاف ما تتعرض له الجماعة داخليآ من تنوع واختلاف فكري يستفاد منه ويقوم مراكز اتخاذ القرار ،، فهذا الامر لا يخص إلا أعضاء الجماعة وأنا لست منهم , فضلاً عن وجود اختراقات, ناهيك عن الأخرين من الصهاينة واتباعهم.
هذه الصورة لابد وأن تكون أمامك عند تققيم عمل جماعة الإخوان .. هذه هي البيئة المحيطة بهم .. فإذا كانت البيئة ملوثة لهذا الحد فماذا ننتظر من نتائج؟
أعتقد ان هذه البيئة كفيلة لإفشالهم ولكنهم ورغم ما عليهم لم ولن يفشلوا.
كانت تلك أهم مشاهد فيلم الإخوان وأخواتها ، أخرجه غير إخواني تتهمه السلطة بانتمائه للجماعة ويؤكد المخرج على ان ما بينه وبين الإخوان مصانع الحداد مش شهر عسل وزوجة وأربع عيال …. الحق أسمى من أن تلوثه الأهواء
دُمتم عاقلين