لا أعرف لسياسة التطبيل والتزمير والمدح طريقًا ولا مقصدًا ولا أحب أبدًا أن أكون في يوم من الأيام من المادحين أو المُطبلين لنظام معين أو شخص معين، ولكن في بعض الأوقات يستدعي الضمير والوجدان صاحبه إلى الدفاع عن حق الجهات أو الأفراد أو الأنظمة التي هُضم حقها الإعلامي بغض النظر عن وجهتها أو هويتها السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية.
سمعنا في الأيام الأخيرة الكثير من العبارات الرنانة الشاكرة للدول الأوروبية والمُعبرة عن الامتنان لمعروفها “المشبوه” في استقبال جزء بسيط من اللاجئين العرب، ولكن على الرغم من قيام الجمهورية التركية باستقبال اللاجئين السوريين منذ اللاحظات الأولى لانطلاق فتيل الثورة السورية واشتعال الموصل والمناطق المحيطة بها في العراق اتبعت تركيا سياسة إنسانية فريدة لم تتبعها أي دولة مجاورة أو غير مجاورة للمناطق المنكوبة بظلم وهمجية الأنظمة العاملة لحساب مصالح دول أخرى.
ـ ماذا فعلت تركيا حيال قضية اللاجئين:
تركيا ومنذ اللحظة الأولى للثورة السورية اتبعت سياسية “الباب المفتوح” فاستقبلت اللاجئين السوريين أفواجًا دون السؤال عن هويتهم أو جنسيتهم وفتحت لهم مخيمات إيواء لا يستطيع أي شخص إيجاد أفضل من تلك المخيمات، ولم تكتفي بفتح المخيمات بل سمحت لهم الانتقال لأي نقطة في تركيا دون أي قيد أو شرط.
تركيا استمرت في إستقبال اللاجئين منذ اللحظات الأولى للثورة وحتى يومنا الحالي ولم تغلق الأبواب في وجه أي لاجئ إليها والكل يشهد أحداث كوباني وذلك على الرغم من خطر تأسيس دول كردية على تركيا إلا أن تركيا أثارت على أمنها واستقرارها السياسي واستقبلت اللاجئين الأكراد القادمين من كوباني وعمالتهم أفضل معاملة إنسانية إن لم يشهدها الإعلام الغير موضوعي اليوم سيشهدها التاريخ، وكما سيشهد التاريخ بأن تركيا استقبلت أكثر من مليونين ونصف المليون لاجئ وأن هؤلاء اللاجئون كلفوا تركيا أكثر من 4.5 مليار دولار ولكنها لم تصدر أي تصريح إعلامي يبين تذمرها من هذا العدد أو هذه التكاليف.
تركيا لم تسعى، كما يسعى بعض الدول الأوروبية، لدفع اللاجئين للعمل في مجال اقتصادي معين لرفع مستوى نموها الاقتصادي والاستفادة منهم كمورد اقتصادي ولكنها تركتهم أحرار يعملون أينما يريدون وفي أي مجال يرغبون دون أي شرط سابق.
بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2013 أصدر البرلمان التركي “قانون الأجانب والحماية الدولية رقم 6458” لإحداث الكثير من التغييرات الإيجابية في سياسة تركيا تجاه اللاجئين وتم تخصيص 3 مواد من هذا القانون خاصة باللاجئين والحقوق الإنسانية لهم وقرر القانون استصدار بطاقة تبدأ بالرقم 98 تُعطى للاجئين لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والإدارية على مستوى جمهورية تركيا وأينما كانوا على العكس من الوضع السابق الذي كان يجعل اللاجئ يستفيد من هذه الخدمات في منطقة معينة فقط.
استقبال اللاجئين بهذا الشكل كانت له آثار سلبية على الاقتصاد الداخلي للمواطن التركي إذ حدث ارتفاع في معدل الإيجار الخاص بالبيوت ومعدلات البطالة في صفوف المواطنين الأتراك وكما كان له أثار اجتماعية سلبية بين المواطنين الأتراك واللاجئين الأمر الذي أضر بشكل كبير في نسبة حزب الحكومة، حزب العدالة والتنمية، بشكل سلبي كبير جعله غير قادر على تأسيس الحكومة بمفرده ولكن هذا لم يثني الحكومة التركية في استقبال المزيد من اللاجئين واستمرارها في فتح الأبواب الحدودية أمام اللاجئين وإعلان المسؤولين رفيعي المستوى بها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، بأنه خساراتهم السياسية لا تعني تجردهم من المبادئ الإنسانية وإنهم مستمرون على نفس النهج في قضية اللاجئين.
هناك غير هذه النقاط الكثير من الأمور التي قدمتها تركيا ولم تقدمها أي دولة أخرى للاجئين ولكنني لم أرَ ولم أسمع وسائل الإعلام العالمية المُسيسة والمُمنهجة للأسف تذكر هذه الخدمات الإنسانية الفريدة التي لم ولن يجدها اللاجئون في أي دولة من دول العالم، وماكان عتاب فيصل القاسم، المذيع المشهور في قناة الجزيرة، عبر صفحته على الفيسبوك على تصفيق الكثير من وسائل الإعلام العالمية والعربية لأوروبا على استقبالها بضعة آلاف من اللاجئين وإنكارها لتركيا أول دولة استقبلتهم وبالملايين ولكنها لم ترَ أي دعم إعلامي لغيض من فيض أمام هذا العالم الذي لا يعرف حتى المساواة في الشكر.