بقلم: إسلام أنور المهدي
لا أدري لماذا تطغى مشاعر الحُزن عند حلول الكوارث بينما ينبغي أن تنفجر مشاعر الغضب! لقد مات ضحايا رافعة الحرم ميتة الشهداء نعم فـ «الهَدِمُ شَهِيدٌ» كما قال صلى الله عليه وسلم، ومضوا إلى الله معتكفين يجري عليهم ثواب الاعتكاف في الحرم إلى يوم الدين لأن الصحابة كانوا يعتبرون من في الحرم معتكفا حتى لو كان نائمًا! لكن هل هذه النهاية الطيبة التي تُعتبر للشهداء بداية لنعيم الخلود ستدفعنا للسكوت عن الفساد والإهمال الضاربين بجذورهما في مشروع التوسعة الجديدة؟!.
يقول أحد المهندسين: (لقد كنتُ مهندسًا في وحدة الروافع على الوحدات البحرية بشركة نفط كُبرى بالمملكة، والروافع الحديثة كلها بها مستشعرات حديثة لقياس سرعة الرياح، فضلا عن ضرورة الاهتمام بتقرير الطقس الأسبوعي، فإذا كانت سرعة الرياح أكبر من الحد الأدنى الذي تتحمله الرافعة فيجب فورا إنزالها إلى الـ boom rest حيث تصبح في وضع ثابت آمن أو يجري إنزالها للحد الأدنى. فما حدث يعني إهمالا في تنفيذ تعليمات الأمان. وهناك صورة أخرى تتسبب في تلك الكارثة هي الإهمال في تثبيت قاعدة الرافعة أو الأسلاك التي تثبت الونش. وربما كانت الصورة الثانية هي الأقرب لأن بقية الروافع حول الحرم لم تقع.. المسؤولين يهتمون باحتياطات الأمان في مجال البترول أكثر منها حول الحرم لأن النفط عندهم أغلى من أرواح المسلمين).
وفي دلالة أخرى على الإهمال يقول آخر يعمل في مشروع التوسعة: الناس لا تعرف شيئًا عن الظلم والفساد وأكل أموال الناس بالباطل، والتلاعب بأسعار المواد وإذلال العماله والسب والتلاعن داخل الحرم.
وأضاف غيرهما: (لتعرفوا عن الإهمال راجعوا أعداد من سقطوا عن السقالات ومن ماتوا في حوادث أمن صناعي خلال المشروع).
وتكلم آخر عن جذر المشكلة فقال: منبت الفساد أن المقاولات يتم إسنادها في المملكة بنظام التكليف المباشر دون مناقصة وتنفذ بنظام cost plus الذي يفتح باب الفساد على مصراعيه، ونادرا جدا ما تجد مقاولة بنظام cost control).
في الحقيقة لا ينبغي أن يتم تقديم العاملين والفنيين الذين أهملوا فقط لمحاكمة شرعية، ولا ينبغي فقط دفع الديات عن الشهداء والجرحى، لكن ينبغي محاسبة من أسندوا هذه المشروعات الضخمة لمن لا يراعي الله فيها! كما ينبغي محاسبة رئيس الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي (عبد الرحمن السديس) نفسه لأنها حادثة وقعت في إدارته وفي مسؤوليته! أم هل سيغنيه مديحه للحكّام عن المسائلة وينجيه من الإدانة!
لماذا يجنح رجال المسلمين إلى مشاعر الأسى ويغفلون عمن تسبب في المآسي؟!
ولماذا يخنسون عن المطالبة بالحقوق ركونا إلى مصمصة الشفاة والصراخ كما حال النساء والأطفال؟!
هل ذهاب الضحايا إلى الجنة يُسقط حقوقهم وحقوق ورثتهم في الدنيا؟!.
وهل حسن خاتمة الضحايا شيءٌ يشجع على توريد مزيد من الضحايا لذات الخاتمة التي صنعها الإهمال والفساد؟!
في حرم الله تضيع الحقوق.. يضيعها من يفاخر بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام! فهل ننتظر منه نصرة لاجئي الشام أو الدفاع عن أرض العراق أو رفع يده عن تمويل قاتل المسلمين في مصر وليبيا؟! لقد تذكرت تدمير المآذن يوم جهيمان عندما رأيت سقوط الرافعة يوم الحادي عشر من سبتمبر! إنها الرافعة التي ينبغي أن ترفع أقواما وتخفض آخرين!
وعلى هامش الحدث بان فسادُ الكثيرين أيضًا! فبينما أعلنت المواقع الفلسطينية نقلا عن مسؤولين رسميين أنه لا ضحايا لهم في الحادثة وبعدها بدقائق أعلنت وكالة الأناضول عدد القتلى والجرحى الأتراك؛ التزمت وسائل الإعلام الرسمية المصرية الصمت وقالت لا معلومات حاليا عن وجود مصريين بين القتلة والجرحى! ولا أدري أنقش الحنّة على يد رئيس بعثة الحج المصرية المرتشي يمنعه من سؤال الدفاع المدني السعودي عن هويات الضحايا ليتأكد من رعاياه أم أنه يصدق أن نحور المثل الشهير ونقول: ما افسد من سديسي إلاّ سيسي؟!.