بالصدفة البحتة.. إعادة فتح سفارة إسرائيل في القاهرة في التاسع من سبتمبر 2015، أي في الذكرى الرابعة لتنكيس علم إسرائيل بعد ثورة يناير المجيدة على يد شبابها الذين تسلقوا بناية طولها ما يقرب من عشرين طابقا، لتنكيس العلم الإسرائيلي، ورفع علم مصر!
في ذلك الوقت حصل الشاب الذي فعل ذلك على شقة من محافظ الشرقية على عمله البطولي (الرمزي).
يلاعبنا الإسرائيلي… يحاول أن يمحو تواريخا بتواريخ… يوم بيوم بدر!
تقول الصحف: “وبعد أن تم رفع العلم الإسرائيلي على مبنى السفارة وإلقاء الكلمات الترحيبية، تم كشف النقاب عن يافطة السفارة ورمز دولة إسرائيل، واختتمت المراسم بغناء النشيدين الوطنيين الإسرائيلي والمصري”.
(وعاشوا في تبات ونبات … وخلفوا صبيان وبنات)
النظام المصري اليوم في (تبات ونبات) مع عدونا الأوحد، يعمل تحت علم إسرائيل، وتحت نشيدها الوطني، وطوع أمر مصالحها القومية … نحن أمام نظام يدعي الوطنية، ولا مهمة له في الحياة سوى خنق غزة، وتأمين حدود إسرائيل، وتمكين العسكريين (ومن والاهم) من الاستمتاع بالمال الحرام هم وأبناؤهم، إنها دولة تستطيع بيروقراطيتها أن تؤخر كل شيء، ولكنها لا تستطيع أن تؤخر زيادات مرتبات ومعاشات الضباط دقيقة واحدة، ولا أن تخصم منها مليما واحدا!
الدولة المصرية تحارب الإرهاب، والآن تدعي أنها تحارب الفساد، فاكتشفَتْ فساد السيد المهندس حمدي الفخراني، (رئيس جمعية مكافحة الفساد بالصدفة) الذي ضبط متلبسا بتلقي رشوة ما لسبب ما، حين تراه وهو يخفي وجهه في طرقات النيابة ترى بعينيك عدل الله يتحقق، والكل يعرف السبب.
لا تربط بين توقيت هذه القضية، وبين الانتخابات البرلمانية!
إياك أن تعتقد أن النظام يرسل رسائل واضحة لكل حلفائه بأن مصيرهم الفضائح المدوية إذا فكروا الخروج من طوعه، إياك أن تفكر أن تراجع د. أبو الغار عن استقالته من رئاسة حزبه المزعوم له علاقة باستكمال مشهد مسرحية الانتخابات البرلمانية (إذا اكتملت)!
وبعد السيد فخراني ضُبط السيد وزير الزراعة في قضية فساد بطريقة دراماتيكية مهينة، والمقصود هو إظهار سلطة (ابن الريس)، عضو الرقابة الإدارية.
من يصدق أن هذه الدولة تحارب الفساد فلا أمل في النقاش معه أصلا، إنها الدولة التي باعت حدودها البحرية لألد أعداءها، ورفعت سعر شراء الغاز لضعف ثمنه، حتى أصبح شراء الغاز من آبار غاز لا تخصنا أرخص لنا من شراءه من أراضينا، والمطلوب منك عزيزي المواطن أن تصدق أن هذه الدولة … قررت أن تحارب الفساد.
الفساد هو هذا النظام … وهذا النظام هو الفساد … إذا لم تصدقني راجع خبر سرقة خمسين كليوا جراما من الذهب من مصلحة سك العملة … إنه خبر لن تقرأه إلا في مصر.
هذا حالنا بعد الانقلاب العسكري!
سيقول قائل إنها دولة مؤسسات، ولكن دولة المؤسسات غيَّرَتْ موضوع خطبة الجمعة من أجل عيون وزير الأوقاف (المتهم بالفساد أيضا)، وبدلا من الحديث عن الحج في هذه الأيام الطيبة … نزلت التعليمات من الملأ الأعلى إلى الخطباء بتغيير موضوع الخطبة … اخطبوا عن أثر الشائعات في تدمير المجتمعات، (وسلم لي على فصل الدين عن الدولة)!
الدولة التي نخاف عليها من الانهيار اختارت رئيس وزراء (اسم الله عليه) هرب مذعورا من سؤال بسيط، وجهه صحفي تونسي، وكان بإمكان السيد المقاول الذي أصبح رئيسا للوزراء في دولة الإسناد المباشر أن يجيب على السؤال بجملتين، بمنتهى البرود، ولو فعل ذلك لسحق السؤال وسائله، كان بإمكانه أن يقول (نعم كنت من المتهمين، وبرأتني المحكمة، وهذا دليل على أنه لا محاباة لأحد، وأن الناس سواسية أمام القانون)، ولكن الطبع يغلب التطبع، لقد فرّ … فأثبت ما أراد أن ينفيه، وبعد ذلك حاول أن يقنع ملايين البشر الذين شاهدوا الحدث صوتا وصورة أنه لم ينسحب.
بالله عليك … حين يحدثني هذا الشخص الذي عجز عن مواجهة صحفي في عمر أبناءه … حين يحدثني قائلا (مصر طالعة) كيف تريدني أن أصدقه؟!
لا أستطيع أن أرى في النظام الحالي سوى مجموعة من اللصوص المتعجرفين، فها هو أحد المحافظين يهين طبيبا شابا يعمل في ظروف شديدة القسوة ويقول له أمام الكاميرات (شيل إيدك من جيبك وانت بتكلمني)، ولست أدري ما الذي يضايق السيد المحافظ في الأمر أصلا !؟
لقد قررت نقابة الأطباء الانضمام إلى مليونية الموظفين التي تعترض على قانون الخدمة المدنية، هل نشكر النقابة؟ أم نشكر السيد المحافظ؟
إنه محافظ الجيزة … تلك المحافظة التي خصصت عشرات الأفدنة على مدار سنوات وسنوات لمزارع مخصصة لفنادق فاخرة لرعاية الكلاب (كلاب الأغنياء)، هذا المحافظ حين أراد أن يحاسب ويصحح الأمور في محافظته، رأيناه يحاسب الطبيب على جلوسه على كرسي والمريض واقف، وكأن الطبيب مهمته أن يصبح مقاول (فراشة) لكي ينال رضا الدولة والمحافظ.
لقد قرروا أن يعطوا الأطباء مكافأة هي في حد ذاتها إهانة، إنها بصقة في وجه كل طبيب مصري … ثلاثة جنيهات ونصف.
حين منحوا العاملين في القضاء (عيدية) منحوا للفرد الواحد عشرة آلاف جنيه، أي اكثر من ألفين وثمانمائة ضعف ما منحوه لكل طبيب.
لقد تمسكنوا حتى تمكنوا!
تمسكنوا أمام الثوار منذ يوم الحادي عشر من فبراير 2011، حتى تمكنوا منا في الثالث من يوليو 2013، والآن يعاقبون الجميع، حتى من وقف معهم في الثلاثين من يونيو، حتى من يخدمهم دون أن يشعر، مثلما حدث مع شاب ساذج، صدَّقَهُمْ، وقرر أن يترشح في مسرحية انتخاباتهم، فوجد اسمه ممنوعا من الترشح، لفقوا له قضية فورا، قضية صدر فيها حكم، وضع اسمه (بقلم جاف)، فأصبح من أهل السوابق، وبدلا من الترشح، عليه أن يحل مشكلته العويصة أولا.
أما ما يسمى بتحالف (صحوة مصر) فقد انسحبوا من الانتخابات بعد أن ذهبت أحلامهم سدى، ولم يجدوا أمامهم إلا أن يخبطوا رؤوسهم في الحيط!
مسؤولون يسوقون الدولة لحتفها بدعوى الحفاظ عليها، يظنون أنفسهم أذكياء، وهم أغبى الناس، دولة من العضلات الضخمة المترهلة، دولة أصابها ضمور في العقل، لم يبق شيء يذكر من الخلايا الحية في مخ الأجهزة التي تحرك هذا الكيان، ومن يصدق حروب (الكيميتريل)، والمجلس الأعلى لإدارة العالم، لا يمكن أن يكون سوى معتوه بشكل من الأشكال.
يظن البعض أن الثورة قد هزمت، وأن هؤلاء المعاتيه قد انتصروا، والحقيقة أنهم قد انتصروا في جولة، وهي جولة من نوع خاص، يعتمد النصر فيها على العضلات لا المخ، والجولات القادمة كثيرة، وسينتصر فيها جيل جديد، بعقله لا عضلاته، وسيهزم هؤلاء العتاة المجرمين ويجعل منهم عبرة، قريبا جدا بإذن الله تعالى.
يظن البعض أن شباب الثورة قد انتهوا، بالقتل، أو بالسجن، أو بالهجرة، أو بالموت … مثلما حدث مع الشاب النابه الموهوب براء أشرف رحمه الله الأسبوع الماضي، والحقيقة أننا كثير، ولكنا متفرقون، وجيل يناير ما زال ينتظر اللحظة التي ينطلق فيها لآفاق الحرية مرة أخرى.
الثورة كامنة، وأسباب اندلاعها ظاهرة للعيان، وزلزال الخامس والعشرين من يناير أعمق من أن يستأصله مخبول يصدق أن علاج الإيدز يمكن أن يتم بجهاز الكفتة.
من لا يريد أن يرى الطوفان القادم من موظفي مصر في اعتراضهم على قانون الخدمة المدنية، ولا يريد أن يرى رعب الدولة من بدء الدراسة الجامعية، ولا يريد أن يشعر برعب كبار مسؤولي الدولة وهم يغيرون أطقم حراساتهم دوريا … من لا يريد أن يرى ذلك فعليه أن يرى كيف تظاهر شباب في الثانوية العامة أمام وزارة التربية والتعليم، وكيف تصرفت الدولة الحقيرة معهم بكل عنف وخسة، وكيف تظاهر شباب الثانوية في الإسكندرية أيضا في اليوم التالي برغم ما حدث مع زملائهم في القاهرة.
الدولة المصرية تعادي جيل الشباب، لقد تظاهر أمناء الشرطة بأسلحتهم، فخضعت لهم الدولة، ولكن حين تظاهر طلبة المدارس الثانوية ووجهوا بالقمع!
هذا الجيل (ابن البطة السوداء)، لا يملك نفوذا ليحصل على حقه في التعليم الجامعي، ولا يملك مالا لكي يشتري أوراق إجابات آخرين كما حدث مع الطالبة مريم ملاك.
هذا الجيل لن يكون كأجيال سبقته، وخياراته محدودة جدا، إما أن يعيشوا عبيدا بالمعنى الحرفي الدقيق للعبودية، وإما أن يثوروا ويحصلوا على حقوقهم في هذا الوطن.
إنه جيل لن يسامح هذا النظام الفاسد، ولن يخاف من التغيير!
جيل يناير في انتظار معركة كبيرة قادمة .. فأرونا ماذا ستفعلون معه، وأرونا ماذا ستفعلون مع أجيال ما بعد يناير.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين …