كعادتها لم يخل رمضان هذه السنة من مجموعة من الأعمال الرمضانية التي اعتادت عليها غالبية الأسر العربية متابعتها بل والإدمان على بعضها لدرجة التفريط في عادات أصيلة امتدت لقرون عدة.
المسلسل المصري من بطولة الممثل المصري عادل إمام وإخراج .. وهو جاء في سياق المسلسلات التي تلت الإطاحة بأول رئيس مدني في مصر في 3 يوليو 2013.
يحكي المسلسل قصة الدكتور فوزي جمعة، أستاذ جامعي ومعارض يساري تدفعه آراؤه المعارضة للنظام إلى الإدمان على دخول السجن بتحريض من أساتذة انتهازيين (د. نافع) وآخر من الإخوان.
الداخلية الشرفاء
لكن المسلسل لا يقف عند هذا الحد بل يبدأ في قلب الحقائق منذ أولى حلقاته، فوزير الداخلية هو شخص وطني يرفض تجاوز القانون فهو في نظر كاتب ومخرج المسلسل رجل وطني مهمته تطبيق الأوامر التي تأتيه من النظام بغض النظر عن طبيعة هذا النظام. فالمسلسل لا يأتي مثلا على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قيام ثورة 25 يناير 2011 ويتعمد إغفال الدور السلبي والتعامل الوحشي الذي قابلت به داخلية العدلي انتفاضة الثوار في 25 يناير.
لم يأت المسلسل بتاتا على ذكر اسم “أمن الدولة” وهو اللقب الذي كان لوحده كافيا لإرعاب المصريين لعقود منذ أيام عبد الناصر وإلى يومنا هذا.
يأتي المسلسل على ذكر رجل بسيط من الداخلية ألقى عليه بعض ثوار الإخوان القبض عليه وطبقوا عليه حكم الإعدام وتصوير القضية في طابع إنساني بحت، رغم أن أيام ثورة 25 يناير لم تأت على ذكر أن هناك فردا من الداخلية قتل داخل الميدان.
لا يتوقف الافتراء وقلب الحقائق عند هذا الحد.. فرجال الداخلية يعاملون معارضيهم بلغة القانون التي لا يفهمها الخصوم.. فلا يأت المسلسل عن أي حديث لتجاوز لأمن الدولة فهم وطنيون غيورون على وطنهم بل ويحمون أحيانا من يعتبرونه صالحا.. في تناقض واضح لادعائهم تطبيق القانون حرفيا.. وربما فيه إشارة إلى أن ما دام الخصوم هم الإخوان، فكل عدو لهم ينبغي حمايته ولو كان عدوا لهم سابقا.
يغفل المسلسل عن حالة التراخي الأمني التي حدثت منذ اختيار الدكتور مرسي وإيعازها إلى طبيعة الخطاب السياسي السائد حينها والذي سمح بظهور الفوضى.. رغم تصريحات العديد من القيادات العسكرية كالعميد طارق الجوهري والذي أشار في العديد من تصريحات لهم أن هناك أوامر كانت تأتي لهم بعدم التدخل والتعامل بجدية مع أي مشكل ولو دخل معارضي نظام الدكتور مرسي إلى داخل قصر الاتحادية.
بل إن وزير الداخلية السابق أشار في حوار لقناة مصرية أنه كان يصدر أوامر للضباط بعدم التعامل والرد على الدكتور مرسي حينها لإدراكه -حسب قوله- أنه يخدم مصالح جماعته لا وطنه.
وهذه حقيقة أثبتها المسلسل في آخر حلقاته بل وافتخر بها حين بين تواطؤ الشرطة وعدم تطبيقه للقوانين من خلال شخصية الرائد علاء الذي أوقف شاحنة بها ملايين من استمارات تمرد دون مصادرتها.
شيطنة الإخوان.. أو “الإخوانوفوبيا”
مقابل أنسنة أمن الدولة وإبرازها بوجه جميل براق.. يأتي المسلسل منذ أولى حلقاته على ذكر اسم الدكتور الإخواني المتعصب الذي يتواطئ مع أمن الدولة للزج بزميله اليساري في السجن مقابل مكائده ودسائسه ضد النظام القائم.
وعلى غرار باقي مسلسلات الدراما التي تتناول واقع المجتمع المصري حسب رؤية مخرجي هذه المسلسلات والأفلام، تركز مثل هذه الأعمال على شخصية المتدين المتطرف وهو في الغالب شخص جاهل متعصب لا يبتسم ولا يعمل وظيفته الوحيدة التذمر ومعاندة أهله حول أمور شكلية، غير أن هذا المسلسل يثبت لأول مرة شخصية المتدين خريج الجامعة صاحب الابتسامة الصفراء، لكن يصفه العمل بأنه شخص مخطوف ذهنيا تم التلاعب بعقله، فهم لا يجرؤون حتى على مناقشة من هم فوقهم في إشارة إلى فكرة –لا تناقش ولا تجادل- التي تروج لها الأعمال المصرية عن المتدين المتعصب في إشارة إلى أتباع الأخوان.
وأخيرا ينتهي العمل في المسلسل للإشارة إلى ابن الدكتور نافع وهو شاب مدمن مخدرات دفعته ظروفه العائلية إلى الوقوع في الفكر الإخواني ليقرر أخيرا الاعتصام في رابعة العدوية.
يعطي العمل الانطباع بأن الإخوان وصلوا للسلطة لينتقموا فيركز المسلسل على شخصية فوزي جمعة الأسطورية والتي عارضت النظام السابق، لكن معارضته الأكبر كانت لنظام الإخوان لأنه نظام “يتاجر بالدين”، وهي التهمة التي حاول العمل التركيز عليها دون إثبات أي واقع لهذه الفكرة وكأن الأنظمة التي سبقت أو تلت الإخوان لم تتاجر بالأديان.
والاهم في كل هذا يركز العمل على بداية الأعمال الإرهابية في مصر في ظل النظام الجديد وكيف اتخذ هذا النظام موقفا سلبيا منها.. متناسيا أن من أهم أسباب قيام ثورة 25 يناير بمصر تفجير الداخلية المصرية لكنيسة القديسين إضافة لقضايا التعذيب المتعددة.
لعن الربيع
إضافة لسلسة الافتراءات التي انتابت المسلسل كشعار “تحيا مصر” الذي بدا واضحا في ثورة 25 يناير المصرية وهو في الواقع شعار الجنرال السيسي في حملته الانتخابية، يصل المسلسل للحديث بعد ما اعتبره كوارث حكم الاخوان إلى لعن الربيع العربي في سوريا والتخويف من هذا السيناريو كمؤشر لبداية الانقلاب على حكم الدكتور محمد مرسي، وهو في الحقيقة موقف ليس مستبعد على شخصية عادل الإمام الانتهازية التي وافقت عمليا على مشروع التوريث وادعت زورا أنها ضده في هذا العمل الدرامي.
الحرس القديم أو “الدولة العميقة”
لا يغفل عمل أستاذ ورئيس قسم للإشارة إلى معارضة الارستقراطية المنتفعة من النظام القديم والتي عمل المسلسل على إظهارها بمظهر العائلات المتفتحة والتي عملت بدورها على تشجيع الإطاحة بنظام الإخوان من خلال إشرافها على تجميع استمارات تمرد.
غير أن العمل تجاهل كليا سلسلة الأزمات الاقتصادية التي زالت منذ أول يوم من الانقلاب مثل أزمات السولار والكهرباء والتي تبين فيما بعد دور الدولة العميقة في هذه الأزمة بهدف دفع الجماهير للخروج يوم 30 جوان كرفض للواقع الاقتصادي الذي افرزه واقع ما بعد الثورة.
كما تجاهل العمل الدور الفعال الذي لعبه إعلام الدولة العميقة في خلق رأي عام مناهض للإخوان بل وتوجيه في سياقات معينة وصولا إلى إخراجه للشارع في اليوم الموعود.
السياسي الفاسد والعسكري الصالح
من خلال شخصية الدكتور نافع الانتهازي يحاول العمل تسليط الضوء على الشخصيات السياسية المتسلقة والوصولية المستعدة للتحالف مع أي نظام مادامت في الواجهة.. والهدف من هذا توجيه الرأي العام لفكرة أن الواقع لم يكن يسمح بأن يكون هناك أي دور للطبقة السياسية في تغيير النظام القائم ليفسح المجال بعدها لشخصية الرجل العسكري الطيب الذي تحركه “وطنيته” و”وطنيته فقط” لإنقاذ الوطن مما يصفه العمل بالجماعة “الفاسدة والمفسدة”.
خلاصة العمل
أستاذ ورئيس قسم ليس العمل الوحيد الذي ركز على فكرة المتدين المتطرف في إشارة على فصيل معين يتم تغييبه وتشويهه، بل جاء في سياق عام من الأعمال الدرامية التي تعمل على إظهار المسلم المتخلف البلطجي مقابل اليهودي المتعلم المسامح الرقيق كما جاء في عمل آخر “حارة اليهود”.. وهي مجموعة من الأعمال تأتي في سياق إعلامي عام يحاول شيطنة الحركات المتبنية لهذه الأفكار كحركة المقاومة الإسلامية حماس بفلسطين، والدول التي تتمسك بالشرعية وحق المواطنة للمصريين مهما كانت انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية كدولتا قطر وتركيا.
ويبقى المشكل الأكبر هنا ليس في أنصار الدولة العميقة الذي يعملون كل ما في وسعهم للحول دون وصول تيارات ديمقراطية أخرى مهما كانت انتماءاتها الاديولوجية للسلطة، بل تيار الإخوان المسلمين الذي لم يعمل على خلق شبكة إعلامية ضخمة بعيدة عن الغطاء الديني موجهة لبناء الرأي العام وتنشئته وتوجيهه للغايات المنشودة من خلال تعظيم الانجازات والتركيز على عيوب الخصوم وفضحها بطريقة تراعي التكنولوجيات المعاصرة في تقنيات البث والحوار وبعيدة عن الخطاب الديني الموجه في الغالب للأتباع لا لحزب الكنبة.
وبهذا فإن أهم نتيجة نخرج بها من خلال هذا التحليل أن المعركة القادمة بل أم المعارك ليست تلك التي تتم بالرصاص بل بالحراك الدائم في الشارع مع بروباغندا إعلامية تراعي الرأي العام المخاطب ومتطلباته دون الحياد عن المبادئ.