“لا أمان للصحفيين في مصر”.. أصبحت هذه العبارة هي لسان حال الصحفيين المصريين والأجانب بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو؛ حيث شهدت الصحافة المصرية خلال العامين الماضيين انتهاكات صارخة تمثلت في غلق الصحف والمؤسسات الإعلامية وقتل الصحفيين ومطاردتهم واعتقالهم.
في منتصف الشهر الماضي، فر ريكارد كونزاليس، صحفي بصحيفة إلبايس الإسبانية، سريعًا من مصر؛ خوفًا من الاعتقال، الذي وصفه بأنه كان “وشيكًا”، وذلك بعد أن أبلغته السلطات الإسبانية بأنه معرض للاعتقال في أية لحظة، وأن الاتهامات قد تكون خطيرة.
وأوضح كونزاليس، في حواره مع الإذاعة الألمانية دويتشه فيله، أن السلطات الإسبانية نصحته بعدم البقاء في مصر لأنه في خطر، مضيفًا “أنهم لم يُفصحوا لي عن نوعية التهم ولا عن مصدر هذه المعلومات الغامضة، لكنني لم أشأ أن أجازف بالبقاء”.
وأرجع الصحفي الإسباني سبب استهداف السلطات المصرية له، إلى الكتاب الذي ألفه عن جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث ينتقد فيه النظام الحالي، كما ينتقد الإخوان المسلمين أيضًا ولا يبدي تعاطفًا على الإطلاق، على حد قوله.
وأضاف أن السبب الآخر في استهدافه هو أن صحيفة إلبايس، التي يعمل لديها، هي من أكثر الصحف الأوروبية انتقادًا للنظام المصري.
وتابع كونزاليس: “وربما لم يعجب الحكومة المصرية ما نشرته الصحيفة عقب زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا في إبريل الماضي”.
وأكد أن أوضاع الصحافة في مصر ساءت كثيرًا خلال الفترة الماضية، خاصة الصحفيين الأجانب؛ حيث زادت القيود على تحركاتهم، بعد تعنت السلطات المصرية في اصدار تصاريح لهم للتحرك وأداء مهامهم، هذا إلى جانب الحملة الشرسة التي تشنها وسائل الإعلام الرسمية، والتي عملت على تشويه الصحفيين الأجانب ووصفهم بالجواسيس، ما أدى إلى أن المزاج العام في الشارع المصري بات أكثر عدائية اتجاههم.
التضييق على الصحافة الأجنبية
ولم يكن الصحفي الإسباني الذي يمر بهذه التجربة؛ حيث رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 184 انتهاكًا تعرض له الصحفيين والمراسلين الأجانب في مصر خلال الفترة بين عامي 2011 و2014، كان عام 2013 الأسوأ خلال السنوات الثلاث الماضية.
وقالت المؤسسة، في تقرير لها صدر في نوفمبر الماضي، إن الفترة ما بين 30 يونيو 2013 وأكتوبر 2014، كانت الأصعب على الإطلاق بالنسبة لعمل المراسلين الأجانب في مصر، رغم أن عام 2011 شهد انتهاكات أكثر؛ حيث رصد التقرير حدوث 61 انتهاكًا، خلال هذه الفترة، تنوعوا بين 13 حالة اعتداء و6 حالات حبس و28 حالة احتجاز وحالة قتل واحدة.
ومن بين انتهاكات هذه الفترة: إصابة الصحفي جيرمي بوين بطلق ناري في أحداث الحرس الجمهوري، وقتل المصور البريطاني مايك دين، من قناة سكاي نيوز، أثناء فض اعتصام رابعة العدوية بطلق ناري في القلب، بخلاف 24 حالة احتجاز أثناء اشتباكات القوى الأمنية مع أنصار مرسي في محيط مسجد الفتح.
وأضاف التقرير، أن قضية صحفيي الجزيرة نقطة تحول في علاقة الصحفيين الأجانب بمصر؛ حيث حكم على الصحفي الكندي محمد فهمي والأسترالي بيتر كريست بالسجن المشدد سبع سنوات والمصور المصري باهر محمد بعشر سنوات بتهمة بث أخبار كاذبة والانضمام لجماعة محظورة.
وانتهت أزمة الجزيرة، بعد المصالحة المصرية القطرية، والتي أسفرت عن غلق قناة الجزيرة مباشر مصر مقابل الإفراج عن صحفييها، وذلك بعد تنازل فهمي عن جنسيته المصرية مقابل الإفراج عنه وترحيله خارج البلاد.
وأوقفت الشرطة المصرية، مؤخرًا، أربعة صحفيين أجانب، بعد تفجير القنصلية الإيطالية، وألقي القبض على اثنين منهم وأطلق سراحهما بعد ساعتين.
الأسوأ إعلاميًا
تحتل مصر المرتبة الخامسة عالميًّا في اعتقال الصحفيين، بحسب ما أعلنه تقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية في ديسمبر الماضي؛ حيث تم حبس أكثر من 150 صحفيًا منذ الانقلاب العسكري، من بينهم 100 لا يزالون داخل السجون.
وبلغ عدد الشهداء من الصحفيين 11 صحفيًا، كما أُغلقت سلطات 27 وسيلة إعلامية من فضائيات وصحف ومواقع إخبارية.
وصنفت منظمة “فريدوم هاوس” الأمريكية -غير الحكومية- مصر في تقرير لها صدر في نهاية أبريل الماضي 2015 بأنها الأسوأ منذ 11 عامًا في مجال حرية الإعلام؛ حيث قال التقرير إن مصر تعيش سنوات أكثر قمعًا من نظام الديكتاتور طويل الأمد “مبارك” في مجال حرية الإعلام.
وأكدت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين فى تقرير عن أوضاع الصحفيين فى مصر حتى مطلع الشهر الجاري، أن السلطات المصرية تحتجز 18 صحفياً على الأقل لأسباب مرتبطة بتغطيتهم الصحفية.
وقال التقرير إن التهديد بالسجن يعتبر جزءا من مناخ تمارس فيه السلطات الضغط على سائل الإعلام لفرض الرقابة على الأصوات الناقدة وإصدار أوامر بعد التحدث عن موضوعات حساسة، مشيرة إلى أن النظام المصري منع مؤسسات إعلامية من العمل في مصر، وأجبرت على إغلاق مكاتبها، مثل الجزيرة والأناضول.
الحرية الغائبة
انتقد ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق، صمت المجلس الأعلى للصحافة واتحاد الصحفيين العرب تجاه الانتهاكات التي تمارسها سلطات الانقلاب العسكري بحق الصحافة، مضيفًا، نقابة الصحفيين لم تكتف بالصمت، بل قام بعض أعضاء مجلسها بالتهجم على بعض الصحفيين المعتقلين ، كما هاجموا تقارير منظمة العفو الدولية التى تحدثت عن انتهاكات ضد الصحفيين المصريين.
وتابع الولي في مقال سابق: السلطات الحالية لم تلتزم بما وعدت به فى بيانها الأول بإيجاد ميثاق شرف اعلامى، أو الالتزام بنصوص دستور 2014 التى جاءت به، والخاصة بحرية التعبير وضمان تعبير المؤسسات الصحفية عن كافة الآراء والاتجاهات السياسية، وحرمة المنازل وحرمة المكالمات الهاتفية، وحق التظاهر وحرمة جسد الإنسان وعدم المنع من مغادرة الدولة، والتزام الشرطة بحقوق الإنسان.
ومن جانبه، أكد الباحث الأمريكي والخبير الاقتصادي انجوس بلير أن الصحفيين الأجانب في مصر يستعدون للعودة لبلادهم، متوقعا أن تخلو مصر من الصحفيين لتغطية أحداثها بحلول سبتمبر المقبل.
وقال بلير عبر حسابه الشخصي على موقع التدوين المصغر “تويتر”: “في المعدل الحالي من الاستهلاك، من المرحج ألا يكون هناك صحفيون لتغطية أحداث مصر بحلول سبتمبر المقبل. معظم من أعرفهم يغادرون”.