كتب “أحمد نصار” لــ “شبكة رصد” مقالا يقول فيه: “الإخوان يسبقونكم بسنين ضوئية!”
بخلاف خطأ تأسيسي في المقال باعتبار أن انقسام الشعب المصري حدث مع 30 يونيو، و أن البعض فهم الأمر على أنه انقلاب عسكري وهم مؤيدو الشرعية. إذ ثمة فارق تأسيسي هام ما بين 30 يونيو و 3 يوليو. لسنا بصدد تفنيده، ولكن التأسيس لدولة ما بعد 3 يوليو استنادا على دستور يكتبه “موظفين” لدى جنرال عسكري، هو بالضبط تعريف الانقلاب العسكري.
كل ما حدث بعد ذلك من ظلم و استبداد متنامي، و سوء لأحوال اقتصادية لن يتوقف، ما هو إلا نتيجة طبيعية لحل المؤسسات المنتخبة، واستبدالها بموظفين، و تفكيك مؤسسات المجتمع المدني، و تجميد نشاطها. ولكن لا علاقة لذلك برؤية الإخوان الثاقبة أبدا.
لماذا لم ير أفذاذ الجماعة مقتل الآلاف في رابعة و النهضة و رمسيس و غيرهم؟ هل كانوا يظنون أن الله يرسل الملائكة معنا ليحفظ دماء الشباب؟ أم ظن البعض أن مشايخ السلفية القابعين في جحورهم الآن سترج أدعيتهم أركان مصر؟!
ثم لماذا لم ير أفذاذ الإخوان اعتقال 40 ألفا من مؤيدي الثورة أو الشرعية، أو من معارضي الانقلاب العسكري، أو منهم أنفسهم؟ كيف لم ير من يسبقنا بأعوام ضوئية انتهاك بيوتهم و بيوت آلاف مؤلفة من الناس وانتهاك كرامة الكل؟
وعلى فرض، أن الرؤية العظيمة التي تسبق الضوء نفسه، تعتبر كل ذلك “ابتلاء” و “محنة” سيمر منها القوم المؤمنين، لماذا لم يعدل الإخوان من مسارهم حتى بعد آلاف القتلى و المعتقلين. لا تزال الملفات الحيوية داخل الجماعة يقودها رجال عف عليهم التراب، بينما “يفرك” الشباب فركا مما يحدث….
لا يمكن للجماعة الزعم بأن حراك الشارع كله هي المتحكم فيه خاصة و أن قيادات الجماعة الجديدة يؤكدون أن 70-80% من الحراك ليس إخوانيا أساسا على شاشات التلفزيون(أحمد عبد الرحمن لأحمد منصور 22.4.2015). ثم إذ فجأة يتحدث نفس القيادات أن الحراك في أغلبه إخوانيا أو “إسلاميا” صرفا… وعلى أدعياء الثورة الصمت!
بأدعياء الثورة، لا أقصد عبد الرحمن منصور الذي خرج من العدم ليعطينا رأيا مطلعه “تنحية قيادات الصف الأول” و كأنه ينسخ ما ينبغي قوله من كتاب فيه: علينا أن نعزل من أخطئنا نحن في حقهم كمنتخبين من الشعب، لأننا -مؤيدو 3 يوليو- سرقنا إرادة الناس ووافقنا على كتابة دستور لدولة بحجم مصر بعدد 50 موظف… بل و شاركنا -كعبد الرحمن- في التفاوض مع معتصمين ضد الانقلاب… قبل أن يتم قتلهم جميعا. عبد الرحمن منصور مجرم. ولكن بأدعياء الثورة عند الإخوان، أقصد أولئك الذين دفنوا أنفسهم في خندق الإخوان لا دفاعا عنهم، ولكن دفاعا عن “مبدأ الشرعية” أو “ضد الدولة العسكرية” كعصام سلطان أو محسوب أو علاء عبد الفتاح أو غيرهم… هؤلاء في ذات الخندق، هل يمكن أن يكونوا أدعياء ثورة؟
لازالت الجماعة كلها تقع في أزمة “ثقة” داخلية، ما بين الداخل في مصر و الخارج، و ما بين الشباب و الشيوخ. لا تستوعب الجماعة التي يبدو سن الثلاثين هو السن الأنسب لمغادرة الجماعة فيها… ألم يتفكر أحد الشيوخ العظام، لماذا يبدأ كل أولئك الشباب في التفكير في ترك الجماعة بالضبط عند هذا السن؟!
لازالت أزمة الثقة تلك، توقع الجماعة في أن يكون المستشار الإعلامي من عينة الدكتور أحمد عبد العزيز (أبو حبيبة رحمها الله) وهو ومثله قطعا رجل محترم، طيب، جميل… ولكنه لا يفقه شيئا في الإعلام. و لأن الجماعة تسبقنا بسنين ضوئية، فحتى بعد الانقلاب، لا يزال من يوكل إليهم أعمال الجماعة، لا يفقهون شيئا، إلا أنهم شخص: طيب، محترم، جميل… يجر الجماعة كلها لحتفها بالبطيء… ولكنه أهلا للثقة، صح؟!
لازالت الجماعة، تعاني في الأسئلة التأسيسية. فالجماعة الإصلاحية جدا تبنى “شبابها” في لحظة تجلي 25 يناير وفعلها “الثوري”. ثم ما لبثت -بشيوخها- أن جنحت تماما “للإصلاح” وكبحت هي بنفسها ثورة 25 يناير. ثم اليوم، بعد الانقلاب، تقف الجماعة كلها على أعتاب نفس السؤال:
ثورة أم إصلاح؟ و يقول قياداتها، ربما كان يلزمنا أن نلتزم الثورة و قت الثورة… قول و المصحف؟!
تسأل الجماعة، هل فوضى تؤسس لثورة، أم حمل للسلاح في ذات الثورة، أم تلتزم الجماعة بمنهجها الإصلاحي…. وربما بعد 80 عاما أخرى تنتظر اللحظة “الثورية” الجيدة ليتم طرح نفس السؤال؟!
تلتزم الجماعة إلتزاما مقيتا بالإصلاح حتى عند تأسيس فعل ثوري بعد الانقلاب،مثلا: كل المجالس “الثورية” و الأفعال “النوعية” التي تقوم بها الجماعة هدفها: تعرية و كشف الانقلاب. التعرية و الكشف عملية ممتدة، ولكنها لا تشمل أبدا أي مواجهة. يكفي أن تقارن طريقة عمل جبهة الانقاذ بعمل المجلس الثوري الذي لا ينعقد أبدا. (لا تقول لي أن المجلس الثوري لا علاقة له بالإخوان!).
تلتزم الجماعة البطء الشديد، حتى أن فكرة “السلطة الموازية” التي تم طرحها مباشرة عند اعتقال الدكتور مرسي، و أن يأخذ الوزير -الضعيف- المحترم أيضا هشام قنديل، أو أحد “المنتخبين” زمام المبادرة و يأمر و ينهي… كما حدث في فنزويلا، و لا تترك السلطة أبدا لجنرال انقلابي. و بدلا أن يحدث كل ذلك، سلمت الجماعة رقاب كل من في رابعة للرصاص… وبعد عام كامل، اكتشف جهابذة الجماعة، أنه يتعين عليهم تفعيل “البرلمان الموازي” ليصبح نكتة جديدة في مسيرة الرؤية الضوئية للإخوان.
للأسف الجماعة، إلى الآن ليست سابقة بسنين ضوئية، إنما حقيقة، و صدقا، و أمانة، الجماعة “تتخبط”. لا تعرف وجهة واضحة، و كل إدارة للملفات الأساسية، لم يمض أحد قيادات الجماعة كلها بضعة دقائق ليقيم أي أمر فيها…. خذ مثلا:
1- 40 ألف معتقل احتياطي، لم يتم تسجيل اكثر من بضعة مئات من تلك الحالات في أفضل المؤسسات الحقوقية التي تمدها الجماعة بالبيانات… تحتاج الجماعة ربما 40 ل 400 عام أخرى ليتم توثيق قصص هؤلاء.
2- أمضى الوزير يحي حامد قرابة الثلاثة أشهر لإصلاح شركة قابضة واحدة من أصل ما يقرب من مائتي شركة، يعني لو غدا قامت ثورة، و اعتلى الرئيس الشرعي الحكم، فإنه أمام الوزير النشيط أكثر من 20 عاما لإصلاح الشركات القابضة فقط. حلو كده؟!
يعني، لو استيقظت غدا على د. محمد مرسي حاكما للبلاد، ومعه فريقه الرئاسي كاملا، ومجلسي شعب و شورى، فإنه لا خير يُنتظر قبل 20 عاما، بالمعدل السابق.
يعني، لا تملك الجماعة، أي رؤية بخلاف “انهاك” النظام. و تبدو كل خطواتها -فيما أرى- مضطربة، متخبطة، تحاول الاطمئنان أن ما يجري هنا أو هناك ليس بدافع من جهاز أمني، وفي نفس الوقت في أن تتواجد لأنها في قلب الصراع شائت أم أبت. وبذلك تصبح الجماعة هي المحرك الوحيد لأي تحرك، و في ذات الوقت هي العائق الأساسي لأي حراك!
لم تجب الجماعة لنفسها أولا على أبسط الأسئلة المؤسسة لها “هل ستلتزم الإصلاح، أم ستنتقل لمربع الثورة؟” و هو ذات السؤال الذي يكاد يقسم ظهر الجماعة و شبابها نصفين. و إن كانت ستفعل ذلك، فمتى؟
لم تُشرك الجماعة كل أولئك المظلومين أي رؤية تعطيهم أملا في مستقبل مغاير للظلم الحاصل، بخلاف عودة الرئيس الحنين صاحب الإصبع محمد مرسي… الذي ربما أفضل ما يقدمه لهذا الجيل أن يكمل تضحيته و يقبل حكم الإعدام فيه!
صدمت؟ ربما لو تم إعدام مرسي يصبح درسا طيبا للأجيال القادمة، كدرس عدنان مندريس عند الأتراك. ربما انقلاب واحد لا يكفي… ربما الجماعة تسبقنا بسنين ضوئية و تعرف أن أمر إعدامه مفيد لتاريخ مصر وربما مستقبلها؟!
الجماعة لا تسبق أحدا بسنين ضوئية.
ربما يتعين على الجماعة حل إشكالياتها أولا، قبل النظر في حل مشاكل مصر.