أثار دخول العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز (91 عاما)المستشفى، وإعلان الديوان الملكي السعودي، إصابته "بالتهاب رئوي" استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس بشكل مؤقت، تساؤلات حول سيناريوهات انتقال الحكم في المملكة، في حال تدهور الحالة الصحية للملك.
آلية انتقال الحكم في المملكة حددتها المادة الخامسة في النظام الأساسي للحكم، ونظام هيئة البيعة الذي أصدر العاهل السعودي قرارًا بإنشائه في أكتوبر 2006، ليتولى اختيار الملك وولي العهد مستقبلا.
وتنص المادة الخامسة من نظام الحكم على أن "نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، ملكي، ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء.. ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
وكانت المادة تتضمن بندًا ينص على أن الملك "يختار ولي العهد.. ويعفيه بأمر ملكي"، إلا أنه مع صدور نظام هيئة البيعة تم إلغاء هذا البند واستبداله ببند آخر ينص على أنه "تتم الدعوة لمبايعة الملك، واختيار ولي العهد وفقًا لنظام هيئة البيعة".
وتنص المادة نفسها أيضًا على أنه "يتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة".
وهيئة البيعة أعلن في 30 ذي القعدة 1428 هـ الموافق 10 ديسمبر 2007 عن تشكيلها برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود، ونص أمر تأسيسها بأنها تتكون من أبناء الملك عبد العزيز أو أحفاده في بعض الحالات التي يحددها النظام، بالإضافه إلى اثنين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد، وتعنى باختيار الملك وولي العهد السعوديين.
ونصت المادة السادسة من نظام هيئة البيعة، على أنه "عند وفاة الملك تقوم الهيئة بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكا على البلاد وفقًا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم".
وانطلاقًا من هذا النص الواضح الذي لا لبس فيه، فإنه لا توجد مشكلة في انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية، حيث سوف يتولى ولي العهد الحكم، إلى أن تتم مبايعته من قبل هيئة البيعة ملكًا على البلاد.
ولكن المشكلة في المملكة لا تكمن في اختيار الملك القادم، بل باختيار ولي العهد القادم (الملك المستقبلي)، وهو المنصب الذي يتوقع أن تشتعل حوله الخلافات.
وتكمن أهمية منصب ولي العهد القادم في كون أن من يتولى هذا المنصب سيحدد مستقبلا في حال توليه ملك البلاد، ولي عهده (الذي يتوقع أن يكون من أحفاد الملك عبدالعزيز الطامحين في الحكم، وسط أنباء عن سعي وتنافس كل من الأمير متعب وزير الحرس الوطني ونجل العاهل السعودي، والأمير محمد بن نايف وزير الداخلية الحالي، للظفر بذلك المنصب مستقبلا).
ومنصب ولي العهد القادم كان ينبغي اختياره وفقًا لآليات معينة حددها نظام هيئة البيعة، وتنص المادة السابعة من نظام هيئة البيعة على أنه "يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، واحدًا أو اثنين أو ثلاثة ممن يراه لولاية العهد، ويعرض هذا الاختيار على الهيئة التي يكون عليها بذل الجهد للوصول إلى ترشيح واحد من هؤلاء بالتوافق، لتتم تسميته وليا للعهد. وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأي من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه وليًا للعهد".
وبحسب النظام نفسه، فإنه "في حالة عدم موافقة الملك على من رشحته الهيئة، فإن على الهيئة التصويت على من رشحته وآخر يختاره الملك، وتتم تسمية الحاصل من بينهما على أكثر من الأصوات وليًا للعهد".
وأشارت المادة التاسعة إلى أنه يتم اختيار ولي العهد "في مدة لا تزيد على ثلاثين يومًا من تاريخ مبايعة الملك".
تلك الخطوات لاختيار ولي العهد، التي كان من المفترض تطبيقها، سيتم تجاوزها كلها بموجب الأمر الملكي الصادر في 27 مارس الماضي، الذي قضى ضمنًا بتعيين ولي العهد القادم (في حال وفاة الملك)
وقضى الأمر باستحداث منصب ولي ولي العهد، وتعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز (69 عامًا) بالمنصب، على أن "يبايع وليًا للعهد في حال خلو ولاية العهد، ويبايع ملكًا للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد".
السيناريو الأول: تطبيق ما حسمه الملك عبد الله لاختيار الملك وولي العهد المقبلين
نظريًا، إذا تم إنفاذ آليات نظام هيئة البيعة، فإن اختيار الملك وولي العهد القادمين بات محسومًا، فالأمير سلمان بن عبد العزيز سيصير ملكًا والأمير مقرن وليًا للعهد، وهذا هو السيناريو الأول، الذي يعتمد جوهره على تطبيق الأمر السعودي الصادر في 27 مارس الماضي.
والأمير سلمان (79عامًا) هو الأخ غير الشقيق للعاهل السعودي، اختاره الملك عبدالله وليًا للعهد في يونيو 2012، عقب وفاة ولي العهد السابق الأمير نايف بن عبدالعزيز.
أما مقرن فهو الأخ غير الشقيق للعاهل السعودي، ويشغل حاليًا منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، والمستشار والمبعوث الخاص للملك عبد الله بن عبد العزيز.
وبحسب الأمر الملكي، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية، (واس) آنذاك، فقد جاء تعيين الأمير مقرن ضمن ما تقتضيه المصلحة العامة وبعد موافقة ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة– البالغ عددهم خمسة وثلاثين – على القرار.
وبموجب هذا التعيين، صار الأمير مقرن بن عبد العزيز، وهو أصغر أبناء مؤسس الدولة السعودية الثالثة، أول من يعين بهذا المنصب المستحدث في المملكة، وأصبح طريقه سالكًا إلى قمة هرم المؤسسة الحاكمة في المملكة.
واللافت أن البيان الملكي نص على أنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديل القرار أو تبديله بأي صورة كانت من أي شخص كائنًا من كان، أو تسبيب، أو تأويل".
السيناريو الثاني: خلاف حول منصب ولي العهد
يرتبط بالعبارة التي حصن بها العاهل السعودي أمره السابق بشأن منصب ولي ولي العهد، وهي العبارة التي جاءت إدراكًا من العاهل السعودي لوجود معارضة من قبل بعض أفراد هيئة البيعة لتولي الأمير مقرن منصب ولي ولي العهد. ورغم أن الأمر الملكي، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) آنذاك جاء بعد موافقة ثلاثة أرباع عدد أعضاء هيئة البيعة – البالغ عددهم خمسة وثلاثين – على القرار، إلا أن الأمير خالد بن طلال – شقيق الأمير الوليد بن طلال– كشف في حسابه الرسمي على "تويتر" أن "موافقة ثلاثة أرباع الهيئة جاء نزولاً عند رغبة الملك وولي عهده بدون اجتماع هيئة البيعة، ورفض الآخرين.. تقيدًا واتباعًا لنظام الهيئة".
وحذر من مغبة هذا الأمر مستقبلا قائلا:"نظرًا لأنه سيتم انتقال الحكم لأحفاد عبد العزيز، فإنه عندما يرشح الملك أحدهم مستقبلا لولاية العهد أو وليًا لولي العهد بدون اجتماع هيئة البيعة، فسوف يتسبب بفتنة وسيكون هناك انقسام جذري".
وهذا يشير إلى أن موافقة بعض أعضاء هيئة البيعة جاء تلبيةً لرغبة الملك، ليس اقتناعًا بتولي الأمير مقرن، وهو ما يرجح اشتعال خلاف حول منصب ولي العهد.
والأمير مقرن مدعوم من الأمير متعب وزير الحرس الوطني ونجل العاهل السعودي، فيما يرى بعض أفراد الأسرة الحاكمة أن الأمير أحمد بن عبد العزيز، وهو وزير الداخلية السابق، كان الأحق بأن يكون وليا لولي العهد، وبالتالي ولي العهد القادم.
ونظرًا لأن المملكة العربية السعودية تعد أطول نظام ملكي مستقر في العالم العربي، فيتوقع أن يتم تجاوز هذه الخلافات بالتوافق، كون استمرار الخلافات لن يكون في صالح الجميع، في ظل التحديات الأمنية التي تواجه المملكة.
السيناريو الثالث: تنحي العاهل السعودي عن الحكم نظرًا لحالته الصحية
وذلك لضمان انتقال آمن للحكم في حياته على أن يكون سلمان ملكًا ومقرن وليًا للعهد، كما حدد سلفًا.
وخطوة اعتزال العاهل السعودي لو تمت، فستكون سابقة في تاريخ السعودية الحديث، وهو أمر يراه مراقبون غير مستبعد على شخصية الملك عبد الله التي دائما ما تتخذ خطوات غير تقليدية وغير مسبوقة في سبيل الحفاظ على استقرار الحكم في بلاده، ومنع أي تنازع مستقبلي على السلطة. كما أن وصول الأمير مقرن وليا للعهد، هو بمثابة تأمين مستقبلي لاختيار الأمير متعب وليًا للعهد حال أصبح الأمير مقرن ملكًا للبلاد.
السيناريو الرابع: هيئة البيعة تدعو لمبايعة ملك جديد في حياة عبد الله نظرا لحالته الصحية
وإن كان مستبعدًا تمامًا.. وهو تفعيل المادة الحادية عشرة من نظام هيئة البيعة التي تنص على أنه "في حالة توفر القناعة لدى الهيئة بعدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته لأسباب صحية تقوم الهيئة بتكليف اللجنة الطبية المنصوص عليها في هذا النظام بإعداد تقرير طبي عن الحالة الصحية للملك".
وبحسب المادة فإنه "إذا أثبت التقرير الطبي عدم قدرة الملك على ممارسة سلطاته بشكل دائم، فعلى الهيئة إعداد محضر إثبات لذلك، وعندئذ تدعو الهيئة لمبايعة ولي العهد ملكًا على البلاد على أن تتم هذه الإجراءات وفقًا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم في مدة لا تتجاوز أربعًا وعشرين ساعة".
كل تلك السيناريوهات مبنية على أن ولي العهد الحالي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حالته الصحية تسمح بتوليه الحكم (كونه لم يثبت رسميًا ما يتردد حول إصابته بأمراض قد تعوقه عن تولي الحكم)، وبالتالي فلا خلاف على شخص الملك القادم، بل الخلاف على شخص ولي العهد.
ويرقد العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز (91 عامًا) حاليًا في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض، ليعالج من "التهاب رئوي" أصيب به قبل أيام، استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس بشكل مؤقت.
وقال الديوان الملكي السعودي الجمعة، إنه تبين بعد إجراء الفحوصات الطبية للعاهل السعودي وجود "التهاب رئوي" استدعى وضع أنبوب مساعد على التنفس بشكل مؤقت، وتكلل هذا الإجراء بالنجاح.
وأجرى العاهل السعودي، في 17 نوفمبر 2012، عملية جراحية في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض لتثبيت رابط بفقرات الظهر، هي رابع عملية جراحية للملك خلال عامين.
ومنذ إجراء العملية يغيب العاهل السعودي عن أي مناسبات رسمية خارج المملكة، كان آخرها القمة الخليجية في الدوحة يوم 9 ديسمبر الماضي، وصار ولي العهد السعودي يترأس غالبية جلسات مجلس الوزراء بالمملكة.
ويعد العاهل السعودي الذي ارتقى سدة الحكم في 1 أغسطس عام 2005 بعد وفاة شقيقه الملك فهد، أكبر الحكام العرب سنًا.