منذ انطلاق ما سمي بالعولمة في الإعلام ونحن كعرب ومسلمين نرتعد خوفا مع كل جديد يطرح في هذا المجال لأننا نشعر بل ونؤمن أن من يقفون خلف هذه التكنولوجيا لا يصدرونها حبا بسواد عيوننا أو رغبة في تثقيفنا ولكننا آمنا أن هذه الوسائل بداية من الإنترنت مرورا بالفضائيات وليس انتهاءا ببرامج التواصل الاجتماعي كلها تستهدف تغيير وجهة نظرنا نحو الغرب ومخططاته في المنطقة وكذلك السيطرة ثقافيا وفكريا على شبابنا ونشأنا لتسرقه من بين أحضاننا وتصنع منه جيلا فاسدا لا يؤمن بقيمنا وأخلاقنا يقدس الغرب ويحلم بما يرسمونه له من أحلام وردية .
ولكننا ورغم تؤثر بعض التيارات في مجتمعاتنا بمثل هذه الأدوات والتي نظن أن أصحابها أرادوا إلا أننا في نفس الوقت رأينا ارتدادا عكسيا لهذه الأدوات على أصحاب هذه الأجندة وأصبحت المجتمعات الضعيفة التي كان يحظر عليها إيصال صوتها للعالم عبر احتكار القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة للإنترنت والمواد المنشورة عليه حيث كانت المواقع العربية والإسلامية ضعيفة ومراقبة ويسهل إغلاقها بمجرد عدم رضى العم سام وجهاز رقابته عنه فلطالما أغلقت مواقع إسلامية دعوية وفكرية وسياسية ولكننا اليوم نرى مواقع إنترنت لكل القوى والأحزاب والحركات الإسلامية والعربية المعادية لهذه الهيمنة فليس أقل من موقع فلسطيني مقرب من حركة حماس بسبع لغات ومواقع أخرى لنشر الإسلام دينا وفكرا وتدافع عن حقوق المسلمين حتى أصبحت المعلومة الصحيحة عن الإسلام في متناول الجميع بعد أن كانت نادرة والبديل عنها دائما خرافات وخزعبلات وأباطيل أعداء الإسلام والذين صنعوا ي مخيلة غير المسلمين الصورة النمطية السيئة للإسلام والمسلمين .
أما على صعيد القنوات الفضائية أو عابرة القارات فقد كانت السيطرة مرة أخرى للولايات المتحدة بشكل كبير ومعها بريطانيا ونوعا ما فرنسا على الصوت الإعلامي المؤثر دوليا من خلال قنواتهم التي تصنع سياساتها مقرات المخابرات لتلك الدول حتى أنها كانت وما زالت تنشئ قنوات بلغات موجهة للمناطق التي ترغب هذه الدول في التأثير فيها أو تغيير واقعها وما السي أن أن والبي بي سي وفرانس24 عنا ببعيد وفي نفس الوقت دخلت على الأقمار الصناعية الموجهة للمنطقة العربية والإسلامية العشرات من القنوات التي تنشر الرذيلة الأخلاقية بكل اللغات وبالمجان ولكن وبعد حين وخرجت لنا العديد من الفضائيات لتكسر هذا الحظر على صعيد توصيل المعلومة الحقيقة لشعوب المنطقة الناطقين باللغة العربية وبدأت بالجزيرة ورأينا أثرها في حربي احتلال العراق من قبل القوى الغربية برئاسة الولايات المتحدة وحرب احتلال وتدمير أفغانستان حتى أنها أصبحت من الأهداف المشروعة للاحتلال من مراسلين ومقرات وعاملين ثم تطور الأمر وانطلقت بعض الفضائيات ذات السمت الإسلامي وبدأت بعضها بالبرامج الدينية الوعظية والتربوية ثم لحقت بها القنوات التي تمثل الشعوب بحق في العمل في مجال الأخبار والسياسة حتى أجبرت العديد من الدول على إطلاق قنواتها الرسمية وشبه الرسمية ولكن التي تعمل بأكثر مهنية بعد أن كانت قنوات تلك البلاد تبدأ نشراتها تسبيحا بحمد فخامته وتختم بالشكر لأفضاله حتى وصل الحال بأن تكسر بعض القنوات العربية الحاجز الذي وضعته على العالمية الإعلامية فظهرت قنوات كالجزيرة العالمية وتلفزيون برس الإيراني وغيرها من القنوات التي أصبحت جزء من المنظومة الإعلامية العالمية التي أخذت موقعها بين المصادر الإعلامية التي يسعى الباحث والمهتم الغربي لمتابعتها.
وعلى صعيد الوكالات فقد تطور أداء الوكالات العربية والإسلامية ليصبح أيضا مصدرا للمعلومة في العالم وليس في بلدانها فقط كما كانت حيث كانت الوكالة هي عبارة عن نشرة أخبار مستمرة خاصة بالشأن الداخلي والخارجي لبلد معين وأذكر هنا تجربتي الشخصية حين عملت لأول مرة في الإعلام كمساعد لمراسل وكالة الأنباء السورية سنا في أنقرة ولمدة شهرين فقط حيث أوجز لي المدير الأمر بجملة واحدة " نريد أي خبر يمر فيه اسم سوريا أو الرئيس بشار الأسد" ولكن الوكالات اليوم وأهمها وكالة الأناضول التركية أصبحت أحد أهم المراجع الإعلامية في المنطقة والعالم حيث أصبحت تبث بثمان لغات وأصبحت اليوم أحد أهم وكالات الأنباء التي ينقل عنها من المنطقة العربية والإسلامية بل ومن مناطق أخرى في العالم ولديها مصداقية تفوق مصداقية الوكالات التي تعمل كأداة في معركة الغرب مع العرب والمسلمين من خلال تلفيق القصص والأخبار وكتم الكثير من الحقيقة حتى أن بعض متابعيهم بدأوا يضجروا من هذا النوع من التغطيات المنحازة والغير مهنية .
أما السلاح الذي كان ومازال من أكثر الأسلحة التي يظن الغرب أنه سيغزو مجتمعاتنا من خلالها فهي برامج التواصل الاجتماعي وهي مع كل ما عليها من مآخذ ولها من مخاطر إلا أن شبابنا العربي والإسلامي استطاع أن يطوع هذه الأدوات لخدمة مصالحه ونشر أفكاره بعد أن كان ممنوعا من ذلك لعدم توفر المنابر أو عدم سماح الموجود من المنابر له بطرح ما يريد هو بل ما يريد صاحب أو المتحكم بهذا المنبر منه أن يقول. وقد رأينا حملات اجتماعية وسياسية فكرية قد استطاعت مجموعات شبابية بعمل بسيط وجهد منظم أن ينشروا ما يصبون إليه من أفكار عبر العالم وما تنظيم تظاهرات الربيع العربي عنا ببعيد حيث كان تويتر وفيسبوك على وجه الخصوص هما السلاحان الأكثر فتكا بالأنظمة المستبدة والتي ثارت عليها شعوبها حتى أننا في مرحلة المظاهرات السليمة كنا نرى الحاكم وزبانيته أول ما يتخذون من قرارات هو فصل شبكات الإنترنت عن بلدانهم ومن أشهر هذه المجموعات مجموعة شبابية بدأت بفريق عمل صغير لنقل أخبار الثورة المصرية حتى تحولت الآن لمؤسسة إعلامية مؤثرة في الشارع المصري وغيره وبدأ مشروع مجموعة رصد على الفيسبوك الذي بدأه حفنة من الشباب تحول لمنبر إعلامي موثوق تستقي منه العديد من القنوات والوكالات العالمية المعلومة وأصبحت تعتبر ما ينشر على هذه المواقع هو مادة تستحق المتابعة وأحيانا النشر كما حدث في تسريبات السيسي وغيرها وقد رأينا خلال العدوان على غزة من قبل الاحتلال الصهيوني في المعركة التي سمتها المقاومة معركة العصف المأكول كيف كان لنشر الأخبار والصور والتحليلات التي تفضح جرائم الاحتلال ومناصريه الأثر الكبير على الشباب العربي وغير العربي في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وقد رأينا الشباب الفلسطيني والمناصرين له يكتبون وينشرون بكل اللغات وحتى على صفحات ومواقع العدو الصهيوني مما أوصل رسالة المقاومة لهم وفند أكاذيبهم على منابرهم مباشرة وهو ما لا تستطيع هذه المنابر منعه وإلا خسرت متابعيها .
وهذا غيض من فيض التحول والذي حصل على استخدام وأهداف هذه الأدوات العالمية والأثر محلية الصنع كما لو أنها كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية في غزة.
ولهذا فإننا مطالبون على تنمية هذا الجانب وبذل بعض الجهد فيه لتقويته ودمج قواه ليزداد الأثر وتكبر الفائدة منه وذلك من خلال انشاء مؤسسات بحثية وفنية عالمية من كل أنصار قضايا المسلمين من إعلاميين ومثقفين وخبراء حرب نفسية ليساهموا في تطوير هذا العمل من خلال دراسات وأبحاث ولقاءات وأقل ما يمكن أن نمده لهذه المؤسسات وهؤلاء الأفراد هو قواميس للألفاظ الإعلامية الأنسب لاستخدامها في قضاياهم العادلة وكذلك وضع خطط لتوجيه هذه الجهود لتكون مركزة على القضايا الأهم والأخطر.