كنت – وما زلت – أرى أن الدكتور محمد مرسي قد فقد شرعيته قبل الثلاثين من يونيو 2013، وكنت أظن أن الجيش قد خضع لإرادة الأمة وعزله مضطرا بعد رفضه الانتخابات الرئاسية المبكرة، ولكن بعد أسابيع قليلة بدأ الحاكم الجديد في مصر يُكَشِّرُ عن أنيابه، وبدت الحقائق جلية، وبعد أن كنا نناقش الذين أيَّدوا الإجراءات الاستثنائية "إياها" فيقولون لنا "ماحدث في الثالث من يوليو 2013 ليس انقلابا، بل ثورة"، بدأنا نسمع منهم كلاما من نوع "هو انقلاب…حد ليه شوق في حاجة؟"
تطور لهجة الحديث بهذا الشكل لم يأت اعتباطا، بل لأن جميع أوراق التوت قد احترقت مثل جثث المصريين الذين قتلوا أثناء التظاهرات والاعتصامات ثم أحرقت جثثهم بدم بارد.
لقد قررت سلطة الأمر الواقع أن تغلق الميادين، وبعض المدارس، وبعض الجامعات، وأغلقت البلد بحظر التجوال لشهور، وأغلقت القطارات، فأُغلِقَتْ مصرُ أمام السياحة، وأغلق اقتصادنا بابه أمام المستثمرين.
لا ننسى أن الأمم المتحدة أغلقت منبرها أمام الرئيس المؤقت، ولجنة الخمسين أغلقت أبوابها أمام غالبية الآراء، وقررت الاكتفاء بدرجات لونية في لون واحد، وأغلقت أبوابها في جلسات سرية لكي تقر دستورا جديدا يغلق الطريق أمام أي رئيس منتخب لكي يكون رئيسا فعليا، فيخلق دولة داخل الدولة، ويخلق أوضاعا لا مثيل لها في الكرة الأرضية، ثم يبتزون المواطن اليوم بالتصويت بنعم وإلا (البلد ستنهار)، تماما مثلما قيل لنا من قبل (بالدستور العجلة تدور).
ثم اتُّخِذَتْ إجراءاتٌ أغلقت أبواب العمل العام أمام جميع المصريين، فأغلقت قنوات وصحف، ونُفِخَ في صور قانون الطوارئ، ورأينا قانونا للتظاهر لا يمكن وصفه إلا بألفاظ خارجة، وها هو قانون الإرهاب معدا لإرهاب الجميع، وقانون يسمح باحتجاز المواطن على ذمة التحقيق للأبد، كل ذلك ونحن قد نزلنا في الثلاثين من يونيو لكي نفتح الأبواب والنوافذ لنحظى بمزيد من الحريات خوفا من استبداد جديد.
يبدو أن البعض يريد أن يجعل من عزل مرسي وسيلة لعزل الشعب المصري!
وإلا ما معنى كل هذه الإجراءات والمناطق العازلة التي تحتفظ بها السلطة الحاكمة لنفسها؟ وما معنى أن يطلب مسؤول تنفيذي عسكري في موقع مرموق تحصينه في الدستور وكأنه يعزل نفسه ومؤسسته عن حق الأمة في المسائلة؟ وما معنى أن تستجيب لجنة الخمسين لهذه الرغبة؟ وما معنى الفيديوهات التي يتحدث فيها السيد وزير الدفاع وكأنه يملك كل القرارات في كل شؤون الدولة، ويعد ويتوعد؟
إن فكرة العزل السياسي لمجموعة من شرار الناس كانوا مسؤولين عن إفساد الحياة السياسية لعشرات السنين في عهد المخلوع مبارك وجدت من يعارضها باسم الحرية، بينما يتفنن نفس هؤلاء الحواة اليوم لكي يبرروا إجراءات استثنائية تعزل الأمة المصرية كلها، وتحصن الحاكم مهما ارتكب من جرائم.
تسلسل الأحداث خلال الشهور الماضية يجعلنا نتساءل "مَنْ عَزَلَ مَنْ في الثالث من يوليو"؟
يظن البعض أنه يستطيع أن يعزل الأمة عن المطالبة بحقوقها في الحياة الكريمة، ومن يظن ذلك سيجد في "طرة" متسعا كبيرا من الوقت لمراجعة أفكاره تلك!
الحل الآن هو استمرار الحراك السلمي في الشارع، ودعمه، وتجاوز الخلافات السياسية كي لا نفقد جوهر الثورة، وهو الحرية، وإذا فقدنا الحرية فلن ينفعنا حينئذ أن نلقي الاتهامات على بعضنا، فيرى بعضنا أن الإخوان هم السبب، أو العسكر، أو سواهما …!
لو فقدنا الحرية سنكون مجموعة من المغفلين الذين هدموا بيتهم على رؤوس أنفسهم وأحبائهم في شجار أحمق، وهو ما لن يحدث أبدا، وذلك بفضل جيل الثورة العظيمة، ثورة الخامس والعشرين من يناير.
ملحوظة: يسعدني أن أبدأ مسيرة جديدة مع القارئ المصري والعربي من خلال موقع عربي 21، وأتمنى أن تحظى هذه النافذة الجديدة بالمصداقية الحقيقية من خلال عمل صحفي متقن، وأن تكون إضافة للإعلام العربي الذي يعاني انهيار القيم، وضعف المهنية، وقلة الأمانة.
تحياتي لموقع عربي 21، وأرحب بالقارئ المتابع لما أكتب، وبالقارئ الذي ألتقيه لأول مرة.