لا يزال شلال الدماء يتدفق على تلك الأرض المقدسة؛ حيث ترتفع أنّات رمالها إلى السماء شاكية إلى جبار السموات والأرض أولئك المجرمين الذين لم يشبعوا بعد من دماء أبناء الوطن.. فى الأمس القريب سقط ستة عشر شهيدا من جنودنا ساعة الإفطار، ثم توالى سقوط الشهداء العشرات من جنودنا حتى الحادثة الأخيرة، وفى كل مرة تخرج بيانات من المعنيين دون أن محاسبة أو اعتذار من المسئولين عن تأمين البلاد والجنود.. فقط يصدّرون الأزمة لغيرهم ويلقون بالتبعة على أشباح دون حياء دون استقالة أو إقالة. وقبل ذلك قتل الصهاينة بطائراتهم عددا من أهالى سيناء ثم قتل العسكر وهدم بيوتا فى إطار ما يسميه الحرب على الإرهاب.. ولا يزال الوضع كما هو سيناء رقعة مظلومة منذ قرون ولا تزيد عن ملف أمنى يظل أهلها فى خانة الاتهام والمطاردة على مر الزمان دون رحمة أو شفقة أو عدل.
فى أواخر عهد الرئيس مرسى تم إقرار خطة تنمية شاملة لسيناء بـ4 مليارات جنيه فى إطار خطة تنمية منطقة القناة وبالتزامن مع مشروع القناة العملاق، وقد عهد الرئيس للقوات المسلحة تنفيذ تلك الخطة ثقة منه بجدية التنفيذ ودقة الإنجاز.
يومها طار أهالى سيناء فرحا فقد جاءهم الفرج بعد طول إهمال عبر التاريخ ولمَ لا فقد حانت لحظة الحياة الآدمية، لكنها فرحة سرعان ما تبخرت وانقلبت إلى مأتم، فقد انقلب كل شىء فى مصر بعد أن انقلب الجيش على الرئيس المنتخب وسجنه. وعادت سيناء إلى ما كانت عليه طول عقود طويلة مضت عادت ملفا أمنيا بامتياز، وعادت متهمة حتى تثب براءتها وعاد الخراب يعشش فيها بل وما تم بناؤه فى شهور تيم تدميره فى دقائق. هل مقاومة الإرهاب والعنف وتهديد الأمن القومى لا تتحقق إلا بهذا العقاب الجماعى الذى نتابعه يوميا.. فكل الأخبار الواردة من هناك لا تزيد عن أخبار قصف الطائرات ودك الدبابات لبيوت خلق الله، ولم تسلم المساجد التى باتت هدفا للتدمير والحرق فى كل موقعة. إنها حملات تأديب قاسية لأهل سيناء الذين انتخب معظمهم الرئيس ولم يتوقفوا عن التظاهرات رفضا للانقلاب عليه، وهى حملة بلغت قسوتها الذروة بما اضطر أحد المضارين للقول بأن الاحتلال الصهيونى لسيناء لم يعاملهم بهذا الشكل، وقد سمعت الكلام نفسه من كثيرين من أهل شمال سيناء خلال جولة صحفية مطولة لى هناك قبل واحد وعشرين عاما.. سمعتها والأسى يملأ أعينهم من حرمان حكومتهم (حكومة مبارك) لهم من أبسط مقومات الحياة التى كان يوفرها لهم الاحتلال، لكن حبهم لوطنهم لم ينقص قيد أنملة ولم يتزحزح ولكنها المفارقة المؤلمة أن يعامل العدو المحتل أهل الديار بصورة بإنسانية يفتقدونها فى حكوماتهم.. والصهاينة بالطبع لا يعرفون شيئا اسمه الإنسانية لوجه الإنسانية ولكن يعرفون الإنسانية للتخديم على بقائهم فى الأرض التى يحتلونها ووضع الناس فى مقارنات مريرة بين احتلال كان يوفر لهم المياه ويحافظ على ممتلكاتهم وبنى وطنهم الذين يدمرون كل شىء ويحرمونهم من كل شىء تحت مزاعم مقاومة الإرهاب.
سيناء يا قوم.. كنز من الثروات وأهلها جزء أصيل من الشعب المصرى وهم من خيار الناس. سيناء هى حائط الصد الأول أمام العدو وتدمير حياة أهلها يهدم ذلك الحائط إلى الأبد.. ومع كل حادثة إرهابية ضد جنودنا هناك تتحرك جحافل القوات بحملة تأديب شرسة ضد أهل سيناء ولا تسفر عن ضبط الجناة ويختفى الجانى وسط الحملات العسكرية والإعلامية العشوائية.. أين نتائج التحقيق فى كل حوادث القتل لجنودنا على مدى عام كامل؟! اضبطوا الجناة.. اضبطوا قتلة جنودنا.. وإن فشلتم مثل كل مرة فاعترفوا لأنفسكم أنكم فاشلون وارحلوا فتلك الدماء ستظل تلاحقكم حتى سكرات الموت وعندها لن ينفع الندم.. هل تذكرون الموت؟!
ـــــــــــ
مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية