طالعتنا صحيفة المصري اليوم الصادرة يوم الجمعة 22 نوفمبر 2013م بخبر عن الدكتور:عبدالله النجار الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو مجمع البحوث الإسلامية أنه يقول: «قتلى رابعة والنهضة ليسوا شهداء، ومن يقُل بذلك جاهل».
وفي الحقيقة إن الدكتور: عبدالله النجار بنى فتواه هذه على أصل باطل؛ ولذلك جاءت باطلةً هي الأخرى … فهو بنى قوله ذلك على أساس أن الذين اعتصموا بميداني رابعة والنهضة ليسوا أصحاب حق ولا شرعية، باعتبار أن الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور:محمد مرسي سقطت شرعيته بمجرد انقلاب الجيش عليه وعزله بالقوة واختطافه حتى يتم تحريك دعاوى قانونية ضده لإسباغ الصفة القانونية لما يفعلون.
وهذا أساس باطل لو تأمله الدكتور النجار وأراد وجه الحق، ولكنه جرى على ما جرى عليه إمامه الأكبر الشيخ الطيب من جواز الانقلاب على الشرعية وعزل الرئيس الذي انتخبه الشعب بإرادته الحرة، لا لشيء إلا لاختلاف الوجهة وزعم أن الانقلاب ومصادرة إرادة الشعب هو أخف الضررين.
ولا بأس بعد ذلك من قتل المعتصمين والمستمسكين بالشرعية؛ لأنه اعتبرهم خارجين على دولة العسكر والقوة، لا دولة القانون والديمقراطية.
وقد سبق الدكتور النجار للأسف الشديد علماء آخرون أكثر شهرة وأعلى صوتًا منه، وعلى رأسهم الدكتور: علي جمعة، مفتي الديار الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء.
ومع احترامنا لهؤلاء جميعا؛ إلا أنه من المستقر عند جميع العقلاء أن الحق لا يعرف بالرجال، وأن الحق أحق أن يتبع، خالفه من خالفه كائنا من كان.
وهذا الأصل الذي بنوا عليه موقفهم أصل باطل لا شك في بطلانه. وقد نسي هؤلاء جميعًا- أو تناسوا- أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة نفسها، كما نسوا أن الغادر ينصب له لواء عند استه يوم القيامة، ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان. وما حدث من انقلاب عسكري غير متوقع هو غدر وخيانة للعهد وللقسم الذي أقسمه وزير الدفاع ووزير الداخلية أمام رئيس الجمهورية.
وبناء على هذا الأصل الباطل رأى الدكتور النجار ومن سبقه أن أصحاب الشرعية المعتصمين في رابعة والنهضة هم الخارجون على الدولة المتمثلة عندهم في الجيش الذي يملك أن يعزل ويعتقل بقوته وسطوته، مستغلين في ذلك بعض السلبيات أو اختلاف وجهات النظر التي وقع فيها الرئيس محمد مرسي وحكومته؛ لتشويهه وتسويغ الخروج عليه، بل ومحاكمته هو وشرفاء الوطن وتلفيق التهم لهم دون رادع أو وازع من دين أو ضمير.
والمنصف الحصيف يعلم العقبات التي كان يزج بها في طريق الرئيس لعرقلة ما يرنو إليه من إصلاح، ويعلم تكالب قوى الشر والفساد التي لا تريد لمصر علوًا في الأرض ولا فلاحا.
ولا زال هؤلاء القوم يسيرون في نفقهم المظلم، ويصدرون فتاواهم الضالة المضللة غير عابئين بالآلاف الذين قتلوا ظلموا رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا وعلماء.
وتجد بعضهم يجادلك في عدد الذين قتلوا في رابعة أو النهضة، وأنهم لم يبلغوا الخمسة آلاف- كما أثبتت جهات موثوق بها- وأنهم لم يكونوا سوى بضعة مئات قليلة !
وكأنهم يقولون لا بأس من قتل ستمائة أو سبعمائة؛ فإنه عدد قليل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا أدري أين هؤلاء من كتاب الله تعالى الذي يحفظونه ويرتلونه صباحا ومساء، وهو يقول سبحانه: «ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابًا عظيمًا» [سورة النساء: آية (93)].
ولا يستحي الدكتور النجار أن يصف مخالفه بالجهل، وهو يعلم أنه هو الذي يخالف جماهير العلماء الذين أجمعوا على وصف ما حدث بالانقلاب المكتمل الأركان، واحتساب قتلى فض الاعتصام شهداء عند ربهم لقتلهم ظلموا وهم يدافعون عن الحق الأبلج الذي لا يماري فيه إلا جاهل أو مغرض.
ولا أريد أن أذكر الدكتور النجار بمن يخالفه؛ فهم أكثر من أن أحصيهم عددا أو ذكرا، ومنهم مجتهد الأمة ومجدد القرن شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، ومنهم الدكتور علي محيي الدين القره داغي، ومنهم الدكتور محمد سليم العوا، ومنهم الدكتور سلمان العودة، ومنهم وزير الأوقاف الأسبق الذي أزاحه الانقلاب الدكتور طلعت عفيفي، ومنهم الدكتور الشهيد عبدالرحمن عويس الذي قتل في رابعة، ومنهم أستاذنا الجليل د. حسن الشافعي، ومنهم الدكتور محمد الشرقاوي، والدكتور صلاح الدين سلطان الذي يحاكمه قضاة الانقلاب ويخاطبه القاضي باسمه مجردا وهو لا يرقى أن يجلس تلميذا عند قدميه، ومنهم … ومنهم ممن لا أحصيهم كثرة ومكانة، وكلهم «جاهل» في نظر الدكتور النجار !
لكن هي الأيام دول، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد بكلية الشريعة وأصول الدين جامعة نجران