قالوا عنها إنها الرقم الصعب في المعادلة.
كانت المفاجأة الكبرى في كل الأحداث أمام كل رجال العالم وربما أمام ذاتها أيضا.
أثبتت للعالم ولنفسها أنها ليست تلك المرأة الخانعة المستسلمة للانقياد دون وعي ودون إرادة حرة منها، ورغبة أكيدة في تقديم نموذج قيادي عالمي للمرأة الواعية التي تعرف ما تريد وتسعى لتنفيذ ما تريد بكل دقة وثقة وثبات.
إنها المرأة المصرية التي وقفت منذ اليوم الأول في الاعتصام المبارك في رابعة وميدان النهضة؛ لتتحمل أقسى الظروف من شدة الحر، وصيام النهار، وقيام الليل، ومسيرات نهارية وليلية، متحملة في كل ذلك مسئولية الأبناء صغارا وكبارا، يرافقونها في صولاتها وجولاتها، في الوقت الذي كان يكل فيه كثير من الرجال من مسيرة في نهار رمضان فيعودون للخيمة ليكملون يومهم نائمين، بينما تطوف الحرائر على الخيام يهتفن: "ياللي نايم نايم ليه، مرسي رجع وللا إيه".
مرت كل المذابح لتصمد المرأة وتثبت أنها بجوار الرجل، لم تعد تلك المرأة التي جل همها اقتناء أشياء لم تعد تمثل لها ذات قيمة، وأن اهتماماتها الخاصة تعدت حدود الذات والأسرة والمجتمع الصغير الذي تحياه لتشمل حدود الوطن والأمة كلها، بل تتعدى تلك الاهتمامات لأستمع لإحداهن تتحدث عن أستاذية العالم ونشر العدالة الإسلامية في شتى أرجائه.
كل هذا غير يوم فض ميادين الكرامة والعزة رابعة والنهضة، حيث وقفت إلى جانب الرجل تثبته وتؤازره وتحمل معه وعنه، ترتقي شهيدة وتتحمل استشهاد الزوج والأبناء، وتثبت حين يسقط البعض وتخرج من الأزمة الشديدة أشد صلابة وتصميما على مواصلة الطريق.
واليوم أكاد أجزم أن كل مسيرة حضرتها ضد الانقلاب تغالب المرأة في الأعداد أعداد الرجال، ربما يكون هناك اعتبارات أخرى، منها اعتقال معظم هؤلاء الرجال أو عدم تواجدهم لمطاردة الأمن لهم، لكنها وهي المطلوبة الآن – فلم يعد هناك حصانة لها في ظل هؤلاء الإرهابيين الذين يحكمون – لم تتوانَ في الخروج ولم تتراجع ولم تكسل أو تمل أو تيأس، وما أجد أن التضييق يزيدها إلا صبرا وثباتا على ثباتها.
غير أنه ما زال هناك دور هام يجب أن تنطلق إليه تلك المرأة الصامدة وتخوضه بكل قوة، وهي عليه قادرة باعتبارها المسئولة الأولى داخل الكيان الأسري عن هذا البند، وهو المقاطعة الاقتصادية للانقلابيين، وكم من نماذج جيدة في التاريخ الحديث حدثتنا عن دور المرأة في تلك الناحية وتحقيقها نتائج باهرة في هذا المضمار.
فلو استطاعت ربة المنزل أن تستغني بذكائها وقدرتها الخارقة على التوفير – إذا أرادت – لقللنا مدة بقاء الانقلاب إلى النصف إن كان مقدرا له البقاء مدة معينة.
فملابس الأبناء يمكن إعادة تهيئتها وتجديدها بالإضافة إليها أو ما إلى ذلك من إبداعات المرأة المصرية، فتبدو وكأنها جديدة تماما.
بقايا الطعام التي طالما ألقيناها في المخلفات لتعطي في النهاية أطنانا يمكن أن نستخدمها بحكمة، فلا نشتري إلا ما يلزمنا بدقة وليس أكثر، وما يمكن الاستغناء عنه فلنستغنِ عنه فورا.
مشوار التسوق يمكن أن يكون مرة واحدة بدلاً من مرات عديدة تكتب فيه ما تريده للضرورة القصوى مع تقليل الكميات المعتادة عليها.
التقليل من شراء مستلزمات الأطفال من أمثال الحلوى التي فيها ضرر أكثر من النفع، والتركيز على ما يفيد فقط، وإشراك الأبناء في الفكرة وتشجيعهم عليها، وبأنهم بذلك يؤدون دورا هاما لإسقاط النظام القائم سوف يؤدي في النهاية لنجد عجبا من جراء تلك السياسة الاقتصادية الجديدة، حيث ستجد أنها استطاعت أن تعبر أزمة الأسعار بأمان، وفي ذات الوقت تتوقف عملية البيع والشراء فتضيق عليهم الخناق والموارد التي منها ينفقون.
تلك مهمة جديدة تضاف على عاتق المرأة المصرية العظيمة التي ما زالت هي فعلا الرقم الصعب.