وقفت أنظر لصورة الشهيد الطالب بلال (19) عاما الذى قتله ضباط شرطة قسم مدينة نصر أمس وهو ممدد على الأرض بعد إطلاقهم الرصاص على قلبه واستشهاده، والضباط حوله ينظرون إليه شذرا فى تشفٍّ واضح ولا يفكر أحدهم فى إنقاذه، بل ويمنعون المتظاهرين بالرصاص من الاقتراب منه لنقله للمستشفى، حتى صعدت روحه الطاهرة إلى ربها تشكو هؤلاء القتلة الذين انتزعت من قلوبهم الرحمة وباتوا آلات لقتل شعبهم.
ثم وقفت مشدوها أمام الفيديو الذى يبين اقتحام مدرعة تابعة للقوات البحرية فى الإسكندرية لمظاهرة ضد الانقلاب فى أحد الأزقة الضيقة وإطاحتها بقرابة 37 متظاهرا ودهس بعضهم منهم 4 فى حالة خطرة وآخرون كسرت أصابع أيديهم وأقدامهم، ولولا قفزهم من أمام المدرعة لشهدنا مذبحة أخرى لا تقل عن مذابح ثورة 25 يناير وما بعدها.
تساءلت: لماذا كل هذا القتل ولماذا كل هذه الكراهية والتعامل مع المتظاهرين السلميين بكل هذا الغل والانتقام؟ هل هو التحريض الإعلامى القذر الذى يخفى أخبار مجازر الجيش والشرطة ويبرر القتل ويدافع عن القتلة حتى إن صحف اليوم التالى تبارت فى نفى وقعة الدهس على لسان من قالت إنهم "شهود عيان" كاذبين طبعا؟!.
أم هو فتاوى علماء السوء والسلطان مثل جنرالات الأزهر الجدد الذين انتشرت فضائح فتاواهم لجنود وضباط الجيش والشرطة بقتل المتظاهرين لأنهم "خوارج" والتى شاركهم فيها بعض دراويش الصوفية المتطرفين الذين شكلوا أحزابا ورقية وأطلق أحدهم فتاوى وتصريحات تقول إن الإخوان ليسوا مصريين ولكنهم يهود وفدوا إلى مصر من الخارج!! أم مباركة سياسيين يساريين وليبراليين لهذا القتل غلا وحقدا من الإسلاميين الذين فشلوا فى هزيمتهم فى خمسة انتخابات واستفتاءات جرت عقب الثورة؟!
عدت إلى تقرير خطير لوكالة رويترز بثته بالإنجليزية فقط يوم 10 أكتوبر الجارى بعنوان (تقرير خاص: القوة الحقيقية وراء ثورة الدولة فى مصر) Special Report: The real force behind Egypt's 'revolution of the statفوجدت التقرير الخاص – الذى هو عبارة عن شهادات لآراء عدد من كبار رجال الشرطة والجيش – يؤكد أن الداخلية لعبت الدور الأكبر فى إسقاط مرسى بهدف الثأر من الإخوان لدورهم فى ثورة 25 يناير التى أضعفت نفوذ وبطش هؤلاء الضباط، وأن ضباط الداخلية قالوا فى اجتماع رسمى: "لا يمكن أن نخدم رئيسا إرهابيا".. وقيادتهم طلبت منهم انتظار اللحظة المناسبة للانقلاب عليه!!، وأن الضباط قالوا للوكالة إنهم خالفوا حتى تعليمات حكومة الانقلاب فى التدرج فى اقتحام رابعة العدوية وبادروا بالقتل وإطلاق الرصاص عشوائيا لقتل أكبر عدد من المعتصمين.
عدت لصور اقتحام رابعة العدوية والنهضة والجثث المحروقة وشهادات الشهود فلم أفهم صورة ذلك الضابط الذى تنحنى أمام قدميه سيدة كبيرة لترجوه التوقف عن إطلاق الرصاص وهو يركلها بقدمه أرضا، وسائق جرافات الجيش الضخمة وهو يجرف جثث الشهداء والمصابين ليلقى بها فى القمامة.. وأم تصرخ فى وجهه لكى يتوقف وهو غير عابئ بها، والضابط الذى يطلق الرصاص من طائرته على متظاهرى رمسيس وبورسعيد والإسماعيلية كأنهم من الأعداء، والقناصة الذين يقتلون الشباب ويتصيدونهم فى الرأس والرقبة والقلب بدم بارد فى كافة المجازر التى وقعت حتى الآن وبعضهم يبتسم أو يرفع يده بعلامة النصر!
لم أفهم من كل هذا سوى أن هناك خللا فى تعليم وتدريب هؤلاء الضباط والجنود على طريقة فيلم (البرىء) واعتبار المعارضين هم (الأعداء)!!، وأن ثورة 25 يناير فشلت فى تطهير مؤسسات الدولة واكتفت بتطهير رأس النظام وبقى الجسد فاسدا، وأن الخلل يبدأ من المجتمع الذى يعادى جزء منه أى مظهر للتدين ويشجع على الانحلال، ويستمر مع تغلغل الفساد فى كافة قطاعات الدولة وعدم رغبة المفسدين فى تطهر الدولة من هذا الدرن، وينتهى بطريقة تعليم هؤلاء الضابط وتدريبهم فى أكاديمية الشرطة وتدريس منهج خاص لهم – كما قيل – لدراسة الإخوان والتيارات الإسلامية بصفتهم تيارات إرهابية.
أما الخلل الثانى فيبدأ من قرار وزير الداخلية بتسليح الشرطة بالكامل بعد انقلاب 3 يوليو بعدما تم نزع أسلحتهم فى التعامل مع المتظاهرين فأصبح كل ضابط يطلق الرصاص على المتظاهرين كأنه يتدرب على قتل حيوانات وأحجار، لا بشر لهم حقوق فى رقبته ووظيفته حمايتهم لا قتلهم!
تذكروا أن الكراهية والتعالى على المصريين وإهانتهم وإذلالهم هى التى جاءت بثورة 25 يناير، ونفس هذه الكراهية وإذلال بدو سيناء هى التى دمرت سيناء بدل أن تعمرها وجلبت لها الإرهاب، وهى التى تهدد حاليا جهاز الشرطة بكامله بكراهية كل المصريين له مرة أخرى ما لم يتم نزع هذه الكراهية والسلاح من يد المتعطشين منهم لدماء المتظاهرين.