نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية مقالا للكاتبة الصحفية اللبنانية كيم غطاس، تحدثت فيه عن فشل مخططات دول أوروبا بالحد من أزمة اللاجئين، عبر مغازلة من وصفتهم بـ«الطغاة العرب».
وتاليا ترجمة المقال:
تساعد أوروبا في تمكين الطغاة العرب من خلال الطلب منهم أن يوقفوا تدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط، دون أي اعتبار لأسلوب حكمهم أو لسجل حقوق الإنسان في بلدانهم. وهم بدورهم لا يوجد ما يسعدهم أكثر من أن يلعبوا دور الشركاء، زاعمين أنهم وحدهم بإمكانهم حماية الحدود الجنوبية للقارة الأوروبية من المهاجرين غير الشرعيين، وذلك مقابل الحصول على المزيد من المال.
على النقيض مما يزعمون، كثيراً ما يكون أسلوب الحكم القمعي لهؤلاء الزعماء هو الذي يدفع الآلاف من مواطنيهم في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مغادرة منازلهم وركوب المخاطر والمجازفة بحياتهم.
في تقديرها السنوي للتهديدات، الذي نشرته في فبراير، خصت وكالات الاستخبارات الأمريكية تونس بالذكر باعتبارها تمثل مشكلة خاصة في المنطقة. وجاء في التقرير أن «استمرار الرئيس قيس سعيد في تعزيز سلطته في الحكم هو الذي يزيد من مخاطر الانهيار الخطير في الاستقرار».
منذ ذلك الوقت، عمد قيس سعيد فعلياً إلى هدم صرح الديمقراطية في تونس. بل وعمل على إثارة النعرة العنصرية والتحريض على العنف ضد المهاجرين من بلدان ما دون الصحراء، ما أشعل أزمة لجوء إضافية. واتهمت مجموعات حقوقية السلطات في تونس بالإلقاء بالمهاجرين في الصحراء على الحدود مع ليبيا، حيث قضى عدد منهم حتفه عطشاً. كما أن التونسيين من أصحاب المهارات والخبرات يغادرون بلادهم بأعداد كبيرة.
ومع ذلك فقد وقع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي صفقة شراكة استراتيجية مع تونس يقدم لها بموجبها مساعدة للتنمية الاقتصادية بقيمة عدة مئات من ملايين اليورو، مع تركيز خاص على وضع حد للهجرة غير الشرعية ومنع المهاجرين من المغادرة إلى أوروبا. وهناك مبلغ آخر قمته 900 مليون يورو قيد الإعداد وسيكون في طريقه إلى قيس سعيد بمجرد أن يوافق على الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي.
تستحق المجتمعات التي تستضيف اللاجئين دعماً دولياً ومساعدة مالية للمساهمة في إيجاد فرص اقتصادية لإقناع المهاجرين بالبقاء حيث هم. ولكن نظراً لأن دول الاتحاد الأوروبي لا تنبس ببنت شفة إزاء استيلاء قيس سعيد على السلطة، فإن مقاربتها في التعامل معه تكافئه على كونه طاغية متوحشا ومديراً منعدم الكفاءة للاقتصاد في بلاده.
وقامت رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني بتقدم الصفوف في مغازلة الحاكم بأمر الواقع في الشرق الليبي، الجنرال خليفة حفتر، سعياً منها للحصول على مساعدته في منع مغادرة اللاجئين من بلاده. إلا أن ثمة تقارير تؤكد أن حفتر، وهو أمير حرب، على ارتباط وثيق بالمهربين. ثم هناك رئيس مصر عبد الفتاح السيسي، الذي أسبغ عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسام الشرف، وهو أعلى وسام في فرنسا، في عام 2020.
لقد أنفق السيسي مليارات الدولارات على مشاريع فارغة مثل العاصمة الجديدة بينما الاقتصاد في بلاده يتهاوى بسرعة فائقة. فقد بلغ معدل التضخم ما نسبته 35.7 بالمائة، وانهارت العملية المحلية، ويواجه المصريون انقطاعاً متواصلاً في الكهرباء في حرارة الصيف الحارقة. وفجأة، احتلت مصر في عام 2022 موقعاً ضمن أعلى خمسة بلدان يصل مهاجرون غير شرعيين من مواطنيها إلى أوروبا.
بينما تعمل أوروبا على إبقاء اللاجئين والمهاجرين خارج حدودها، فإنها تتوقع من البلدان الأخرى، مثل لبنان والأردن وتركيا، أن تستمر إلى الأبد في استضافة ملايين اللاجئين الذين استقروا في أراضيها. ويقدر أن اللاجئين في لبنان يشكلون ما نسبته 25 بالمائة من العدد الإجمالي لسكان البلد –مقارنة بما نسبته 1.5 بالمائة في أوروبا. ولما كانت سوريا غير آمنة بما فيه الكفاية حتى يعود إليها اللاجئون طوعاً، فقد كان البرلمان الأوروبي محقاً حين ندد بلبنان لإجباره بعض السوريين على العودة إلى ديارهم، إذ إن الكثيرين منهم بمجرد عودتهم يتم اعتقالهم من قبل سلطات نظام بشار الأسد.
لا يمكن تجاهل أثر وجود هذه الأعداد الغفيرة من اللاجئين على الاستقرار وعلى النسيج الاجتماعي لبلدان مثل لبنان والأردن. ولكن طالما أن السوريين لا يتوجهون بأعداد ضخمة إلى أوروبا كما فعلوا في 2014، فإن الأوروبيين يبدون راضين بتجاهل الجرح المعتمل داخل سوريا. ولعل ميلوني، التي كانت في الماضي قد أشادت بالأسد، تعتقد أنه يمكن أن يكون حليفاً في موضوع اللجوء.
إن أفضل ما يخدم مصالح أوروبا والغرب على المدى البعيد هو الديمقراطية والحكم الرشيد في الشطر الجنوبي من المعمورة. بالطبع، لا مفر من أن يتعامل صناع السياسة مع العالم كما هو، وليس مع الزعماء الذين يتمنون لو أنهم كانوا موجودين. إلا أن استرضاء الطغاة لا ينجم عنه سوى تعزيز حكمهم والولوج في دائرة مغلقة.
لم يتمكن أحد حتى الآن من معرفة سر الحفاظ على الاستقرار على المدى القريب والمتوسط وفي نفس الوقت المساعدة على إيصال الديمقراطية والحكم الرشيد على المدى البعيد. يتطلب ذلك رؤية وسياسات ذكية مستدامة حول القضايا الشائكة في وقت يشهد فترات اهتمام قصيرة من قبل الجمهور، بإملاء من دورات انتخابات تكميلية تلعب فيها الشعبوية أدواراً متنامية. من المحزن أن تصبح حلول لزقة الجروح هي المتعارف عليها في زمن سياسة الشبكات المغلقة في مواجهة مختلف التحديات، بما في ذلك التغير المناخي، والتي تنعكس آثارها على أزمة الهجرة وتزيدها تفاقماً.
في شهر يونيو، قال الاتحاد الأوروبي إنه سوف ينضم إلى الجهود المبذولة من أجل تقييم مدى جدوى حجب الشمس لتخفيف حدة الاحتباس الحراري – وذلك بدلاً من التركيز على تقليص الانبعاثات. يحمل “تعديل الإشعاع الشمسي” في طياته مخاطره الخاصة، ويصفه بعض الخبراء بالعلم الخرافي. وكذلك هو حال وهم الاستقرار الذي يعد به الطغاة.