“دقت طبول الحرب”.. هذا هو العنوان العريض لتصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي بالأمس في لقطة دعائية جديدة أطلق عليها مؤتمر القبائل الليبية (مصر وليبيا.. شعب واحد.. مصير واحد). السيسي الذي أكد على إمكانية دخول الجيش المصري إلى الأراضي الليبية لدعم ما أسماه الجيش الوطني الليبي، تجاهل للمرة الثانية على التوالي أي ذكر تصريحا كان أو تلميحا لخليفة حفتر، في إشارة ربما إلى أن دوره قد انتهى، والقادم سيتعلق إما بمسار سياسي يقوده عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، وإما مسار عسكري يقوده النجم الجديد في المشهد الليبي صالح الفندي، رئيس المجلس الأعلى للقبائل الليبية في ترهونة.
عبر حسابه على موقع التغريدات المصغر “تويتر”، كتب الباحث الألماني المختص في الشأن الليبي ولفرام لاخر؛ متحدثا عن صالح الفاندي بأنه أحد الوجوه والمعروفة في مليشيات الكانيات، وهي مليشيات عسكرية قتلت مئات الليبيين في مدينة ترهونة على مر سنوات، وتم اكتشاف مقابر جماعية لهؤلاء الضحايا. بقليل من البحث عن الفندي، ستجد أن موقع “عربي21” قد نشر تقريرا بتاريخ الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي، نقل فيه تصريحات عن محمد الكشر، رئيس مجلس التسيير لمدينة ترهونة التابع لحكومة الوفاق الليبية بعد السيطرة على المدينة، وصف فيها صالح الفندي بالقاتل المجرم الذي ارتكب مجازر كبيرة بحق سكان مدينة ترهونة وأن مصيره القصاص العادل أمام القضاء.
عبد الفتاح السيسي يعلن استعداده لتدريب القبائل الليبية داخل مصر ثم الذهاب معها بقوات من الجيش المصري إلى ليبيا لمواجهة من أسماهم الجهات الخارجية والمرتزقة، ولكن كيف نسمي القبائل الليبية إذا التي ستأتي للتدريب العسكري على يد الجيش المصري؟ أليسوا مرتزقة؟ وما هو تعريف المرتزق إذا؟ وإذا ما تدخلت مصر في ليبيا، أوليس هذا تدخلا أجنبيا كالذي ينتقده السيسي؟ ثم إذا ما افترضنا (لا سمح الله) صدق نوايا السيسي وهو كذوب، فهل صالح الفندي ومن ارتكبوا المجازر بحق الشعب الليبي هم أهل التعاون والتنسيق والحرب، كتفا لكتف مع القوات المسلحة المصرية؟ كلها أسئلة تستحق التوقف عندها والتريث قبل الحديث عن جدلية دعم مصر كدولة ووطن يتعرض لخطر بالغ يهدد أمنه القومي واستقراره الداخلي.
السيسي أم مصر؟ الوطن أم النظام؟ الدعم اللامحدود أم الدعم المشروط؟ كلها نقاشات خاضها الكثير من الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعات الماضية، وبدأت نغمة الوطنية والمزايدات القومية تعلو شيئا فشيئا لنصبح جميعا أمام خيار واحد لا بديل عنه، وهو التغاضي عن السيسي كحاكم عسكري مستبد، وكطاغية قتل من المصريين ما قتل، وكقائد أعلى للقوات المسلحة المصرية تنازل على الأرض المصرية مقابل حفنة أموال خليجية، وكرئيس جاء بعد انقلاب عسكري فشل مرة تلو الأخرى في الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل، وكجنرال معدوم الرؤية والكاريزما؛ طمأن المصريين أكثر من مرة بأنه لا مساس بحق مصر في المياه فتبين كذبه لمؤيديه قبل معارضيه.
لماذا يفترض عليّ وعلى غيري أن أصطف وراء جنرال كهذا، أراه كما يراه غيري جزءا أصيلا من الأزمة وسببا رئيسيا في المشكلة، ولن يكون أبدا جزءا من الحل؟ ولماذا يفترض أيضا أن أدعم جنرالا عسكريا يريد أن يذهب بأصدقائي وأقربائي وإخوتي من أبناء الشعب المصري إلى مواجهة عسكرية لا طائل من ورائها ولا سبب لها؛ اللهم إلا مشكلة نفسية وسياسية بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخوفا من شبح اسمه الإسلام السياسي في ليبيا أن يقترب من الحدود المصرية؟
عزيزي القارئ لا تنتصر الحكومات في حروبها الخارجية إلا بترتيب جبهتها الداخلية أولا، وتحقيق حالة من الاصطفاف الوطني الحقيقي والفعال بين مكونات ونسيج الوطن من معارضة وحكومة ومجتمع مدني.. فأين كل هذا في مصر؟ وهب أن المعارضةفي الداخل والخارج، والمعتقلين في السجون، وحتى من قتلهم السيسي داخل القبور، هب أن كل هؤلاء قد بدّلوا مواقفهم وقالوها في نفس واحد: نحن وراء السيسي من أجل مصر، ما الذي سيحدث؟ سيخرج الجنرال الكاذب ليتحدث عن اللاشيء، ثم سيتخذ قراراته برفقة عباس كامل ومحمود السيسي وسيذهب بمصر إلى جحيم أسوأ من التي تعانيه منذ سبع سنوات.
واجب وطني حقيقي علينا الآن أن نصطف جميعا ضد السيسي وسياساته، لا أن نقف معه وندعمه في حرب ضررها جسيم وأثرها سيكون قاسيا على مصر وشعبها الطيب.
(عربي 21)