تدور المناقشات في بيروت الآن بشأن احتمالية اندلاع حرب أخرى مع «إسرائيل» في المدة المقبلة، وهو النقاش المستمر منذ سنوات؛ ففي كل مرة تتفاخر «إسرائيل» أو حزب الله بالأضرار التي لحقت ببعضهما بعضًا، خاصة بعد الوجود العسكري الصارخ لإيران قرب حدود الاحتلال وعلاقتها المتدهورة بأميركا؛ كلها عوامل تزيد من احتمالية نشوب صراع مستقبلي.
هكذا ترى شبكة «إيه بي سي» الأميركية أوضاع الشرق الأوسط المستقبلية في تقرير لها، ترجمته «شبكة رصد». وتضيف أنّ رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو» قال يوم 5 مارس الجاري إنّ حكومته تعتقد انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني قبل موعده النهائي 12 مايو، الذي يتحتم عليه أن يشهد فيه أمام الكونجرس بأنّ إيران ما زالت ملتزمة بجانبها من الاتفاق.
وبالرغم من أنّ ترامب لم يبدِ أي إشارة لقراره؛ فتهديداته المتكررة، وتدويناته، واستياؤه الشديد من إيران، وبالتحديد من الاتفاق النووي؛ تشعل المخاوف من تمهيد أميركا لصراع جديد في الشرق الأوسط.
إلى جانب «إسرائيل»، يعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أيضًا معارضًا قويًا جدًا للقوة الإيرانية المتنامية في المنطقة، واستقبله ترامب هذا الأسبوع بذراع مفتوحة، مع تناول الأوضاع في المنطقة؛ خاصة إيران.
وتركّزت آخر الشائعات في العالم هذه الأيام على احتمالية ضربة استباقية من أميركا و«إسرائيل» ضد القوات الإيرانية والمليشيات داخل سوريا، إضافة إلى التكهنات بنوايا ترامب تجاه الاتفاق النووي الإيراني، كما عاد نتنياهو أيضًا من أميركا معلنًا أنّه حصل على مساهمات تاريخية نحو «الأمن القومي» لـ«إسرائيل»؛ وهو ما يعني أنّه حصل على وعد من ترامب بالانسحاب من الاتفاق ،وربما حتى موافقة ضمنية على قيادة عمل عسكري.
وتواجه «إسرائيل» معضلة تتعلق بمدى انتشار النفوذ الإيراني. لكن، في نهاية المطاف، سيتعيّن على نتنياهو أو خلفه أن يقرر إطلاق ضربة عسكرية لإخراج إيران من جنوب سوريا أو قبول الواقع الجديد والتهديد الإيراني الدائم الوجود.
وهناك ارتياح بتحوّل أميركا ضد إيران، بفضل إدارة ترامب؛ بعدما تحوّلت سياسة أوباما التي تميل نحو العمل الدبلوماسي إلى وصف أميركا في عهد ترامب لإيران بأنها تهديد وجودي.
إلى متى لبنان؟
وبخصوص لبنان، تشكّل ترسانة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، الحليف القوي لإيران، رادعًا حقيقيًا لاندلاع حرب جديدة في الأيام المقبلة بين إيران و«إسرائيل». لكن، إلى متى سيظل الوضع هكذا؟
إذا أخذنا في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين إيران وحزب الله وأيّ هجوم على أهداف إيرانية داخل سوريا، أو أي هجوم على أهداف لحزب الله داخل لبنان؛ فمن المحتمل أن تتصاعد المناوشات بسرعة إلى حرب على مستوى المنطقة، تشمل دولًا أخرى، خاصة وأنّ أميركا وروسيا تمتلكان قوات في المنطقة حاليًا.
ومؤخرًا، وبفضل المساعدة التكتيكية والاستراتيجية الروسية الكبرى؛ تمكّن الرئيس السوري بشار الأسد من إلحاق الهزيمة بخصومه المعارضين، ويرجع بقاؤه حتى الآن إلى تحالفاته مع روسيا وإيران، وهما دولتان تستفيدان من الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد داخل سوريا. وبالإضافة إليهما، شرعت أميركا في ضخ عدد كبير من القوات بسبب تهديد تنظيم الدولة المتصاعد، وأقرّت وزارة الدفاع الأميركية وجود نحو ألفي جندي أميركي في سوريا لأجل غير مسمى.
وبالرغم من هزيمة تنظيم الدولة، ما زالت القوات الأميركية موجودة؛ ويفترض أنها تهدف حاليًا إلى تعطيل المكاسب الإيرانية، وقطع طرق الإمدادات بين طهران وحتى البحر الأبيض المتوسط.
ولدى إيران في سوريا «الحرس الثوري» وحزب الله ومليشيات مختلفة، حتى إنّ طائرتها دون طيار تطير بانتظام بالقرب من حدود الاحتلال؛ ربما للتجسس أو لإطلاق هجمات جوية.
وستكون الحرب الإيرانية الإسرائيلية المقبلة أكثر ضررًا وتكلفة للحياة والممتلكات من الحرب الأخيرة في 2006. ومؤخرًا، اتهم القادة العسكريون الاحتلاليون حزب الله مرارًا وتكرارًا بإخفاء أسلحة داخل المباني المدنية؛ ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنّ «إسرائيل» تستعد لاستهدافٍ أكثر عنفًا ودموية هذه المرة؛ أي إنّه من المرجح أن يُقتل مزيد من المدنيين وتُدمّر البنية التحتية المدنية اللبنانية.
وترى «إسرائيل» أنّ الخطر الأعظم سيتمثّل في موجات الصواريخ التي ستنهمر دون تمييز على «مدنها وبلداتها»، إضافة إلى الوجود الإيراني القوي عبر الحدود الشمالية الشرقية في سوريا، واحتمالية غزوها عبر مرتفعات الجولان؛ ما يشكّل تحديًا صعبًا للغاية لـ«إسرائيل».
بغض النظر عن كل هذه التهديدات، قد يعتبر نتنياهو أنه من الأفضل توجيه ضربة استباقية الآن؛ خاصة وأنّ فرص ترامب في الفوز بالانتخابات المقبلة ضعيفة؛ فربما سينتخب شخص أقل محافظة منه. ويواجه نتنياهو حاليًا عقبة متمثلة في التحقيقات الجنائية الداخلية بـ«إسرائيل» في شبهات الفساد، وقد تطيح به من منصبه حتى قبل بدء الحرب؛ لذا من مصلحته بدئها الآن على الأقل.
وفي شهر مايو المقل، من المقرر أن تنقل أميركا مقر سفارتها من تل أبيب إلى القدس، ومن المقرر إجراء الانتخابات العراقية 12 مايو، ومن المتوقع أن تفوز الأحزاب والتحالفات المؤيدة لإيران، ومن المقرر أن عقد انتخابات لبنان أيضًا في 6 مايو، في ظل سعي حزب الله الحثيث لتوطيد مكانته أكثر؛ وتعدّ هذه الأحداث مجتمعة الموجه للبوصلة الإسرائيلية التي قد تبادر بقيادة حرب استباقية.