في مشهد سريالي من فيلم «فانيلا سكاي» عام 2001، يمر «توم كروز» عبر ميدان مهجور قبل أن يصرخ في يأس. وفي نسخة ساخرة واسعة النطاق في مصر، يمتلئ الميدان بلوحات إعلانية لعبدالفتاح السيسي؛ فبمجرد أن تفتح عينيك في أيّ مكان بمصر تطالعك اللوحات الإعلانية واللافتات والملصقات التي تشيد بالزعيم، المقرر إعادة انتخابه هذا الأسبوع، وينافسه سياسي غير معروف لم يبذل أيّ جهد لتحديه.
هذا ما أوردته صحيفة «واشنطن بوست» بشأن الأوضاع في مصر، في تقرير مفصل نقلًا عن وكالة «أسوشيتدبرس» وترجمته «شبكة رصد»؛ مؤكدًا أنّ نتيجة الانتخابات أمر مفروغ منه كليًا؛ لذا تبدو الحملة الدعائية محط سخرية، وتهدف في الأول والآخر إلى تشجيع إقبال المواطنين على الانتخابات، في محاولة لتعزيز شرعية التصويت؛ خاصة أمام العالم.
وأثارت هذه اللافتات موجات من السخرية على وسائل الإعلام الاجتماعية، وهي واحدة من الوسائل القليلة المتبقية أمام المعارضة، وسط حملة قمع كاسحة تصاعدت قبل الانتخابات.
وفي مشهد ساخر، تظهر صورة التقطت من فيلم «تيتانيك» عام 1997 ليوناردو دي كابريو وكيت وينسلت جالسين على سطح السفينة المنكوبة ووراءهما لافتة للسيسي. بينما يعرض آخر نجوم مسلسل «فريندس»، الذين تجمعوا في المقهى المفضل لديهم، مع وجود لافتة في الخارج تقول: «جونتر وبقية الموظفين في سنترال بيرك يدعمون عبدالفتاح السيسي».
وفي الحياة الواقعية، انتشرت لافتات السيسي في جميع الأرجاء، علّقها أفراد من جميع الكيانات والمؤسسات والشركات الخاصة والمجموعات الموالية للسيسي؛ حتى النقابات والشركات المملوكة للدولة، ومحلات البقالة ومقاهي الشاي القصيرة، جميعهم علقوا لافتات تأييد.
وفي شبه جزيرة سيناء، علّقت لافتة أمام محلّ خاص، كُتب عليها: «أنت بس اللي حبيبنا»، بجانب صورة للسيسي يحمل طفلًا، ويقول صاحب المحل «محمد أحمد مصطفى» إنّه يدعم السيسي.
الأمر ليس مقتصرًا على مصر فقط، فجميع الحكام الأوتوقراطيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يخرجون دائمًا بعروض مماثلة؛ فصدام حسين ومعمر القذافي وغيرهما استخدموا الطريقة نفسها لإظهار مدى شعبيتهم الوهيمة؛ ثم أزيلت بقايا اللافتات مع الموجات الأولى للثورة.
وفي ثورة يناير 2011 بمصر، سارع الثوار في أولى خطوة لهم إلى تمزيق اللافتات المؤيدة لحسني مبارك، وبعدها أجبرت الحكومة على تغيير محطة «حسني مبارك» لمحطة «الشهداء»، وبعدما استولوا على ميدان التحرير حوّلوه إلى معرض فني يعرض رسومات ساخرة من الديكتاتور الأسبق.
أما أوّل رئيس مصري مدني جاء بانتخابات حرة ونزيهة «محمد محمد مرسي» فتعرّض أيضًا إلى نصيبه من الاستهزاء على نطاق واسع؛ سواء على الإنترنت أو خارجه. وأثناء عامه المثير في السلطة، وقبل أن يطاح به في انقلاب عسكري بقيادة السيسي؛ واجه مرسي موجات سخرية عارمة. لكن، بعد الإطاحة به؛ تعلّمت الحكومة المصرية من الدرس، وشرعت في إسكات منتقديها واعتقلت الآلاف من الإسلاميين، ثم تحولت ضد النشطاء العلمانيين البارزين، وحجبت مئات المواقع المستقلة.
تراجع إلى الاستبداد
ويقول عماد الدين حسين، أحد مؤيدي الحكومة ورئيس تحرير صحيفة «الشروق» المستقلة، إنّ انتشار اللافتات المؤيدة للسيسي جزءٌ من الثقافة المصرية، مضيفًا أنه مثل حفل زفاف مصري تقليدي يحاول ضيوفه التفوق على بعضهم بعضًا بمقدار المال الذي يعطونه للزوجين لمساعدتهما على بدء حياة جديدة.
ويرى آخرون أنّ اللافتات والانتخابات نفسها أحدث دليل على تراجع مصر إلى عصر الاستبداد، بل أكثر من ذلك؛ إذ انسحب المرشحون الجادون من السباق الرئاسي تحت ضغط أو القبض عليهم، وأصبح التصويت الناجم يشبه بقوة الاستفتاءات الفردية التي أجراها المستبدون العرب الذين عادوا إلى الخمسينيات.
كفى ملصقات!
وقال إبراهيم عوض، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، إنّ معظم هذه اللافتات يصنعها الناس وسيلة للحفاظ على الذات أو جزءًا من سعيهم لتحقيق مكاسب شخصية، مضيفًا أنّ «الهجاء والسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي تظهران أنّ شريحة كبرى من السكان، خاصة الناشطين، لا يأخذون الانتخابات على محمل الجد».
وانتشر على الإنترنت ملصق لرجل مسن يستيقظ من سريره وصدم عند رؤية صور السيسي مبتسمة له، وهناك تمثال آخر لأفروديت عارية مع ملصق دعائي للسيسي ويديها على صدرها، ويبدو أنها تترافع مع أحد زوار المتحف قائلة: «كفى ملصقات، معي كثير».
«أهل الشر يؤيدون السيسي ويبايعونه»، لافتة أخرى تزيّن بها مشهد من الفيلم الشهير «هاري بوتر»، يظهر فيه طاقم «هوجورتس» وطلابه جالسين حول طاولة مؤتمرات، على كل، ألهمت اللافتات نكات أخرى كانت قديمة وأعيد استخدامها مرة أخرى شفهيًا.