نشرت مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية المعنية بالتحليلات العسكرية مقالًا للعالم السياسي البروفسير «كولين كلارك» عن إمكانية توسّع تنظيم الدولة ليشمل مناطق أكبر من التي سيطر عليها في سوريا والعراق، والوسائل التي تتبعها التنظيمات الإرهابية عمومًا في إثبات نفسها كالقاعدة وتنظيم الدولة والحركات المحلية كشباب الصومال وغيرها، وأبرز العوامل المساهمة في إحيائها بسهولة بالرغم من هزيمتها المتكررة.
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ تنظيم الدولة يدّعي أنّ لديه قرابة عشرة آلاف مقاتل يعيشون حاليًا في سوريا والعراق؛ بالرغم من زوالهم من مقر القيادة الرئيس في الرقة وفقدان الأراضي التي كان يسيطر التنظيم عليها. غير أنّه يسعى حاليًا إلى التوسع في مناطق أخرى من العالم؛ أبرزها «سيناء وليبيا واليمن وأفغانستان ونيجيريا والسعودية وروسيا والفلبين».
ومع استمرار الصراع في العراق وسوريا، تمسح الولايات المتحدة وحلفاؤها حاليًا مناطق مختلفة في العالم؛ لمحاولة استباق التهديدات المستقبلية، المحتمل أن تتطور؛ وذلك عبر النظر في كيفية توسيع الجماعات الإرهابية نفوذها والتعلم من دروس الماضي وأسباب سعي مختلف التنظيمات الإرهابية إلى إنشاء فروع جديدة لها.
وبالنظر إلى الماضي، سعى تنظيم القاعدة -على سبيل المثال- إلى توسيع نطقاته الجغرافية بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في أواخر 2001 وما أعقبه من حملة أميركية عالمية لمكافحة الإرهاب، وتستمر منذ أكثر من عشر سنوات معتمدة فيها على ضربات الطائرات دون طيار والقوات الخاصة؛ ففي 2003 أنشأ تنظيم القاعدة فرعًا جديدًا له في السعودية، تلاه فرع في العراق (2004)، ثم الجزائر (2006) واليمن (2007) والصومال (2010) وسوريا (2012) وهكذا.
طرق التوسّع
وبصفته خبيرًا في شؤون تنظيم القاعدة، أكّد «باراك مندلسون» أنّ تنظيم القاعدة توسع بطريقيتين: الأولى توسيع نطاقه داخليًا؛ كما في السعودية واليمن، أو الاندماج مع كيانات وجماعات إرهابية أخرى؛ كما حدث في العراق والجزائر والصومال.
وأضاف أنّ المجموعات الإرهابية تسعى إلى إنشاء فروع جديدة لأسباب متنوعة؛ منها على سبيل المثال توسيع نطاقها والاستفادة من الخبرات المحلية، وتعزيز أساليب وتقنيات وإجراءات مبتكرة ونشرها، وزيادة شرعية التنظيم بالاستفادة من الكوادر المحلية والاستغناء عن الكوادر الأجنبية؛ حتى لا ينظر إليهم بأنهم كيانات أجنبية.
كما إنّ توسيع النطاق يجعلها أقوى مما هي عليه؛ عبر توسيع مسارح أنشطتها. ودأبت فروع القاعدة الجديدة على قيادة هجمات ضد المصالح الغربية في المناطق النائية بشمال إفريقيا وجنوب آسيا، بينما ركّزت القيادة المركزية على استهداف القوات الأميركية في أفغانستان؛ ما يعطي الانطباع بأنّ تنظيم القاعدة قادر على قيادة هجمات في جميع أنحاء العالم، وهو ما يعزز في النهاية من أهدافهم الأساسية.
وداخليًا، يتيح الأمر لها اكتساب خبرات محلية؛ عبر الاندماج في الكيانات الأخرى، كما حدث مع حركة شباب الصومال على سبيل المثال، الذي مهد لها الطريق للتوسع في منطقة القرن الإفريقي. وبخصوص الابتكار، استفاد تنظيم القاعدة في اليمن من الخبرات المحلية في تصنيع القنابل المحلية والدانات المتفجرة، وتمكنوا بها من استهداف تطوير أنشطتهم النوعية.
كما سمح لها التوسع أيضًا باكتساب الشرعية داخل مناطق النزاع؛ ففي سوريا مثلًا انخرط التنظيم في توفير الخدمات المحلية للسكان، بما فيها المياه والكهرباء، ودعم المخابز المحلية ومراقبة أسعار الأسواق والمواد الغذائية؛ في محاولة منهم لإثبات أنهم يهتمون بقضايا الحياة اليومية للسوريين، غير أن ما حدث إضافة أعباء مرهقة وفوق طاقاتهم في أحيان.
مخاطر التوسّع
لكن، من ناحية أخرى، يحمل التوسّع مخاطر مفاجئة. ففي أحيان تفتقر الفروع التابعة للتنظيم إلى القدرة أو الرغبة في تنفيذ جدول أعمال القيادة المركزية، كما إنّ نقل التوجيهات عبر مساحات شاسعة لأعضائه يعرّضهم لخطر الاستهداف. أيضًا، قد يضر فرع بالصورة والاستراتيجية اللتين اتخذهما التنظيم المركزي لنفسه، ويمكن للفرع أن يسعى من أجل تنفيذ مصالحه الخاصة.
وكمثال على ذلك ما فعله فرع القاعدة في العراق؛ إذ سعى «أبو مصعب الزرقاوي»، المتعطش إلى الدماء، لقيادة حملة طائفية ضد الشيعة في الدولة، وحاول بن لادن ومن بعده الظواهري مرارًا إثناءه عن أهدافه؛ لكنهما فشلا.
كيف يبني فروعه الجديدة؟
ولأنّ الشعار الخاص بتنظيم الدولة قائم على الطائفية والعنف، فهناك مخاوف حالية من أن يبني التنظيم فروعًا عديدة له على غرار تنظيم القاعدة، وهناك خلافات حالية على غرار الخلافات التي نشبت داخل تنظيم القاعدة لاستهداف العدو القريب أم العدو البعيد، وهكذا.
وبالفعل بدأ تنظيم الدولة في تحويل موارده المالية والبشرية إلى أماكن أخرى في العالم، واتباع التكتيكات الرئيسة التي كان يتبعها القاعدة في أفغانستان بإطلاق هجمات انتحارية وتصعيد من أسلوب التفجيرات، تمامًا كما يحدث الآن في سيناء؛ ومن المرجح أن يستمر تنظيم الدولة مدة طويلة.
وفي كل الأحوال، تفكيك أيديولوجية التنظيم وهيكله الإداري أمر غاية في الصعوبة. إضافة إلى ذلك، سعى التنظيم منذ تأسيسه إلى التوسع والتعاقد مع تنظيمات أخرى لتحقيق أهدافه؛ ما يثبت أنه بالفعل قوة خطيرة وقاتلة ومزعزعة للاستقرار في المناطق التي يعمل فيها.
وتمامًا كما توقع الخبراء لتنظيم القاعدة بعد هزيمته في أفغانستان والعراق بأن يعود أقوى مما كان عليه عاجلًا أم آجلًا، مستغلين في ذلك المظالم التي يتعرّض إليها المسلمون السنة في أماكن مختلفة.
على سبيل المثال: أزمة الروهينجا المسلمين في ميانمار عامل محفز ليتوسع تنظيم الدولة في هذه المنطقة ومنها إلى جميع أنحاء جنوب آسيا.
ففي يناير الماضي، اعتقلت السلطات الماليزية شخصين مرتبطين بتنظيم الدولة قتلا رهبانًا بوذيين؛ انتقاما من المعاملة التي يتلقاها مسلمو الروهينجا، وبالمثل يعتقد أنّ منفذ هجوم أنفاق مدينة نيويورك فعل ذلك انتقامًا للروهينجا.
كل هذا يأتي في وقت يتنافس فيه تنظيما «الدولة والقاعدة» على اكتساب مناطق نفوذ وأراضٍ جديدة؛ وبالتالي يجب على المجتمع الدولي أن يكون في حالة تأهب قصوى لمنعهم. لكنّ هناك عوامل أخرى، كالدولة الهشة أو التي تعاني من صراع أهلي أو توترات طائفية مستمرة؛ تعتبر أرضًا خصبة لنشوء التنظيمات الإرهابية على اختلاف أنواعها.