نشرت مجلة «نيوزويك» الأميركية مقالًا للمحامي الدولي والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب «إيان ويلكي»، المحارب القديم في الجيش الأميركي، عن الطريقة التي أُثبت بها استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ضد المدنيين، وطبيعة هذه الأدلة ومقدميها، مضيفًا أنّ أفضل طريقة لتحليلها واستخدامها من عدمه هي محاولة التعرف على من يقدّم الأدلة ولماذا يقدمها وما تتضمنه.
وأكّد، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ عرض أسلحة الدمار الشمال الكاذب في الأمم المتحدة قبل 2003 قاد في النهاية إلى الغزو الآثم والمحرّم للعراق؛ ويفتح الباب للتساؤل عن دوافع الذين يتهمون الآخرين بحيازة أسلحة دمار شامل أو ارتكاب جرائم إنسانية وبناءً عليها يطالبون بتغيير النظام على أساس هذه الادعاءات.
وقال وزير الدفاع «جيمس ماتيس» مؤخرًا إنّ هناك جهات زوّدت الولايات المتحدة بأدلة كافية على استخدام الرئيس السوري بشار الأسد غاز السارين السام ضد شعبه، أو بعبارة أخرى: البنتاجون غير مقتنع كفاية بالأدلة التي قدمت إليه من الجهات التي تحدث عنها.
صانع غير متخصص!
مصدر الأدلة أمر بالغ الأهمية، خاصة في حالة سوريا؛ فالجهاديون الذين يُحاربون هناك من غير المستبعد أن يتبعوا مبدأ خداعيًا في حربهم ضد بشار، أو اتباع الأسلوب الانتقائي؛ بمعنى التركيز على أفعال بعينها والتغاضي عن أخرى بما يخدم هدفها أيًا كان توجهها.
وتعود تجربة كاتب المقال مع الأسلحة الكيميائية إلى عقود، عندما درّب على التعامل معها وطبيعتها؛ وقال إنّ رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السابق استعان به لإطلاعه على السجل المتعلق بالأسلحة الكيميائية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، والمواد العضوية القاتلة فيها ميزة لا تتوافر في أسلحة أخرى؛ إذ تختفي ىثارها في غضون دقائق، كما إنّها ليست ذات لون أو رائحة محددة؛ ومن الصعب اكتشافها.
ولغاز السارين هذه الخصائص؛ فهو عديم اللون أو الرائحة. ووفقًا لشهادات من تعرضوا للقصف الكيميائي في الغوطة، قالوا إنّهم شهدوا غازًا لونه أصفر وله رائحة الكلور؛ ما يعني أنّ من صنع هذه الأسلحة غير متخصص، أو أنّ الغاز تسرّب خطأ من مخزن مواد كيميائية، أو أنّها في النهاية قذيفة استهدفت معقلا لـ«المتمردين».
«السم في العسل»
وركّز الكاتب على تقديم سيناريوهات محتملة ومختلفة، ولا يقترح أنّ نظام الأسد من ألقاها يقينًا؛ فالفيديوهات المسرّبة توضّح أفرادًا من الدفاع المدني السوري المتطوعين، أو ما يطلق عليهم «أصحاب الخوذ البيضاء» ومعظمهم تابعون للمعارضة، يشاركون في جمع الأدلة على إطلاق الأسلحة الكيميائية على المواطنين في منطقة خان شيخون؛ والاكتفاء بما يقدّمونه بمثابة «دس السم في العسل».
وفي كل الأحوال، استخدام الأسلحة الكيميائية ضد مدنيين أو عسكريين أمر غير أخلاقي، ولا يجب على العالم أن يجلس مكتوف الأيدي أثناء رؤية الناس يموتون بسببها مثل الفئران المسمومة.
وإذا كان ما تقوله أميركا صحيحًا؛ فلماذا لم تظهر هذه الأدلة حينها وظهرت في هذا التوقيت تحديدًا؟
وفقًا لسجل أميركا في التعامل مع الخصوم فالأمر موضع شك؛ خاصة إذا علمنا أن أكثر من يخرج بأدلة ضد هدف ما هو الاستخبارات الأميركية؛ وهو ما يلقي بظلال الشك على الأدلة الجديدة التي تتحدث عنها الولايات المتحدة ويضعها موضع تساؤل.
دوافع سياسية
وغير ذلك، عرضت سوريا وروسيا على المحققين الأميركيين والمحققين التابعين للأمم المتحدة تفقّد قاعدة شيرات الجوية السورية؛ لكنهم رفضوا الأمر. كما إنّ طريقة البحث والتحقيق المتبعة في خان شيخون تثير شكوكًا أكثر، خاصة وإذا علمنا أنّ الخبراء الأميركيين كانوا على اتصال بأصحاب الخوذ البيضاء.
وهذه الأدلة قد تكون مدفوعة في النهاية برغبة الولايات المتحدة في تغيير النظام السوري، خاصة وأن أصحاب الخوذ البيضاء مدعومون من أميركا والمملكة المتحدة، وعلى اتصال بالمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي ثبت يقينًا أنّ أفرادًا له كانوا على اتصال بقيادات في تنظيم القاعدة.
كما إنّ تحليل هذه الأدلة لم يكن بشكل موضوعي، وأفضل طريقة للتحليل هي الابتعاد عن الأهداف السياسة أثناء العمل. ووفقًا للتجارب السابقة، فالمحللون والخبراء والمحققون الأميركيون لهم سوابق في العمل تبعًا للدوافع السياسية، و«في الوقت نفسه، أنا لا أدافع عن النظام السوري أو روسيا»؛ غير أنّ الحرب «مطحنة لحم»، فالجميع يموتون لأسباب مختلفة؛ سواء بإطلاق النيران أو القصف أو الأمراض أو المجاعات، وكذلك المواد الكيميائية.
وإذا ثبت قطعًا أنّ النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه فيجب ألا تُحجب الحقيقة عن الجميع، وأن يسارع المجتمع الدولي إلى محاسبته على جرائمه. كما يجب محاسبة قاتلي الناس بطرق أخرى تقليدية باستخدام الأسلحة؛ ما يعني محاسبة النظام السوري في النهاية وجميع الأطراف المشاركة في هذه الجرائم، خاصة وأنّ معظم الوفيات في سوريا من المدنيين.
أيضًا، على أميركا أن تنظر إلى نفسها أولًا؛ فهي صاحبة إطلاق أول سلاح دمار شمال على اليابان، واُتُهمت بضرب فيتنام بغاز كيميائي يسبب السرطان، وهناك مزاعم بأنها ساعدت صدام حسين سرًا في استخدام غاز السارين ضد القوات الإيرانية.