يبدو أن تبعات دعوات مقاطعة الانتخابات، لا تزال تلقي بظلالها على المشهد السياسي المصري؛ فبعد ظهور التوتر على عبدالفتاح السيسي خلال خطابه الأخير، وتهديده للداعين للمقاطعة، بدأ السيسي في تنفيذ تهديداته؛ حيث أحال النائب العام المستشار نبيل صادق، يوم الإثنين، البلاغ المقدم من محمد حامد سالم المحامي، يتهم فيه حمدين صباحي و12 قياديا من الحركة المدنية الديمقراطية بإثارة الرأي العام والتحريض ضد الدولة، إلى نيابة شمال الجيزة للتحقيق.
التحقيق مع الداعين للمقاطعة
واختصم البلاغ الذي حمل رقم 1494 لسنة 2018، كلا من: «خالد داود رئيس حزب الدستور، ويحيى حسين عبدالهادي، ومحمد سامي رئيس حزب الكرامة، وحمدين عبدالعاطي عبدالمقصود صباحي وشهرته حمدين صباحي، وداود عبد السيد، مخرج سينمائي وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي وأحمد فوزي الأمين العام السابق بالحزب المصري الديمقراطي، ومدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الديمقراطي، وأحمد البرعي وزير التضامن الأسبق وعمرو حلمي وزير الصحة الأسبق، وجورج إسحاق، وأحمد دراج، وعبدالعليم داود».
وقال البلاغ، إنه بتاريخ الثلاثاء 30 يناير 2018 قام المبلغ ضدهم بالاشتراك مع آخرين بعقد مؤتمر صحفي بغرض إثارة الرأي العام والتحريض ضد الدولة والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج وبث روح التشكيك والإحباط والفتنة بين الشعب وبعضه وبين الشعب ومؤسسات الدولة وشنوا حملة تشويه متعمدة للإضرار بالأمن والاقتصاد القومي وزعزعة أمن واستقرار البلاد وذلك لقلب نظام الحكم في البلاد وإسقاط الدولة للأبد.
وأضاف أنه قام المبلغ ضدهم وآخرون من خلال هذا المؤتمر الصحفي الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية والمعادية والمنتشر على موقع اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي بإعلانهم مقاطعة الانتخابات الرئاسية ودعوا المواطنين المصريين بمقاطعة الانتخابات الرئاسية وتحريضهم على عدم المشاركة فيها المزمع إجراؤها في مارس المقبل وإثارة الرأي العام ضد الدولة.
وطالب البلاغ بالتحقيق واتخاذ اللازم قانونا واستدعاء المبلغ ضدهم وسماع أقوالهم وسماع أقوال من يثبت اشتراكهم معهم في ارتكاب الجرائم وإحالتهم للمحاكمة الجنائية العاجلة.
تهديد المعارضين
وخلال الساعات الـ48 الماضية، كشف عدد من المعارضين المصريين من المحسوبين على الأحزاب والتيارات المدنية، تلقيهم تهديدات مباشرة عبر اتصالات هاتفية من أجهزة أمنية، وذلك عقب البيان الذي أصدرته أحزاب القوى المدنية بمقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وبعد إعلان يحيى حسين عبدالهادي، المعارض المصري الذي ألقى بيان الأحزاب المدنية الذي طالبت فيه بمقاطعة الانتخابات، تلقِّيه تهديدا من رقم خاص «لا تظهر أرقامه»، خرج الكاتب المعارض سليمان الحكيم ليعلن تلقِّيه مكالمة بالمضمون نفسه.
وتأتي تلك التهديدات الأمنية عقب حديث السيسي عن أنه من غير المسموح توجيه الرأي العام من قِبل أي شخص، حينما قال: «تتكلم في بيتك ماشي.. تدردش مع أصحابك ماشي.. لكن تتكلم للرأي العام لازم تعرف حدودك».
وفي هذا الصدد، قال مجدي حمدان، القيادي السابق بجبهة الإنقاذ، إن النظام قرر أن يستخدم الحل الأمني مع القوى المدنية منذ فترة، وأن إعلان البعض صراحة عن تلقيه تهديد، ربما يكون محاولة لمقاومة هذا الخطر.
وأوضح حمدان، في تصريح خاص لـ«رصد»، أننا مقبلون على مرحلة جديدة للعلاقة بين التيارات المدنية ونظام السيسي، بعد أن قررت هذه القوى مخالفة تعليماته، وقررت الخروج عن طوعه.
رياح سبتمبر
وحذر الكاتب الصحفي محمد سعد عبدالحفيظ، من أن تكون تهديدات السيسي بطلب تفويض جديد مقدمة لشن النظام حملة اعتقالات كالتي قام بها السادات في الخامس من سبتمبر 1981.
وفي مقال له تحت عنوان «رياح سبتمبر» قال: «أخبرني صديق صحفي أنه بعد سماعه خطاب السيسي الأخير سيطرت عليه مشاعر الخوف، للدرجة التي رجع فيها إلى مقال كان قد جهزه للنشر في إحدى الصحف، فحذف منه بعض الجمل وهذّب البعض الآخر واستبدل كلمات بأخرى وأعاد النظر أكثر من مرة قبل إرساله للنشر».
وأضاف أن رسائل الخوف التي أشاعتها كلمات السيسي لم يخص بها «أهل الشر» الذين اعتاد أن يذكرهم في خطبه من إرهابيين وتكفيريين، بل موجهة إلى القوى التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية احتجاجا على عدم توافر ضمانات النزاهة والتنافسية، بحسب ما نقله صحافيون قريبون من دوائر صنع القرار سمعوا الكلمات من داخل القاعة.
وأوضح أن ما أكد هذا التصور أن كتائب الإعلاميين الذين لا ينطقون عن الهوى، بل هو وحي يوحى من جهات بعينها، اتهموا أصحاب دعوات المقاطعة بـ«الانقلاب على الدستور» وهو ما يستدعي مساءلتهم.
وأضاف أن الكلمة التي استدعت مشاعر الخوف والترقب، حملت رياح سبتمبر التي مرت بها مصر عام 1981، عندما السادات قمع المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، فصورهم في خطاب في مجلس الشعب على أنهم فئة تسعى إلى إشعال فتنة، وانتهى الأمر إلى اعتقال نحو 1500 معارض منهم سياسيون وأكاديميون وكتاب وصحفيون وعزل البابا شنودة ونفاه مع عدد من الأساقفة إلى دير وادى النطرون.