قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» إنّ الاحتجاجات الإيرانية خفتت وعادت الأمور إلى طبيعتها مرة أخرى، وقوبلت هذه التظاهرات بقبضة حديدية من السلطة الإيرانية؛ بعدما بدأت في الأساس بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف السياسات الاقتصادية والعسكرية لحكومة الرئيس روحاني بشأن البطالة والفساد الحكومي.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ التظاهرات تطوّرت بسرعة كبرى وطالت النظام الإيراني كله والمرشد الأعلى، وانتشرت من مدن وبلدات صغرى إلى المدن الكبرى، واكتسبت دعمًا واسعًا بين الإيرانيين المقيمين في الخارج، كما دعت دولًا كالولايات المتحدة وكندا و«إسرائيل» إلى الاستجابة لمطالبهم؛ معلنة عن دعمها لهم.
وبعد أربعة أيام فقط، أمرت الحكومة الحرس الثوري الإيراني بقمع الاحتجاجات، وبدؤوا بالفعل في اعتقال المتظاهرين وتعذيبهم؛ حتى إنهم قتلوا أشخاصًا في مدن مختلفة. وتقول الإحصاءات التي قدمتها جماعات حقوق الإنسان إنّ أكثر من 3700 متظاهر قبض عليهم، وقتل 25 شخصًا.
وقال مراقبون إيرانيون إنّ التظاهرات كانت مؤشرًا واضحًا على مدى الكراهية تجاه النظام، الذي حرم الشعب من حقوقه الأساسية وحرياته الاجتماعية، ونهب البلد وإنفاق ثرواتها على سياسات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة بدلًا من تحسين رفاهية الشعب.
وقال أشخاص آخرون مقرون من الاحتجاجات، رفضوا أن تُذكر أسماؤهم خوفًا من الملاحقة، إنّ الخوف من الانتقام والتعذيب حتى الموت منع إيرانيين من الانضمام إلى التظاهرات. والانتفاضات في عامي 1999 و2009 قضت عليها المليشيات العسكرية وانتشر التعذيب والقتل آنذاك.
وقال ناشط سياسي شارك في التظاهرات: لا يمكنك إنكار قمع قوات المليشيات؛ ونتيجة لهذا المستوى من القمع والعنف، واعتقال الآلاف وقتل العشرات وجرح المئات، عزف المواطنون عن الاستمرار في احتجاجاتهم.
وألقى موظف حكومي آخر باللوم على الأذرع الحكومية القوية، التي أدت في النهاية إلى تراجع الاحتجاجات؛ متسائلًا: هل لأننا نحتج على حقوقنا نقابل القتل والتعذيب؟ مضيفًا أن النظام الإيراني مسلح بالأسنان والناس جميعهم معبؤون بالغضب ولا يسمعهم أحد، متابعًا: «بلدنا غني لكننا فقراء».
وتساءل أيضًا الموظف الحكومي الذي شارك في الاحتجاجات: لماذا تنفق الحكومة الإيرانية الأموال على الأجانب الذين يقتلون الناس؟ ولماذا يجب على المرأة الإيرانية أن تتحول إلى عاهرة كي تستطيع الإنفاق على أسرتها؟ هل هذه نتائج الثورة التي وعد بها الخميني؟
وقال متظاهر آخر إنّ انعدام دعم الحكومات الأوروبية ساهم في فشل الانتفاضية، مضيفًا أنّها لا تقف مع النظام فقط، بل تدعمه أيضًا؛ لأنها تستفيد من ثروات إيران، خصوصًا بعد الاتفاق النووي، مضيفًا أنّ هذ الدعم الوحشي من الحكومات الأوروبية للحكومة الإيرانية خطوة قاسية ضد المتظاهرين، و«نحن نبحث عن مجتمع حر غير ديكتاتوري يهتم بمصالحنا الوطنية».
وأوضح عالم سياسي إيراني أنّ الاحتجاجات فشلت لأن المتظاهرين لم يتمكنوا من تقديم خطط بديلة، والكراهية ضد النظام الإيراني أمر واضح؛ لكن تحقيق الأهداف المذكورة يحتاج إلى بدائل أخرى لم تقدمها التظاهرات الأخيرة.
وأضاف أنّ المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع وهتفوا وقاتلوا، ولم يكن لديهم مطلب محدد أو خطط، مضيفًا أنّ غياب زعيم مؤثر أحد الأسباب الأخرى التي ساهمت في هزيمة الثورة، واختلاف الآراء أو وجود قيادة واحدة أحد أهم أسباب ضعف الحركة الاحتجاجية وساهم من تحسين قدرة الحكومة على قمعها، ومضيفًا أيضًا: «هذا الافتقار إلى توافق الآراء أدى إلى غياب دعم متبادل، والنتيجة أمامنا الآن».
وأضاف العالم السياسي أنّ الشعب الإيراني هو من يدفع الثمن؛ فالقوة السياسية للنظام، التي تعززها آلته القتالية، والاقتتال الدالي للشعب؛ جعلا القضاء على التظاهرات أمرًا في غاية السهولة للنظام.
وقال صحفي إيراني وعالم اجتماع إنّه على الرغم من أنّ الاحتجاجات أخمدت ربما تعود؛ لأنّه لم يتغير شيء على أرض الواقع، والوضع هادئ حاليًا. لكن، طالما يستمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه؛ أتوقّع أن تندلع الاحتجاجات مرة أخرى.
وأضاف أنّ هذه الاحتجاجات لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإيراني، وشبيهة بالتي اندلعت أثناء الثورة الإسلامية من حيث الزخم الثوري.
وانضم إلى الاحتجاجات أشخاص في أكثر من مائة مدينة؛ حتى إنّها غزت القرى وشملت مختلف أنحاء البلاد، وأظهرت إمكانيات الفقراء، مضيفًا أنّه يعتقد أنّ هذه الحركة ستستمر، وهناك احتمال أن تنضم إليها الطبقة الوسطى أيضًا.
واتفق الناشط السياسي المشارك في المظاهرات على أن غياب الوحدة ساهم في سقوط الاحتجاجات، والقوات الحكومية لا يمكن أن تقف في وجه آلاف الأشخاص إذا كان هناك تنسيق بين الناس؛ لكنّ ما يحدث أن كل شخص يريد القتال بطريقته الخاصة، وأحد أهم أسباب تراجع الاحتجاجات هو التباين وغياب خطة بديلة أو مطالب فورية، والافتقار إلى القيادة وضعف مشاركة المجموعات الطلابية والنقابات العمالية والأحزاب السياسية، إضافة إلى غياب نظرية لشرح المطالب والهدفين الطويل الأجل والقصير، ونقص التكتيكات والاستراتيجيات الضرورية لمحاربة النظام، بالإضافة إلى اللامبالاة التي اعترت الطبقات الوسطى والعليا بسبب وضعهم الاقتصادي الجيد نسبيًا.
واتفق ناشط إيراني تابع للحزب الكردستاني على أنّ استراتيجية المتظاهرين كانت معيبة، ولم تشمل الاحتجاجات القطاعات الأخرى الأكثر استقرارًا في إيران، مضيفًا أننا بحاجة إلى تثقيف المجتمع الإيراني حتى يتمكن من تنظيم الاحتجاجات بأنفسه.