عرضت مجلة «فورين بوليسي» تاريخ العلاقات السعودية القطرية، والنقطة التي انطلق من عندها الخلاف بينهما، موضحة في تحليل مطوّل لها أنّ الخلاف بدأ في الأساس بسبب محاولات السعودية المستمرة لإخضاع قطر منذ منتصف التسعينيات، ووصفتها بأنها جميعها فاشلة، بل وزادت من وضع قطر إقليميًا وعالميًا في النواحي الاقتصادية والسياسية كافة وكان لها تأثير عكسي مباشر على التحالف نفسه.
بدأت الصحيفة تحليلها، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، بالإشارة إلى بدء السعودية ودول عربية تحت مسمى «التحالف السعودي» قطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الجانب القطري في 5 يونيو 2017؛ بزعمه دعم قطر التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة والجماعات السياسية الإيرانية.
وعلى الرغم من أنّ دعم قطر لتنظيمات مثل «حماس والإخوان المسلمين» ليس سببًا منطقيًا للعداء بين دول الخليج؛ لم تكشف السعودية تمامًا عن منطقها من فكرة قطع العلاقات، بل رغبت في أن تُخضع قطر لها كما كانت حتى منتصف التسعينيات. ومنذ ذلك الحين، وضعت قطر سياسات مستقلة عن المملكة العربية السعودية.
وقالت المجلة إنّ قطر لن تلبي مطالب التحالف الحالية، وستؤدي العزلة المفروضة عليها إلى نتائج عكسية للتحالف؛ وأدّت بالفعل إلى تحسين علاقات قطر مع الدول الإقليمية الأخرى (كإيران).
السياق التاريخي للعلاقات السعودية القطرية
قالت المجلة إنّ التوتر العميق بين التحالف السعودي وقطر يمثّل انحرافًا عن الوضع المقام على مدى السنوات الـ15 الماضية. والواقع أنّ هذه البلدان انحازت إلى قضايا سياسة خارجية منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في أوائل الثمانينيات، الذي يضمّ في عضويته قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وعمان.
على سبيل المثال، في الربيع العربي عام 2011، دعمت السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر النظام السني البحريني ضد الاحتجاجات المدعومة من الشيعة، وأرسلت قوات عسكرية ومعدات لإخماد الاحتجاجات.
وبالمثل، في الحرب الأهلية السورية الحالية، دعّمت السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر بشدة المعارضين السوريين ضد الرئيس السوري بشار الأسد؛ بما في ذلك تزويد الجماعات المعارضة بالأسلحة مثل جيش فتح والجيش الحر السوري.
وكذلك الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015، أرسلت فيها السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر معدات وقوات لمحاربة الحوثيين الشيعة.
تدهور العلاقات
وعلى الرغم من وجود قدر كبير من التعاون بين قطر والائتلاف السعودي، فإنّ هناك توترًا متزايدًا بين قطر والمملكة على مدى السنوات العشرين الماضية، ارتبط بنوايا السعودية الحالية تجاه تحول قطر من «الدولة الدمية» إلى «الدولة المستقلة» في منتصف التسعينيات.
فمنذ عام 1972 إلى عام 1995، اتبع أمير قطر خليفة بن حمد آل ثاني سياسات المملكة السعودية ولم يطوّر علاقات مع إيران والعراق أو «إسرائيل».
وفي عام 1995، تولى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم، وسعى لإعادة بناء العلاقة القطرية العراقية، ومشاركة أكبر حقل نفطي مع إيران، وتطوير اتفاق تجارة الغاز مع «إسرائيل». إضافة إلى ذلك، يعتزم الأمير الجديد تعزيز السياسات الديمقراطية في قطر، وحقوق المرأة، ووسائل الإعلام المفتوحة.
واعترفت السعودية من قبل أنها تحاول إخماد مساعي قطر نحو الاستقلالية. وفي عام 1996 حاولت السعودية تنفيذ انقلاب فاشل في قطر لإعادة الأمير السابق، الذي كان يعيش في المنفي في الإمارات؛ لكنّ من أوقفه الأمير حمد بن خليفة نفسه.
استقلال قطر يغضب السعودية
وفي سنوات قليلة تحوّلت قطر من دولة تابعة إلى قوة اقتصادية إقليمية. على سبيل المثال: في عام 1990، كان الناتج المحلي الإجمالي لقطر أقل من عشرة مليارات دولار، في حين وصل بحلول عام 2007 إلى مائة مليار دولار، وبحلول عام 2014 وصل إلى مائتي مليار دولار؛ والسبب الرئيس في هذا وفرة الغاز الطبيعي لديها، وتمكّنت قطر من بناء شبكة إعلامية هائلة «الجزيرة» عام 1996، وأصبحت معروفة بأنها منفذ للأصوات المستقلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكثيرًا ما كانت تنتقد القادة السعوديين والمصريين والأردنيين.
كما أتاحت قناة الجزيرة الفرصة للجماعات الإسلامية في مصر وفلسطين مثل الإخوان المسلمين وحماس، وقدّمت بشجاعة الآراء البديلة لما هو متداول في وسائل الإعلام السعودية وغيرها. ونتيجة لذلك؛ شعرت المملكة العربية السعودية بالقلق والغضب بسبب الانتقادات المستمرة التي أبدتها قناة الجزيرة وتشجيعها وجهات النظر المتعارضة.
ولأنّ قناة الجزيرة، خلافًا لغيرها من وسائل الإعلام الخليجية، تنتقد الأنظمة الخليجية؛ ترغب المملكة السعودية في إغلاقها؛ خشية من دعمها للاضطرابات المحلية في السعودية.
كما حاولت قطر في التسعينيات تطوير علاقة قوية مع الولايات المتحدة، على غرار المملكة العربية السعودية. وفي هذه الأثناء، أنشأت أميركا قاعدة «الأمير سلطان الجوية» في السعودية؛ لحماية النفط السعودي من قوات صدام حسين. ومع حرب الخليج، زادت أعداد القوات الأميركية، وبدأ وجودهم في قاعدة الأمير سلطان الجوية مستنكرًا من المواطنين السعوديين؛ باعتبار أنّ المملكة من أقدس الأماكن ولا يجوز وجود غير المسلمين فيها. ولتجنّب الاضطرابات المتزايدة في السعودية، غادرت الولايات المتحدة المملكة، ودعت قطر إلى إنشاء قاعدة عسكرية أميركية على أرضها في عام 1996.
ومما سبق تتضح دوافع السعودية من قطعها العلاقات مع قطر، بالتعاون مع دول عربية أخرى، وكانت أسباب انضمام مصر أيضًا إلى التحالف بسبب الانتقادات الموجّهة إليها من قناة الجزيرة القطرية؛ سواء لحسني مبارك أو عبدالفتاح السيسي، كما أنها فضّلت الرئيس محمد مرسي أثناء مدته الرئاسية.
ومع الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في انقلاب عسكري عام 2013، عادت الجزيرة مرة أخرى لمهاجمة عبدالفتاح السيسي، أما بخصوص البحرين فإنها مازالت دولة تابعة للسعودية، على سبيل المثال من بعد عام 2011، أرسلت السعودية قوات لإخماد الاحتجاجات الشيعية هناك، أما الإمارات فإن دعم قطر للإخوان أمر يقلقها.
العلاقات القطرية مع تركيا وإيران
العداء بين قطر ودول التحالف قادها أيضًا إلى إنشاء علاقات قوية مع تركيا أسرع مما شهدته في السنوات الخمس الماضية. وفي عام 2015، أسّست قطر وتركيا «مجلس التعاون الاستراتيجي»، الخاص بالمصالح المماثلة للسياسة الخارجية في كلتي الدولتين؛ إذ دعمت تركيا وقطر محمد مرسي والإخوان المسلمين وعارضت الانقلاب في مصر، ودعمت الدولتين المعارضين السوريين في سوريا ضد نظام بشار.
كما دعمتا الجماعات الإسلامية المعارضة للحكومة المعترف بها دوليًا في ليبيا، بينما تدعم الإمارات العربية المتحدة ومصر الحكومة المعترف بها رسميًا. وفي عام 2015 افتتحت تركيا أولى قاعدة جوية في الخليج العربي في قطر، ويبدو أن العلاقة التركية القطرية تهدد نفوذ السعودية؛ عبر جلب قوة كبرى أخرى إلى المنطقة.
وبالمثل، تطوّرت علاقة قطر مع إيران أيضًا بشكل كبير. ففي 22 مايو 2017، هنّأ الأمير القطري الرئيس الإيراني حسن روحاني على فوزه الانتخابي؛ وهو الأمر الذي كان مهينًا للسعودية ودول التحالف. إضافة إلى ذلك، هناك علاقة اقتصادية وثيقة بين الجانبين؛ باشتراكهما في أكبر حقل للغاز بالخليج الفارسي.
وأدّى نجاح العلاقات الاقتصادية بين الدولتين إلى فتح سفارات لهما في كلتي الدولتين وعقدت اجتماعات لمسؤولين رفيعي المستوى منهما، ويبدو أنّ العلاقة ستستمر في التحسن؛ استنادًا إلى تصريحات الرئيس الإيراني التي قال في أحدها، في 25 يونيو 2017، إنّ العلاقات الإيرانية القطرية تتطور أكثر فأكثر، واستعادت قطر كامل علاقتها مع النظام الإيراني، متجاهلة تمامًا مطالب التحالف العربي، وذلك بعد أن سحبت سفيرها من طهران في أوائل عام 2016 احتجاجًا على اعتداءات على موقعين دبلوماسيين سعوديين في طهران؛ بسبب الاعتراض على إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في السعودية.
وغير ذلك، قالت قطر من قبل إنها تتطلع إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع جمهورية إيران الإسلامية في جميع المجالات.
ومع تطور هذه التحالفات الجديدة، ليس من المستغرب أنه بمجرد أن قطع التحالف السعودي علاقاته الدبلوماسية مع قطر أرسلت إيران وتركيا إلى قطر الغذاء بعد توقفه من التحالف السعودي. وبحلول 11 يونيو، أرسلت إيران خمس طائرات تحمل ما مجموعه 90 طنًا من الفواكه والخضراوات إلى قطر.
الفرص الاقتصادية لقطر
أكّدت صحيفة «الفورين بوليسي» أنه منذ بداية الأزمة الدبلوماسية القطرية في عام 2017، شهدت قطر انخفاضًا كبيرًا في سلعها المستوردة؛ باعتبار أنّ معظمها قادم من دول التحالف، لكنّ صادراتها لم تشهد انخفاضًا مثيلًا للورادات. ولحسن حظ قطر، لم تؤثّر التخفيضات التي حققها التحالف السعودي على صناعة الغاز والنفط، التي هي أساس اقتصادها.
وما بين عامي 2010 و2015، استوردت قطر ما متوسطه 26 مليار دولار من المنتجات سنويًا، وتصدير ما قيمته 106 مليارات دولار من المنتجات سنويا؛ وغالبيتها العظمى من الغاز البترولي 55% والبنزين الخام 22% والبنزين المكرر 9%.
وفيما يتعلق بالواردات القطرية، أثّرت المقاطعة عليها؛ ففي مايو انخفضت بنسبة 38 دولارًا، ويونيو بنسبة 40%، وفقًا لصحيفة «فايننشيال تايمز». ونظرًا لأنّ قطر لا تتلقى واردات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر واليمن حاليًا؛ مثّلت ستّ فئات من المنتجات الأساسية لها مشكلة، وهي «المعادن والمنتجات المعدنية والمنتجات الحيوانية والمنتجات النباتية والمنتجات الكيماوية ومنتجات الماكينات».
لكنّ قطر لديها الإمكانية لزيادة وارداتها منها عبر دول إقليمية أخرى، خاصة إيران؛ إذ زادت التجارة مع إيران وتركيا وعمان والصين، وحلّت منتجاتها محل منتجات التحالف السعودي.
وتمكّنت قطر من تعويض النقص في هذه الفئات الأساسية بعلاقتها التي طوّرتها مع جيرانها الإقليميين، واستعاضت عن دول التحالف بشكل كامل، وجاءت النتيجة معاكسة تمامًا لرغبة دول التحالف؛ بل إنّ استمراره في سياسته تجاه قطر لن يضر أحدًا غيرهم.